الأطرش سلطان في وادي السرحان

أصبح سلطان باشا يلقب بالقائد العام للثورة السورية لنزعته القومية التي تجاوز فيها كل الانتماءات المذهبية، وعقد مؤتمراً وطنياً عن الاستقلال السوري في صحراء الوادي عام 1929 وحضره زعماء وسياسيون من سوريا ولبنان وكان لقراراته الأثر الإيجابي لاحقاً على القضية السورية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/09 الساعة 04:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/09 الساعة 04:02 بتوقيت غرينتش

تركتْ حادثة إعدام الأتراك لوالد سلطان الأطرش، أثرها عليه فانطلق منها للثأر العام من المستعمر عبر سنوات طويلة، وكان إعلان الشريف حسين للثورة العربية الكبرى بمثابة الفرصة التي ستتفجر منها موهبة الرجل القيادية والجهادية، فقام بالعديد من المعارك على مشارف دمشق حتى دخلها ورفع علم الثورة العربية الذي تمت خياطته في منزله، فوق دار الحكومة..

لم تدم استراحة المحارب سلطان طويلاً فحل المستعمر الفرنسي محل التركي فواصل كفاحه المسلح ضدهم، خاصة عندما تم القبض على أدهم خنجر -المتهم بمحاولة قتل غورو المندوب الفرنسي في سوريا ولبنان- حيث كان أدهم قد لجأ إلى بلدة سلطان في غيابه كدخيل، وتم تسليمه من قبل السلطة المحلية، فغضب سلطان باشا وسعى لتخليص الدخيل من المستعمر، وكان في إصرار سلطان بطرد المستعمر بلا هوادة أن جلب له المتاعب فحكم ضده بالإعدام وقصف منزله بالطائرات، فاضطر للخروج إلى الأردن مع من صبر معه من عشيرته، ثم واصل النزوح إلى وادي السرحان بالجوف شمال السعودية بعيداً عن المستعمرين الفرنسيين والإنجليز.

أصبح سلطان باشا يلقب بالقائد العام للثورة السورية لنزعته القومية التي تجاوز فيها كل الانتماءات المذهبية، وعقد مؤتمراً وطنياً عن الاستقلال السوري في صحراء الوادي عام 1929 وحضره زعماء وسياسيون من سوريا ولبنان وكان لقراراته الأثر الإيجابي لاحقاً على القضية السورية.

عاش سلطان وجماعته في الصحراء بِقرّها وحرّها، جوعها وعطشها، خوفها وقلة الحيلة فيها، فأمضوا فيها خمس سنوات من عام 1927 إلى عام 1932م، وتعرضوا لعدة غزوات محلية منها استيلاء أفراد من قبيلة "السرحان" على أغنام "للدروز" تمكنوا سريعاً من استعادتها.

والغزوة الأهم قام بها "فرحان بن مشهور الشعلان" حيث كان قدوم "الدروز" لمضارب قبيلتي "السرحان والرولة" فرصة لتصفية حسابات سابقة بين تلك القبائل، ومع ذلك وكما تمكن سلطان باشا الأطرش وجماعته من استعادة "حلالهم" من أفراد قبيلة "السرحان" تمكنوا من رد "ابن مشهور" وجنوده، لم يرغب "فرحان بن مشهور" من العودة إلى جماعته دون بعض النجاح فغزا مجموعة من قبيلة "الشرارات" في منطقة بسيطا المجاورة.

ولتلك الغزوات عدة تفسيرات قد لا تقف عند تصفية حسابات ثأرية سابقة فقط لأن ابن مشهور المتقلب في تحالفاته بين الملك عبدالعزيز وحركة الإخوان، كان يطمح في دور قيادي له في شمال جزيرة العرب وقد تكون تلك الغزوات جزءاً من ذلك الطموح، على الرغم من أن الرواية الأخرى المقربة من الدروز ترى أن ابن مشهور غزا الباشا بطلب من المستعمرين لإضعاف الثورة، وقد تكون الروايتان متكاملتين بالتقاء مصلحة ابن مشهور بالسيطرة على الشمال مع مصلحة المستعمر بالقضاء على ثورة الأطرش.

وصلت إلى مسامع زيد الأطرش وهو في رفقة أخيه الباشا في وادي السرحان قصيدة يلوم فيها قائلها على فعل سلطان وإلحاق المتاعب بالناس وتشتيتهم التي في مطلعها:
يا ديرتي مالك علينا لوم.. لا تعتبي لومك على سلطان

ولأن زيداً شاعر القبيلة أجاب بقوله:
حياك يا علم لفـانا اليـوم .. مــن سربـة بديـرة الريـان
أبطال وبظهر السبايا دوم .. من فوق ضمّر كأنهم عقبان
يا ديرتي مالك علينا لــوم .. لا تعتبي لومك على من خان
حنا روينا سيوفنا من القوم .. وما نرخصك مثل العفن بأثمان
وان ما خذينا حقنا من القوم .. حــارم علينــا شفـة الفنــجان
يا طير يا اللي بالمنايا تحوم .. هوّد على اللي بالوطن خوان
وان ما عدلنا حقنا المهضوم .. يا ديرتي ما أحنـا لك سكــان
لا بد ما تغدي ليــالي الشــوم .. وتعتز غلمة القادها سلطان

ولأن تلك القصيدة زادت شهرتها خاصة بعد أن غنتها أسمهان الأطرش، حاول البعض نسبتها لغير صاحبها زيد، فكتب الصحفي عبدالعزيز محمد الذكير مقالة في جريدة الرياض بعنوان "عندما تغنت أسمهان بقصيدة راعي عنيزة" ونسب القصيدة لشخص اسمه الخياط، ولم يبيّن مناسبة القصيدة على الرغم من وضوح ابتعاد الكلمات عن البيئة الداخلية لجزيرة العرب، وهل كلمة "هوّد" مستخدمة في نجد؟.. ويبدو أن الذكير اختلطت عليه قصيدة للخياط مشابهة لقصيدة زيد.

انتهت معاناة سلطان باشا الأطرش بعودته إلى دمشق بعد توقيع المعاهدة السورية الفرنسية واستُقبل فيها استقبال الأبطال، ليواصل كفاحه القومي وليكن فاعلاً حيناً وشاهداً حيناً آخر طيلة سنوات سوريا الساخنة، حتى وافته المنية في ربيع العام 1982م.

أضحى تاريخ عطوفة "سلطان باشا الأطرش" وما واكبه من قصائد مادة رئيسية في المجتمع الدرزي، فلا تخلو مناسبة فرح من التغني بإحدى القصائد التي تمتدح القائد العام، ولا غرابة أن تشاهد أحدهم، وقد وصل في استمتاعه بتلك القصائد لدرجة تساقط الدموع شوقاً وإعجاباً بالقائد العام سلطان باشا الأطرش.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد