عندما كنا ندرس في بلد أجنبي كثيرا ما كان يطلب منا ارتداء الزي التقليدي لبلدنا، أحرج كثيرا وقتها لأني لا أعلم ماذا أرتدي؟! هل العباءة الخليجية؟ أم "الترانشكوت" -المعطف الذي ترتديه عادة السوريات مع الحجاب الأبيض- أم الجلابية؟ أما العباءة فليست سورية أبدا، والترانشكوت معطف حديث ليس تقليديا في شيء، والجلابية أنواع كثيرة، أي جلابية؟ مغربية؟ خليجية؟ فلسطينية؟ المثير للسخرية أن يكون لديك ألبسة تقليدية لثقافات مختلفة وألا تمتلك لباسا تراثيا خاصا ببلدك!
بالنسبة للرجال فإنه من السهل تمييز اللباس التقليدي للرجل السوري والفضل يعود لمسلسلات البيئة الشامية مثل باب الحارة وغيرها. لكن هل رأيت أحدا يرتديه في الحياة اليومية أو حتى في المناسبات؟ هل سألت صديقك السوري إذا كان يمتلك واحدا؟ لا أظن أن كثيرا من السوريين من أهل المدن يحتفظون بلباسهم التراثي، فاللباس التقليدي عندنا مكانه المسلسلات أو لمن يريد لفت أنظار السياح في العروض والرقصات الشعبية، لا مكان له في الحياة اليومية لأهل المدن. ترى هل ذلك طبيعي لأن اللباس التقليدي مجرد لباس قديم لم يعد مناسبا اليوم؟ أم أن اللباس مجرد لباس لتغطية الجسد ولا دور له؟
يقول ديزموند موريس:" إنه من المستحيل ارتداء لباس دون إرسال إشارات اجتماعية، كل لباس يحكي قصة، غالبا ما تكون صغيرة، لكنها مهمة عن مرتديه". تكمن أهمية الملابس في أنها ليست لحماية أو تغطية الجسد فقط، بل انعكاس لعالمنا الداخلي، الملابس طريقة لإيصال رسائل إلى الآخرين، ربما تدل على العمر أو الديانة أو الهوية أو الشخصية أو الطبقة الإجتماعية بل المشاعر أيضا، وتعمل الألبسة كوسيط بين الفرد والمجتمع المحيط به إنها توصله وتفصله عن الآخرين في الوقت نفسه.
من الأمور التي أدهشتني في أصدقائي من غير العرب من مختلف الثقافات (بنجلاديش، اندونيسيا، الصومال، باكستان، أفغانستان، الهند، غينيا، نيجيريا وغيرها) أن كثيرا منهم يرتدون زيهم التراثي بشكل شبه يومي أو أسبوعي أو حتى في المناسبات والأعياد، وهنا لا أقصد أهل القرى عندهم بل أهل المدن أيضا. لكن توجد شعوب عربية مازالت محافظة على لباسها التقليدي كالمغاربة مثلا الذين يتوجب عليهم لبس الزي المغربي التقليدي في المناسبات والأعراس، وفي تونس يحتفي التونسيون في كل عام في السادس عشر من مارس بالزي التقليدي التونسي ويرتدونه.
لماذا غيرنا من الشعوب حافظوا على لبساهم التقليدي ونحن السوريون تركناه؟ هل لأن لباسهم جميل وعملي ولباسنا لا؟ هل لأنا تقدميون؟ لماذا حكايتنا نحن السوريون -ومن شابهنا- مع لباسنا التراثي مختلفة قليلا؟ هذه أسئلة كبيرة تحتاج إلى بحوث في عدة مجالات ولا يسع الإجابة عنها هنا.
لا نعني بالضرورة أن كل من لبس لباسه التقليدي هو محافظ على ثقافته وعاداته. لكن هناك أمر مهم لم نتنبه إليه كثيرا، ألم تلاحظوا أننا-من مختلف الثقافات- نرتدي نفس الملابس تقريبا؟ البناطيل، التنانير، القمصان والتيشرتات نفسها- بغض النظر عن لباس المحجبات عندما يرتدين الحجاب- اللباس واحد حيث لا توجد كثير من الفروقات بين الألبسة في الدول الغير مسلمة أو المسلمة، لباسنا متشابه وإن وجدت بعض الإشكاليات فتتعلق بالمقاسات أو بأمور عقدية كعبارة لا تتناسب مع معتقداتنا أواختلاف بسيط في الأذواق أو الحشمة.
كتبت راتيبيا جوتوريو في مدونتها عن زيارتها للمغرب: " الأمر المثير للاهتمام هو أن ملابس أخواتي المغربييات هي نفسها الملابس التي ترتديها الفتيات في الولايات المتحدة وفي أوروبا، في نظري أصبح الناس من الدول المختلفة يبدون متماثلين يرتدون نفس الملابس!" ألهذه الدرجة أصبحنا متشابهين؟ القضية ليست قضية احتشام بالضرورة ، فلو سألت المحجبات ماذا يرتدين عندما لا يكن بحضرة رجل أجنبي عنهن، فسيجبن كما ترتديه غير المحجبات خارجا وإن اختلف فسيكون اختلافات صغيرة في درجة تحشم الفتاة في المنزل أمام والدها وأشقائها.
هذا يعني أن سكان العالم أصبحوا متشابهين في لباسهم كثيرا، الفضل يعود إلى الماركات الغربية التي توجد في كل مكان وإلى الألبسة المستوردة.
الدعوة إلى إحياء اللباس التقليدي وارتداؤه ليست دعوة مرتبطة بالقومية أو الوطنية، لكنها دعوة للمحافظة على الاختلافات واحترامها وليس جعل الناس أكثر تشابها.
عند عودتنا إلى الوطن .. فأول ما سأقوم به هو خياطة لباس سوري تقليدي وارتداؤه.
المراجع:
Eicher, J. B. (2000) The Anthropology of Dress. DRESS.
Roach-Higgins, M. E, Eicher, J. B. (1992) Dress and Identity. Clothing and Textiles Research Journal.
Tijana, T., Tomaž, T., Čuden, A. P. (2014). Clothes and Costumes as Form of Nonverbal Communication. University of Primorska.
Twigy, J. (2009) Clothing, Identity and the Embodiment of Age. Nova Science Publishers.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.