الحضارة المصرية القديمة واحدة من أعظم وأقدم الحضارات بالعالم، التي لا يختلف عليها اثنان، وفي هذا العالم البعيد كان المصريون القدماء يقدسون بعض الحيوانات، ووصل بهم الأمر إلى اتخاذها رموزاً لآلهتهم، فنجد الآلهة مرسومة على الجدران برؤوس حيوانات.
ويظهر هذا التقديس من خلال عدة ملامح، أبرزها العثور على مقابر قديمة كانت خاصة بالحيوانات، إلى جانب العناية المُفرطة بها أثناء دفنها، وصولاً لتحنيطها، كل ذلك يمكن اتخاذه كدليل على تقديس الفراعنة للحيوانات.
ولذلك عدة أسباب، فمرات كان بغرض العبادة، وأحياناً بهدف الاستفادة منها، أو بسبب الانبهار بقدراتها، ومرات أخرى نتيجة الخوف منها، واتقاءً لشرها، وفي هذا التقرير سنتعرف على تفاصيل العلاقة بين الفراعنة وبعض الحيوانات التي كانت لها مكانة خاصة في حياتهم، ومعتقداتهم.
1- الثور
يجد الباحث في التاريخ المصري القديم، أنه في أغلب الفترات، كان الثور يُقدس باعتباره رمزاً للخصوبة، والقوة، الغريب أنه لم تُقدس الثيران كلها في المطلق، بل يُختار ثور بعينه يُعتقد أنه يحمل علامات مقدسة تجعله متفرداً.
وفي مدينة "ممفيس"، مثلاً وقع الاختيار على ثور أسود اللون على جبهته بقعة بيضاء مثلثة، وأُطلق عليه اسم "أبيس Apis"، وقد حظي بمعاملة ملكية لا يحلم بها البشر العاديون، ويعيش على نظام غذائي من الكعك، والعسل، بينما يقدمون له من وقت لآخر محظيّات من البقر، ليختار من بينها ما تُثير شهوته.
أما في عيد ميلاده، فكانت تقام له حفلة ضخمة، تحضر فيها الكثيرات من الأبقار والثيران الأخرى، فيما يقوم جزار بذبحها كقرابين تُقدم لهذا الثور المُختار، ليظل الثور يُعامل كإله إلى أن يتوفى، ثم يُحنط، ويُوضع في تابوت خاص، ويُدفن كما يليق بملك، بجانب تسجيل تاريخ ميلاده، ووفاته على الجدران، وتبدأ بعدها عملية اختيار ثور آخر، يُتخذ كإله جديد.
2- النمس
ينتمي حيوان النمس إلى فصيلة الثدييات، ويتميز بالقدرة على الدخول في معارك مع الأفاعي، وهزيمتها، وهو السبب الرئيسي وراء تقديس المصريين القدماء له، إذ شاهد بعضهم نمساً استطاع قتل كوبرا، فبدأوا بعدها في تقديسه، وتصميم تماثيل مصنوعة من البرونز تحمل شكله، بالإضافة لارتداء تمائم على نفس الشكل بغرض الحماية.
وبالرغم من كون النمس من رتبة آكلات اللحوم، إلا أن العادة جرت على اعتباره حيواناً أليفاً، حتى إنه عُثر على بعض المصريين مدفونين مع بقايا نموس مُحنطة، ووفقاً للأساطير قيل إن الإله "رع" كان يتحول إلى هيئة نمس من أجل مكافحة الشر.
ولعل القصة الأكثر انتشاراً وجنوناً كانت تلك التي تنص على أن هناك نمساً أسطورياً، شُوهد يتسلق فماً مفتوحاً لتمساح نائم فدخل إلى معدته، ثم شق طريقه للخارج من الجهة الأخرى.
3- القط
تُعتبر القطط كائنات شديدة القدسية عند الفراعنة، إذ كانت تحمل لقب "باستيت – Bastet"، إلهة الحنان، والوداعة، لهذا كانت فكرة أن يقتل أحدهم قطة ولو عن طريق الخطأ جُرماً لا يُغتفر، عقوبته الموت.
حتى إن المؤرخ "ديودور الصقلي"، سجل أن واحداً من ملوك مصر القدامى حاول التوسط لرجل روماني قتل قطةً بدون قصد، لكن الشعب ثار، وأصر على تطبيق الحكم، حتى لو كان ذلك يطرح احتمالية نشوب حرب مع روما.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تعاملوا مع وفاة القطط كخسارة الزوجة، فكانت كل الأسرة تقوم بالحداد، ووفقاً للعادات والتقاليد القديمة يعني ذلك أن يحلق أفراد الأسرة جميعهم حواجبهم.
بعدها يُلف جثمان القطة المتوفاة في الكتان، بينما يضعون على جسدها زيت الأرز، وبعض التوابل التي تمنحها رائحة عطرة، ومن ثم تُحنط، وتدفن في مقابر خاصة تحت الأرض، ويضعونها جنباً إلى جنب مع بعض الحليب، والفئران، وقد عُثر بالفعل على الكثير من المدافن الخاصة بالقطط، التي احتوت ما يقرب من 80 ألف جثة قطة نافقة، تعود إلى هذا العهد القديم.
ولعل أكبر مثال على تفاني الفراعنة في محبتهم للقطط، كان عندما تعرضوا لهجوم عام 525 قبل الميلاد من قِبل جيوش الفُرس، الذين رسموا صورة الإلهة "باستيت" على دروع الجنود، ولفوا القطط حول أياديهم، ما جعل المصريين يرفضون الدفاع عن أنفسهم، والقتال خوفاً من تحقيق أي ضرر بتلك القطط، وهو ما أدى إلى هزيمة مصر والسقوط تحت وطأة الفُرس لفترة.
4- الضبع
قبل أن يقع الاختيار على القطط والكلاب كحيوانات أليفة، يربيها البشر، ويبحثون عن صحبتها، اعتاد المصريون القدماء استخدام الضباع حيوانات أليفة، ويتضح ذلك أكثر من خلال الرسومات الموجودة على جدران مقابر الفراعنة، ومن الاستخدامات التي برعت فيها الضباع أيضاً كان قيامها بدور كلاب الصيد، وتحديداً في عام 2800 قبل الميلاد.
وبالرغم من حُب الضباع في ذلك الحين للحياة المنزلية بصحبة الإنسان، إلا أن أصحابها كانوا يقومون بتسمينها، إلى أن يصبح وزنها مثالياً للذبح، فيقدمونها كوليمة شهية في الأعياد، وظلت الضباع تُعَامل كحيوانات منزلية فترة من الزمن، قبل أن يُقرر المصريون تركها تعود لطابعها الوحشي، مُتخذين القطط والكلاب بديلاً عنها.
5- الفهد
يبدو أن معايير الحكم على الحيوانات قديماً كانت مختلفة عن وقتنا هذا، ففي حين ننظر لبعض الحيوانات الآن على أنها مفترسة، وغير آمنة، كان المصريون القدماء يجدونها مستأنسة، أحد تلك الحيوانات هو الفهد الذي لم يجدونه مرعباً على الإطلاق، فهو بالنسبة لهم كان محض قطة صغيرة أخرى.
لوحظ أن الكثيرين من ملوك الفراعنة روَّضوا الفهود، واحتفظوا بها بالقرب منهم كحيوانات أليفة، وعلى رأسهم "رمسيس الثاني"، الذي امتلأت ساحة قصره بالفهود، والأسود، ووفقاً للرسومات الموجودة على جدران القبور، سنجد بينها صوراً لملوك الفراعنة في رحلات الصيد بصحبة فهودهم المُروضة.
6- التمساح
كان التمساح يشغل حيزاً هائلاً في الديانات المصرية القديمة، باعتبار أن الإله "سوبك – Sobek"، أحد أهم المعبودات المصرية القديمة، كان يتجسد فى هيئة تمساح.
واعتاد المصريون تجسيد هذا الإله في تمساح أطلقوا عليه اسم "Suchus"، وقدسوه، لتصبح مصر مركزاً، ووجهة لمن يعبدون "سوبك"، على أن تتم العبادة في أكثر من مكان أشهرها مدينة الفيوم، تليها "كوم امبو"، بمحافظة أسوان، إذ كان يُحج إلى هذه الأماكن من كل حدب وصوب لرؤية التمساح، ومنحه العطايا المتمثلة في الكثير من المجوهرات والذهب.
بل كان البعض يجلب له الطعام، والنبيذ أيضاً، وكانت مهمة الكهنة الموجودين في هذا المكان فتح فم التمساح كي يتناول تلك الأشياء، وتماماً كالثور حين يموت التمساح يمنحونه جنازة مهيبة، ثم يحنطونه بعناية قبل أن يختاروا تمساحاً غيره يتقربون إليه.