ليست رحلة فوتوغرافية للماضي، بل إنها صور حديثة لتعز (جنوب غرب اليمن) التقطها مصورون يمنيون للمدينة بعد أن أعادها حصار الحوثيين 50 عاماً للوراء.
هؤلاء المصورون وظفوا تقنيات الكاميرا، ونقلوا الصورة في المدينة، كما لو أنها التُقطت في الخمسينيات، حيث سيطرت مظاهر الحياة البدائية على معالم الحياة حينها.
ومن خلال توظيف اللونين الأبيض والأسود، وثّق مصور الحرب أحمد الباشا ورشاد العواضي وآخرون، معاناة المدينة، إذ إن الحياة تردت بفعل الحصار المفروض على المدنيين من قِبل مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثي)، وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح.
فاستعاض سكان المدينة بالحمير والجمال لإدخال المواد الغذائية والتموينية عبر طرق جبلية وعرة، بعد أن منع الحوثيون دخول أي منها، ومنع المركبات والشاحنات من العبور عبر منافذ المدينة.
ويشهد اليمن حرباً منذ أكثر من عام بين القوات الموالية للحكومة اليمنية من جهة، ومسلحي الحوثي، وصالح من جهة أخرى، مخلفة أوضاعاً إنسانية صعبة.
ومنذ عدة أشهر، يحاصر "الحوثيون" مدينة تعز من منطقة الحوبان في الشمال، والربيعي في الشرق، فيما تحدها السلاسل الجبلية من الجنوب.
وتشير التقديرات إلى أن 21 مليون يمني (80% من السكان) بحاجة إلى مساعدات، وأسفر النزاع عن مقتل 6 آلاف و600 شخص، وإصابة نحو 35 ألفاً، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
قرن من الزمان
يقول أحمد الباشا لـ"عربي بوست"، إن الأوضاع التي آلت إليها المدينة، مع انعدام المواد الغذائية والتموينية، وفي ظل تزايد نسبة الفقر في أوساط السكان، والتجاهل الأممي، دفعه إلى التفكير بصورة مختلفة في عرض مأساة المدينة أمام العالم.
وأضاف أن الصورة أصبحت مماثلة لما كانت عليه الأوضاع إبان الحكم الإمامي لليمن، في ظل تجاهل المنظمات الأممية للوضع الإنساني في المدينة.
وحكمت المملكة المتوكلية شمال اليمن منذ عشرينيات القرن الماضي، وخلف الامام أحمد حميد الدين والده الإمام يحي حميد الدين، حتى قيام الثورة اليمنية في سبتمبر من العام 1962، واتسمت تلك الفترة بالتخلف وانتشار الجهل والمرض والحياة البدائية.
ويقول أحمد الباشا إن الأوضاع الحالية لا تختلف كثيراً عن تلك الحقبة، حيث ينتشر وباء الكوليرا في المدينة، بينما أغلقت المدارس والجامعات أبوابها، ويعيش السكان على حد الكفاف.
وأضاف "الحرب التي شنها الحوثيون على مدينة تعز أثرت بشكل كبير على كافة الخدمات الأساسية وأشكال الحياة، وكذلك الحصار المفروض أعادها إلى الوراء بنحو 100 عام".
وتابع "أصبح الناس يستخدمون الجمال والحمير للدخول الى المدينة عبر الجبال الشاهقة، ويحرقون الحطب بدلاً عن مادة الغاز المنزلي للطهو، حتى أن جلب مياه الأمطار والآبار يتم عبر استخدام الحمير وظهور الناس لنقلها إلى المنازل".
الأبيض والأسود
"ومن هنا بدأت فكرة سلسلة العودة للوراء، عبر توثيق هذه المعاناة بالأبيض والأسود كما كانت تلتقط في ذلك الزمن، ومن ثم عرضها على مواقع التواصل الاجتماعي"، حسبما يقول الباشا.
وأضاف "توقفت في المدينة جميع سبل الحياة الحديثة، واضطر الناس للعودة إلى الأدوات والأساليب التقليدية للبقاء".
ويؤكد الباشا أنه أصبح هناك إمكانية تصوير مشاهد مقاربة للوضع في المدينة قبل عشرات السنين.
وقال "وجدنا بيئة خصبة لالتقاط الصورة الحديثة بمحتوى أثري قديم".
ويضيف "ولاقت تلك الصور تفاعلاً كبيراً، واعتقد كثير من المتابعين -للوهلة الأولى قبل قراءة النص- أن تلك الصور قديمة حقاً، لاحتوائها على الألوان والتأثيرات القديمة".
مأساة المدينة
يقول المصورون الذين عكفوا على التقاط مشاهد من زوايا معينة، إن الفكرة أوصلت الرسالة التي يريدونها إذ يسعون إلى لفت أنظار العالم لمأساة المدينة التي تضم نحو أكثر من مليوني شخص، وتشهد معارك يومية.
وكانت الحكومة اليمنية قد اشترطت رفع الحصار عن مدينة تعز، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للالتزام بالهدنة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة، الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016، غير أن ذلك لم يتم حتى اللحظة.
وأمس السبت، منع مسلحو جماعة الحوثيين، وقوات صالح، وفد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، من دخول مدينة تعز، جنوب غرب اليمن، بالإضافة إلى أن المساعدات الإغاثية لم تدخل للمدينة بشكل نهائي.