يحدث في اليمن.. “عدن تقرأ” وصية توماس جيفرسون وحكمة أيمن العتوم

فيما كانت المدينة تلملم جراحها كان "عدن تقرأ" يزداد تفاعلاً ونشاطاً وحضوراً في صفوف أبناء المدينة الموجوعة، وتوسع النشاط ليشمل مناقشات مستمرة وجدلاً لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد، وزاد عدد الأعضاء ليتجاوز ستة عشر ألف عضو يوجد بينهم كثيرون من خارج عدن، بل ومن غير اليمنيين ممن استحسنوا نشاط الجروب وآثروا التفاعل معه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/01 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/01 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش

"إن الذين يقرأون فقط هم الأحرار، ذلك لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما من ألد أعداء الحرية"، جملة قالها الرئيس الثالث للولايات المتحدة "توماس جيفرسون" في القرن التاسع عشر، وعمل بها الشباب اليمني في القرن الحادي والعشرين، وعلى الرغم من الحرب الدائرة بين الحوثيين والشعب اليمني فإن أبناء عدن آثروا مواجهة البندقية بالكتاب".

بهذه الفقرة استهل الصحفي محمد علي حسن حديثه في صحيفة "الوطن" المصرية تحت عنوان "يحدث في اليمن فقط.. الحوثي يقتل وصالح يدمّر والأحرار في عدن يقرأون"، ويتناول الفعاليات الثقافية التي أقامها شباب يمنيون في مدينة عدن، تحت شعار "عدن تقرأ"، وبدأت فكرتها من خلال نشاط إلكتروني عبر تدشين صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ما أدى إلى تفاعل غير مسبوق بين الأوساط الشبابية في اليمن؛ لينضموا إلى الصفحة من خلال منشورات تدعو إلى القراءة وتشجع على اقتناء الكتب والمنافسة في قراءتها ومناقشة مضامينها.

ويرجع تأسيس هذا النشاط إلى شهر أغسطس/آب من العام الماضي، عندما كانت مدينة عدن تنفض عنها غبار الحرب بعد ما تمكنت القوات الحكومية المسنودة بالتحالف العربي والمقاومة من تحريرها من سيطرة المسلحين الحوثيين، إذ كان نفر من أبناء عدن يبحثون عن طريق آمن يُعيد إليها الحياة ويعيدها إلى الحياة، ويجعلها قادرة على التعافي من أوجاع الحرب، فكانت "القراءة"، رقية الشفاء وتُرياق السلامة، تأسس على أيديهم جروب في الفيسبوك باسم "عدن تقرأ"، أخذ يجذب إليه عشاق القراءة وأنصار الكتاب، وفي غضون أيام قليلة صار في الجروب مئات القراء والكُتاب والنشطاء، يكتبون خلاصة ما قرأوه، ويقرأون أجمل ما تقع عليه أعينهم.

فيما كانت المدينة تلملم جراحها كان "عدن تقرأ" يزداد تفاعلاً ونشاطاً وحضوراً في صفوف أبناء المدينة الموجوعة، وتوسع النشاط ليشمل مناقشات مستمرة وجدلاً لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد، وزاد عدد الأعضاء ليتجاوز ستة عشر ألف عضو يوجد بينهم كثيرون من خارج عدن، بل ومن غير اليمنيين ممن استحسنوا نشاط الجروب وآثروا التفاعل معه.

مطلع العام الحالي، قررت إدارة الجروب أن تفتح نافذة اتصال بين رواد الجروب وعدد من الكتاب العرب الذين لمعت أسماؤهم وعناوين مؤلفاتهم في الساحة الثقافية، وفي كل شهر استضاف الجروب عبر الشبكة العنكبوتية واحداً من المؤلفين، يناقش الأعضاء ويناقشونه حول كتاباته وقراءتهم، عن أفكاره وخواطرهم، عن خططه وأحلامهم، تحدثت المصرية "هاجر عبدالصمد" عن روايتها "حبيبي داعشي"، والفلسطينية "نبال قندس" عن مشاريعها في الهندسة وكتابة الرواية وفلسطين ويافا، وطاف الناقد الأكاديمي اليمني عبد الحكيم باقيس في فضاءات الكتابة واللغة والنص والنقد.

كما استضاف الجروب الشاعر والروائي الأردني أيمن العتوم، الذي لخص دعوته أعضاء الجروب للقراءة بالقول: "اقرأوا حتى يشيب الغراب"، وهو الذي قال في روايته "ذائقة الموت" على لسان البطل في إحدى رسائله لحبيبته: "علمتني الكتب ما لم يعلمني سواها، اكتشفت: نحن نحمي أنفسنا من الموت بالقراءة، كان الكتاب الذي نحمله في اليد هو تعويذة النجاة من الموت، الذين لا يرافقهم الكتاب منسيون، من يريد أن يرافق الموتى؟ والموتى لا تتسع قبورهم إلا لهم، فلماذا يصر الواحد منا على أن يحشر نفسه معهم بإقصائه للرفيق الأعذب: الكتاب".

تنادى أصحاب الكِتاب من مختلف التيارات والتوجهات الفكرية والمعرفية، وألقى كل منهم ما في رحله مؤيداً أو معترضاً، مفنداً أو شارحاً، يعرض فقرة من كتاب أو حكاية من التاريخ أو سطوراً من رواية أو بوحاً من الخواطر أو بعضاً من الشعر، معلومات ولوحات وقصص ومواقف وحكم وذكريات تجد طريقها سالكاً للعابرين والباحثين عن الحقيقة والفائدة عند نعم الأنيس وخير جليس:

نعم الأنيس إذا خلوت كتابُ ** تلهو به إن خانك الأحبابُ
أعزّ مكان في الدنا سرجُ سابحٍ ** وخير جليسٍ في الأنام كتابُ

لم تقتصر المجموعة على النشاط الإلكتروني، لكنها أدارت لقاءات وفعاليات في الميدان متحلقة حول الكتاب، وساعية لتوسيع دائرته في محيط تحيط به رائحة الحرب، وتنتصب شواهد الموت على أركانه، فأثمر ذلك إحياء لدور الكتاب وإعلاء مكانته بعدما ظل المكان يردد: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ومن بين ركام الخرائب أخذ النشاط الثقافي يشق طريقه في شوارع المدينة وأحيائها، في حدائقها ومتنفساتها كما في مدارسها وجامعاتها، في الأندية والمنتديات التي التقت على الهدف ذاته.

وقبل أيام احتفل رواد "عدن تقرأ" في الذكرى الأولى لانطلاقتها، إذ حال عليها الحول وها هي تطفئ الشمعة الأولى، والشباب من حولها يوقدون شموع المعرفة في ليل المدينة ويمضون في درب القراءة، يحملون أحلامهم الحالمة بغد يطوي صفحة الوجع، ومستقبل يطمس ماضي الصراع وصراعات الماضي.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد