إن من أبرز المواضيع التي تتطلب الإمعان في أفكارها ودلالاتها ومعانيها المتعددة هو "فلسفة التعصب" التي يمكن أن تكون عبارة عن فسيفساء متعددة الأبعاد حول كثير من المفاهيم والمجالات ذات الصلة بتلك الفلسفة.
فقد نجد أن ماهية التعصب بحد ذاته يمكن أن تجعل الدوائر المعرفية في حالة من التجاذب والتنافر، وأحياناً أخرى قد تُحدث تقارباً وانسجاماً يمكن أن يؤطر للأفكار الناجمة عن تلك الحالات في مراحل متتالية ومتباعدة، ولكنها قد تجعل من الحلقات المتسلسلة لتلك الدوائر ذات طبيعة تراكمية وتقييمية للأثر في المجالات التي يكون فيه الفكر متسقاً مع الاتجاه، وتكون الإرادة ضمن الحدود المعرفية لتأصيل المفاهيم، وإرجاعها إلى صيغها الأولية إذا ما تطلب الأمر.
وعندما نتعمق في فهم الدوائر المعرفية ضمن دوائر التعصب حول قضية معينة أو اتجاهات متعددة أو شخص أو أشخاص محددين، فإن الاتجاه السائد الذي يمكن أن يحول دون بلوغ الغايات من ذلك الفهم هو إشكالية الأنا والآخر، والذات والبعد الآخر في سيرورة متلازمة بين الفهم والقصور في الوعي حول ماهية تلك الدوائر، فقد يمكن أن يصنف المجتمع أو الأفراد أو الجماعات في سياقات تلك الدوائر دون أن يكون هنالك ارتباط فعلي أو حقيقي من شأنه أن يحدد طبيعة الفكرة ومضمون الاتجاه إزاء تلك الأحداث أو المواقف، ويصبح من خلالها ذلك التصنيف غير ذات صلة بالقيمة النسبية لفهم المؤشرات والاستدلالات حول إذا ما كانت تلك القيمة مطلقة أو نسبية.
ونتيجة لتلك التراكمية في السياقات المؤدية إلى التعصب قد تؤدي إلى أن يتجه البعض إلى نبذه، والبعض الآخر إلى استغلاله استغلالاً براغماتياً نفعياً من خلال المواءمة بين ما هو نسبي وما هو مطلق، وتبرز حينها أفكار متعارضة وغير منسجمة مع السلوكيات الناجمة عن التصورات القبلية حول ماهية ذلك الاستغلال، لا سيما إذا كانت تلك المواءمة غير قادرة على استيعاب السياقات المناسبة لبلورة تلك الأفكار في مضامين تبدو أنها استفهامية، ولكنها قد تشعر الآخرين بأن هنالك نوعاً من الملاءمة الظاهرية التي قد تحقق أهدافاً ضمنية إذا ما كان الوعي الجمعي متناسباً مع السلوك الفعلي لدى الفرد أو الأفراد أو الجماعات، وتختلف حينها الأنماط التي يمكن أن تشكل ذلك الوعي، وفقاً لمرتكزات بنائية وغايات مستقبلية.
وهكذا نجد أن التصنيف المنطقي للأثر الناجم عن الدورات المدارية لتلك الدوائر المعرفية في سياقات محددة، سواء كانت متقاربة أو متباعدة من شأنه أن يوجد مساحات جديدة لفهم الذات والآخر في آن واحد، ويكون حينها الحدس هو من يستطيع أن يوضح ماهية ذلك التصنيف، سواء تم بطريقة حداثية أو راديكالية.. كون ذلك يعتمد على نوعية المؤسسات أو التنظيمات أو المجتمعات إذا ما كانت عصبوية أو تقليدية أو حداثية.
فقد نجد أن ذلك أيضاً سوف يبرز الكثير من التناقضات التي من شأنها التعامل مع المستجدات وفقاً لأولوياتها وسياقاتها المحددة لها، واختيار الظروف المناسبة لاستيعاب ذلك التصنيف وإدراجه ضمن القوائم الإدراكية لماهية الشعور الذي يتماهى مع الحدس لينجم عنها البعد الفلسفي للتعصب.
ولما كانت المدركات البشرية التي يمكن من خلالها التمييز بين الأفكار والنتائج، وبين المفاهيم ومجالاتها، وبين الأثر القيمي وتداعيات محاولات النجاح أو الفشل في تعزيز تلك المدركات على الأرض أو على صعيد الواقع، فإن الأنماط الناجمة عن تلك المدركات ما تكون صريحة وواضحة، تجعل القيادة المحركة لتلك المدركات في حالة من الجدية التي تتجاوز حدود الخيال الهزلي إلى صناعة نماذج من تلك الحالة التي يمكن من خلالها فهم الواقع الاجتماعي بأبعاده السياسية والاقتصادية، من خلال قراءة عرضية أو مقطعية لشريحة معينة من المجتمع، والتي قد تشكل نموذجاً لإعادة النظر في كثير من الأسس والمبادئ التي يمكن أن تتحول إلى جزيئات في ظل وحدة المنطق والفكر الفلسفي الذي يحدد مسار تلك الفئة أو الجماعة، من خلال تقديم أبعاد متعددة للسلوك الشخصي أو الجماعي أو حتى المجتمعي.
فقد تجد هنالك من هو/هي متعصب عن فهم، وآخر عن جهل، وآخر عن فهم وإدراك، لكنه لديه نوع من الجمود في التفكير، ويأتي حين ذلك من يتعامل مع تلك الأنماط وغيرها في سياقات مترابطة في إطار ليبرالية غير ديمقراطية، إذا ما تم تحريك الوعي الجمعي في ذلك الإطار، سواء لدى الأفراد أو الجماعات التي قد تؤمن بعد ذلك بالمبادئ الديمقراطية، وتسعى إلى ترسيخها في أطر جديدة، سواء كانت أطراً ذات طابع راديكالي أو انتقائي، والتي قد تجعل من فلسفة التعصب أداة لدراسة السياق المعرفي والتاريخي لدى المجتمعات التي تشهد مرحلة ديناميكية في أطرها السياسية والاجتماعية والثقافية.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.