تكتب بلا فائدة؟.. روائي شهير يقدم نصائح لهواة كتابة القصة.. “كيف تنهي رواية من الفكرة إلى الخاتمة؟”

عندما جلس المؤلف ويل مينموير صاحب رواية The Many ليكتب تلك الرواية - كتابه الأول الذي ترشح لنيل جائزة مرموقة- كان يُدرك أنَّه أمرٌ يسعى له الكثيرون ولا يُحقِّقه سوى القليلين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/23 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/23 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش

عندما جلس المؤلف ويل مينموير صاحب رواية The Many ليكتب تلك الرواية – كتابه الأول الذي ترشح لنيل جائزة مرموقة- كان يُدرك أنَّه أمرٌ يسعى له الكثيرون ولا يُحقِّقه سوى القليلين.

مينموير تحدث عن تجربته لموقع The Guardian قائلاً "كُنت أعلم أنَّني بحاجة إلى المساعدة؛ حتى لا يتحوَّل كتابي إلى كومةٍ من الورق المُكدَّس داخل درج مكتبي، وأعرفُ الكثير من الناس الذين كتبوا روايات ثم توقفوا عن الكتابة في المنتصف".



لذلك، قام مينموير باستخدام كل الأدوات التي خطرت بباله، وهو ما دفعه إلى إعداد رسالة ماجستير في الكتابة الإبداعية، موضوعها تخطيط الروايات.

ووضع لنفسه أهدافاً يومية، وقام بتحميل برنامجٍ يمنعه من الوصول إلى الشبكات الاجتماعية.

كما قام بتحميل برنامج "WriteTrack" ( أصبح اسمه فيما بعد Prolifiko)، والذي سمح له بمعرفة أعداد الكلمات ومتابعة تطور الكتابة.

وكانت النتيجة هي رواية The Many، التي رُشحت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر الأدبية.

والمقتطفات التالية هي مجموعةٌ من الملاحظات التي كتبها مينموير على البرنامج، وعدد الكلمات التي قام بتسجيلها في أوقاتٍ مختلفة، وهي دليل ممتاز لكل من يريد أن يحذو حذوه حتى لا تذهب كتابات المبتدئين أدراج الرياح.


خطة طبقاً لأفضل سيناريو ممكن


أدرك مينموير في وقتٍ مبكرٍ أنَّ عليه الاستفادة من كل الأدوات المتاحة للانتهاء من روايته الأولى.

وكونه تدرَّب كصحفي؛ رأى أنَّه من الأفضل أن يحدد لنفسه مواعيد للانتهاء من عمله، وكانت خطته تنص على كتابة 500 كلمةٍ يومياً على مدار 5 أيامٍ في الأسبوع.

الهدف الرئيسي


في حال التزم مينموير بمواعيده التي وضعها مسبقاً؛ كان سينتهي عملياً من كتابة 44242 كلمة، وهي إجمالي عدد كلمات الرواية، في 124 يوماً فقط.

الوقت الحقيقي الذي استغرقته الكتابة.. بعد 9 أيامٍ فقط من انطلاقه في الكتابة، بدأ يُدرك أن سعيه لكتابة 500 كلمة في اليوم قد لا يُكلل بالنجاح.

ولكنَّه لم يعلم وقتها أنَّه سيستغرق عاماً و10 أشهر ويومين للانتهاء من كتابة الرواية.

إذ قضى مينموير أكثر من 5 أشهر في كتابة 4300 كلمة، بدلاً من أسبوعين وفقاً لخطته الأصلية.

ما الذي تحتاجه لكتابة رواية؟




التغلب على الشك في قدراتك


كانت البيانات التي جمعها مينموير باستخدام البرنامج مليئةً بلحظات الشك في قدراته الشخصية، والقلق من ضعف جودة ما قام بكتابته.

وهذه ملاحظاته التي سجلها عندما كان يعتريه الشك:

* بعد مرور أسبوعين وكتابة 1000 كلمة: "بدأتُ أشك في أنَّ خطتي سيئةٌ للغاية، لكنَّني أحاول تجاهُل نفسي والالتزام بها".

* بعد مرور 4 أشهر وكتابة 14 ألف كلمة: "أصبح الأمر أقرب للحشو من الكتابة، لست واثقاً بقيامي بإضافة أي شيءٍ مُفيدٍ للمُحتوى، ولا أعلم كيف ستتطور الأحداث منذ هذه اللحظة".

* بعد مرور عامٍ كامل وكتابة 38 ألف كلمة: "بعد كتابة الملخص، أدركت أن هناك الكثير من الثقوب في الحبكة الدرامية".

يقول مينموير الآن عندما يتذكر تلك الأوقات: "كنت أرى الفكرة سيئةً للغاية، وأتساءل عن سبب استمراري في الكتابة، لم أكن واثقاً بما أفعله في أوقاتٍ كثيرة. لكنَّني لم أضغط زر المسح أبداً، على الرغم من رغبتي في فعل ذلك عدة مرات".

ويكمل "أعتقد أنَّ خروج عملك إلى النور أمرٌ يُعرضك للهجوم ويتطلب الشجاعة. لذلك أراه أمراً مُخيفاً للغاية، ويدفعك لتنفيذ ما تفعله بأفضل طريقةٍ ممكنة. طوال الوقت كنت أفكر في هذا، وخاصةً عندما أُعيد قراءة ما كتبته، كنت أقول لنفسي: هذا لا يمُتُّ بصلةٍ إلى ما تخيلته في رأسي. تبدو الأفكار رائعة وأنا أتخيلها في رأسي، لكن الكلمات على الورق لا ترسمها بأفضل صورة، لذلك كان عليَّ إغلاق الفجوة والربط بين الأفكار والكلمات".

تقدير اللحظات الجيدة


مثلما كانت هناك أوقات أصابته بالشك في قدراته، كانت هناك أوقاتٌ أخرى شعر خلالها بالسعادة الغامرة.

وهذه ملاحظاته عن تلك الأوقات:

* بعد مرور 10 أشهر وكتابة 19 ألف كلمة: "كانت هذه جلسةً رائعة. أحياناً يبدو الأمر أشبه بمحاولة السير عكس تيارٍ قوي، وفي أوقاتٍ أخرى تشعر وكأن التيار يحملك إلى وجهتك بطريقةٍ جميلة".

* بعد مرور أكثر من عام وكتابة 34 ألف كلمة: "مررت بلحظةٍ جميلة، في أثناء مراجعتي ما كتبته على طاولة المطبخ بعد ظهر اليوم، جلست ابنتي الصغيرة إلى جواري وبدأت في كتابة قصةٍ من تأليفها".

* بعد مرور أكثر من عام وكتابة 36340 كلمة: "يبدو أنَّني كتبت للتو أفضل جملةٍ كتبتها وسأكتبها على الإطلاق".

يقول مينموير الآن عندما يتذكر أفضل وأسوأ اللحظات التي مر بها خلال عملية الكتابة: "عند إعادة قراءة ما كتبته، أُصاب بالدهشة أحياناً عندما أجده أفضل مما ظننت".

وكان هناك العديد من اللحظات الشخصية التي دفعته للاستمرار؛ مثل: جلوس ابنته إلى جواره للكتابة، وصورةٍ استقبلها من ابن أخيه الذي بدأ في كتابة روايته بعد أن استمد إلهامه من عَمِّهِ. ويقول مينموير: "مثل هذه الأشياء كان لها تأثيرٌ ساعدني كثيراً".

وأضاف مينموير: "قد يبدو كلامي درامياً، لكن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتني لكتابة هذه الرواية، هو أن أتمكن من النظر إلى أطفالي وأخبرهم: (إذا أردتم تنفيذ شيءٍ ضخمٍ وإبداعي، خصصوا له وقتاً كافياً. حتى لو كنتم منشغلين للغاية أو تعانون ضغوطاً أخرى، وحتى لو كنتم بحاجةٍ إلى كسب قوتكم أو غيره). ليس من المفترض أن أكسب الملايين من هذه الرواية، لكنني كنت أشعر بأنَّه يتعين علي الانتهاء منها، حتى لا أكون منافقاً".

التسويف


لم يكن من السهل الحفاظ على التركيز. في بعض الأحيان، كانت الانحرافات البسيطة عن الجدول، مثل القراءة والتجول سيراً على الأقدام، مُفيدةً ومُثمرة، وفي أحيانٍ أخرى كانت الشبكات الاجتماعية مثلاً تقاطع عملية الكتابة وتضر بها.

وهذه ملاحظاته عن الأمر:

* بعد مرور أسبوعين وكتابة 1500 كلمة: "أضفتُ بعض الجُمَلِ إلى الفصل الأول، ثم قررت أخذ استراحةٍ والانطلاق في نزهةٍ على المنحدر الصخري، آملاً أن أستمد الإلهام من الطبيعة".

* بعد مرور أكثر من شهر وكتابة 8200 كلمة: "كتبتُ 700 كلمة، سأقوم بإضافتها إلى أداتي الإنتاجية الجديدة التي تمنعني من استخدام الإنترنت في أثناء الكتابة. من المؤسف أن أكون بحاجة إلى مثل هذا البرنامج لمنعي من النظر إلى بريدي الإلكتروني أو تويتر".

* بعد مرور عام كامل وكتابة 38090 كلمة: "لم تُفلح جولتي على شاطئ البحر هذا الصباح في إضافة الكثير إلى عدد الكلمات، لكن يبدو أنَّ عدداً من الأفكار يختمر في رأسي وسأستيقظ غداً جاهزاً لكتابة فصلٍ جديدٍ بالكامل".

ويعترف مينموير صراحةً بأنَّ الشبكات الاجتماعية والمغريات الموجودة على الإنترنت كانت مصدر إلهاءٍ مستمر: "تويتر، فيسبوك، وحتى الكلمات المتقاطعة في Guardian.. سأقوم بفعل أي شيءٍ سوى الكتابة؛ لأن معظم الأشياء أسهل من الكتابة".

ونظراً لقوة تأثير مصادر الإلهاء على الإنترنت، قرر مينموير استخدام التكنولوجيا لمكافحة التكنولوجيا؛ إذ قام بتحميل برنامج "SelfControl"؛ لمنعه من استخدام الشبكات الاجتماعية على الكمبيوتر المحمول وقت العمل.

لكنَّه أضاف أنَّ وسائل إضاعة الوقت التقليدية، مثل تمشية الكلب وقراءة الكتب، منحته الراحة التي يحتاجها بشدة.

ويقول مينموير: "الحصول على مساحة للتنفس أمرٌ مفيدٌ للغاية. فخلال جولة مشي طويلة، يقوم عقلك بمراجعة ودراسة حبكة الرواية دون وعيٍ منك، حتى لو لم تُفكِّر في الأمر".

ومثل غيره من الكُتَّاب، يرى أنَّ قراءة أعمال الروائيين الآخرين تمنحه الإلهام. ويضيف: "من المهم بالنسبة لي قراءة رواياتٍ مكتوبةٍ بعناية. أقوم الآن بقراءة رواية Light Years للكاتب جيمس سالتر، وأسلوب الكتابة فيها أبهرني بشكلٍ كبير. أعتقد أنَّها تضع نصب عينيّ هدفاً أسعى للوصول إليه. كل جملة كتبها تمت صياغتها بطريقةٍ جميلةٍ تجعلني أرغب في صياغة جملي، ليس بطريقته نفسها بالضرورة، ولكنها تجعلني أرغب في تطوير صياغتي".

أدوات كسر الملل


الإجازات مهمة للحفاظ على جودة تفكيرك. لكن كيف تأخذ استراحة دون أن تقتل الحالة الإبداعية؟

هذه ملاحظات مينموير عن ذلك السؤال:

* بعد مرور قرابة الشهرين وكتابة 8900 كلمة: "إجازة نصف العام لم تكن مناسبة للكتابة، لكنَّني عدتُ بعدها إلى الرواية منتعشاً وجاهزاً للمرحلة التالية، لذا يبدو أنها أفادتني بطريقةٍ أو بأخرى".

*بعد مرور 4 أشهر وكتابة 11500 كلمة: "عزيزي WriteTrack، لقد مضى 25 يوماً منذ كتابة اعترافي الأخير. وبما أنَّني كنت في عطلة، فقد انطلقت في رحلةٍ إلى توتيليا بارتون لأجمع المزيد من الكلمات الجديدة وأضيفها إلى الرواية".

* بعد مرور 9 أشهر وكتابة 14300 كلمة: "فتحتُ الرواية المكتوبة بخط اليد، وأعدتُ قراءتها، لكنَّني عاجزٌ في هذه اللحظة عن استعادة تدفق أفكاري لسببٍ ما. فبعد التوقف بضعة أشهر، لا أشعر بأنَّها روايتي في الوقت الحالي".

ويقول مينموير: "أنت تعيش مع روايتك بشكلٍ يومي. تعيش وسط أجوائها وشخصياتها التي تحوم في رأسك طوال الوقت. وأعتقدُ أحياناً، مثلما يحدث وسط أي مجموعةٍ من الأصدقاء، أنَّني بحاجة إلى استراحة؛ إذ يتعين عليك الابتعاد عن صخب الأحداث من وقتٍ لآخر؛ لأنني أجدها عمليةً مرهقةً جداً. لكن كلما طالت استراحتك، ابتعدت أكثر عن الرواية، ودائماً ما أشعر بالقلق من فقداني شيئاً جوهرياً عند الانطلاق في إجازة. لكنَّني أحياناً أكون بحاجة للحصول على هذه المسافة".

الاحتفال بالإنجازات


بعد مرور 3 أشهر على بدء الكتابة، حقق مينموير إنجازه الكبير الأول بكتابة 10 آلاف كلمة. لكن الأمر استغرق 9 أشهر أخرى للوصول إلى 20 ألف كلمة، ومضى المزيد من الوقت قبل أن تصبح الكلمات على شاشة الكمبيوتر الخاص به أكثر واقعية وتُشكِّل حبكة روائيةً ملموسة.

وهذه ملاحظاته عن الإنجازات التي حققها وكيف احتفل بها:

* بعد مرور شهرين وكتابة 10 آلاف كلمة: "انتهيتُ للتو من كتابة 10 آلاف كلمة، وبدأتُ الآن أشعر وكأنَّها أولى خطواتي الملموسة لتحقيق حلم كتابة الرواية".

* بعد مرور 11 شهراً وكتابة 30 ألف كلمة: "انتهيتُ من كتابة 30 ألف كلمة. أشعر بتحقيق إنجازٍ كبير. وبدأت أشعر بأنَّها روايةٌ حقيقية الآن، وليست مجرد مجموعة من الأفكار".

* بعد مرور عام و10 أشهر ويومين، وكتابة 44242 كلمة: "لقد تحقق الحلم، وبعد 3 أعوام من الكتابة، يُسعدني أن أُعلن صدور رواية The Many بالأسواق في يونيو/حزيران 2016، من إنتاج دار نشر Salt Publishing. أشعر بسعادةٍ غامرة".

وبالنظر إلى الماضي، يقول مينموير إنَّ تحديد هذه الإنجازات الصغيرة "جعلني أشعر بحدوث تطور في عملية كتابة الرواية".

كانت هناك إنجازات أخرى خارجة عن قدراته، لكنَّ أهميتها كانت كبيرةً في تحقيق حلم إنهاء روايته: "عندما تواصلت معي دار نشر Salt Publishing وأخبروني: (نحن نرغب في نشر روايتك)، كان الأمر غير متوقعٍ على الإطلاق. كانت هذه لحظةً عظيمة".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد