كن مثل بلال

كثيراً ما نرى في وسائل التواصل الاجتماعي كن مثل بلال، وخصوصاً في نفي سلبيات المجتمع، لكن بلالاً هذه المرة لم يكن لينفي سلبيةَ المجتمع، وإنما كان نموذجاً يُحتذى في الإيجابية والإرادة والعزيمة القوية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/27 الساعة 04:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/27 الساعة 04:04 بتوقيت غرينتش

لعل أجمل ما في الأسفار وإن كانت في زمن الحروب واشتعال البلدان بالنار، إلا أنها تُعطي للإنسان جانباً مشرقاً في الحياة، وتفتح له أفاقاً جديدة وامالاً واسعة جميلة، وبعد أن انتهى بي المطاف في عاصمة الحضارة والجمال إسطنبول وقد عملت فيها وكانت موطناً جميلاً يَصْلح للبقاء والاستقرار.

لعل القارئ ذهب بعيداً بالحديث الشيق عن إسطنبول وليس حديثي عنها وإن كان في خاطري ومخيلتي كلامٌ كثيرٌ عنها لعل قادم الأيام يلد شيئاً من ذلك.
ولكن حديثي عن أهم شيء استفدْتُ منه وكان له أثرٌ إيجابي وكانت بمثابة جرعة ومحفّز نحو التعلم إلا وهي دورةٌ أقيمت بالكتب الشرعية واللغوية بأسلوب الرواية على طريقة العلماء القدماء بالتحديث وطلب العلم، فيقرأ الطالب على أستاذه قراءة دون شرح أو يقرأ الأستاذ على طلابه مع شيء يسير من التوضيح لمبهمات الألفاظ.

وقد كان لها أثرٌ في رفع الهمة فقد كانت متواصلة لأكثر من أسبوعين قُرِئَ فيها أكثر من أربعين كتاباً، خصوصاً وقد وجدْتُ بها ضالتي فقد كان فيها الكثير من كتب القواعد النحوية واللغة العربية.

كل هذه المقدمة لأصِلَ لكم بالحديث عن بلال، وكثيراً ما نرى في وسائل التواصل الاجتماعي كن مثل بلال، وخصوصاً في نفي سلبيات المجتمع، لكن بلالاً هذه المرة لم يكن لينفي سلبيةَ المجتمع، وإنما كان نموذجاً يُحتذى في الإيجابية والإرادة والعزيمة القوية.

بلال الذي لا يتجاوز الأحد عشر ربيعاً حضر دورة قُرِئ فيها ما يقرب من أربعين كتاباً، كُتب في مختلف العلوم ومختلف الأحجام ولم يَتاونَ عن الحضورِ ولو ليوم واحد.

بلال لم يكن كبقية من تركوا بلدانهم وجلسوا يبكون على أطلالها أو ينشرون الويلات، ويكثرون العويل والصراخ، وينادون بأن هذا آخر المطاف، وأن الساعة قد ستقوم أو شارفت على القيام.

بلال كان صرخة إيجابية وإرادة حية من مدينة دير الزور السورية التي تقبع تحت الظلم والطغيان.
بلال يحفظ القرآن الكريم كاملاً على قلبه، ويحفظ متوناً كثيراً في الحديث واللغة العربية، وقد حدثنا أستاذه عنه بأنه في غاية الروعة والأدب والعزيمة والهمة العالية.

بلال أنهى الدورة معنا، ولكن كان بحد ذاته دورة، دورة في الإيجابية والحرص على العلم والعزيمة والهمة العالية والإرادة الصلبة، والروح التواقة لمعالي الأمور والابتسامة التي لا تغيب عن فمه ومرحه واستمتاعه بما يحصل عليه من الفضل والعلم.

ومن المفارقات العجيبة أني حضرتُ وأحد أصدقائي للدورة، فقام بلال حاملاً كتابه يقرأ لطلبة العلم، فقال كيف يسمح لهذا الطفل بالقراءة وفي القوم أسنُّ منه، قلت: له اصبر قد يكون خيراً من الكبار إذا به ينطلق ويقرأ قراءة لغوية فصيحة، عجز عن أن يأتي مثلها الكبار، وقد أخطأ الكبارُ كثيراً في اللغة حتى إن سيبويه قد ضَجّ وهو في مضجعه.

أجل حينها قلْتُ لأحد الشباب في الدورة، كن مثل بلال، أجل لنكن جميعاً مثل بلال، عزيمةً وإرادةً وتقدماً.
ولا ننسى أن مجتمعنا يزخر بأمثال بلال، ولكن لم يكتشفوا ولم نعمل على إخراجهم للنور، ليكن الخير في كل مكان، ونقتبسُ منه ومن غيره الإقْدَام إلى معالي الأمور ونسير في الحياة إلى الإمام.

وأختم بقول الشاعر:
أتحسبُ أنك جرْمٌ صغيرٌ ** وفيك انطوى العالم الأكبر

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد