في أقل من عقد من الزمان، زاد الاهتمام بعلم النفس الإيجابي، والاهتمام ليس فقط من المجتمع الأكاديمي، ولكن أيضا الجمهور العام.
قمت بكتابة علم النفس الإيجابي في محرك البحث جوجل فوجدت من النتائج (264,000)، واضح أن هذا أمر مثير للإعجاب، على الرغم من تاريخ علماء النفس الإيجابي المتواضع، فإن نتائج البحث والكتابة عنه تقول إنه أمرٌ عظيم أن المجتمع مهتم به بشكل يثير الدهشة، هذه النتيجة دفعتني للكتابة عنه هنا، إنه يستحق دون شك.
بغض النظر عن النتائج سأوضح وبشكل موجز ما هو علم النفس الإيجابي في الواقع وما نعرفه عنه بالفعل.
تاريخياً، استخدم علم النفس لحل المشكلات ودراسة وعلاج الاضطرابات، عندما بدأها فرويد بدراسات حول الهستيريا، وكانت معظم جهوده في دراسة الحالات السلبية للإنسان.
وتطور علم النفس فأصبح يهدف إلى فهم السلوك أو تفسيره، وضبطه وتوجيهه، بل والتنبؤ به، كان علم النفس التقليدي يركز على السلبيات في سبيل معالجتها، والقليل جداً من الجهد ومن الدراسات كانت تتم على الناس في الحالة إيجابية.
يهدف علم النفس الإيجابي لفهم المفاهيم التي تعزز الإيجابية مثل "السعادة" ويسعى إلى الاهتمام بالقدرات الشخصية المتعددة، كالصلابة النفسية والارتقاء بالإنسان واستكشاف ما إذا كان من الممكن تطوير التدخلات التي تزيد من المشاعر الإيجابية، وتساعد الإنسان على العيش في المستويات العالية من السعادة والإحساس أكثر بالعواطف الإيجابية.
يهتم علم النفس الإيجابي في الأساس بالدراسة العلمية لما يحقق السعادة للناس، والتخلص من الاحتراق النفسي، وإلى تحسين الرضا عن الحياة وجودتها، وإلى دراسة الظروف والعمليات التي تسهم في الوصول إلى أعلى أداء وظيفي للناس والجماعات والمؤسسات، مثل:
الرضا عن الماضي، والعرفان والغفران
السرور، والعواطف الإيجابية في الوقت الحاضر
الأمل والتفاؤل بالمستقبل
إذاً علم النفس الإيجابي: هو الدراسة العلمية لما يجعل الحياة جديرة بأن تعاش أكثر ومعرفة مواضع القوة لدى الفرد، ويعمل على بناء السِّمات الإيجابية، التي تساعد الأفراد والمجتمعات، ليس على التحمل والبقاء فقط، بل تساعدهم أيضاً على الازدهار، كما أن استخدام استراتيجيات علم النفس الإيجابي يؤدي إلى نقل الشخص بعيداً عن التركيز ضيق الأفق، ومعايشة المواقف السلبية والأمراض النفسية، إلى منهج جديد هو تنمية السمات الإيجابية والفضيلة والقوى الإيجابية على مدى الحياة، والاستفادة منها في الصحة والعلاقات والعمل.
فوائد العواطف الإيجابية:
إن نتائج الدراسات العلمية الحديثة في مجال علم النفس الايجابي مشجِّعة، بحسب دراسة علمية فإن المتفائلين يعيشون في العمر أكثر من المتشائمين 8-9 سنوات.
وفي دراسة أخرى فحص الباحثون في " كلية ميلز" ألبومات الصور الكتاب السنوي لطلبة بعد 25 عاماً من تخرجهم، فوجدت الدراسة بناء على تحليل المشاعر من الصور أن المبتسمين كانوا بعد 25 عاماً أكثر سعادة مع عائلاتهم وفي مجتمعاتهم الوظيفية، بل ذهبت التحليلات إلى أكثر من ذلك فوجدت أن الأشخاص الذين تكررت ابتسامتهم في الصور كانوا أقل تجاعيد في الوجه من غيرهم.
وقد سأل باحثون مجموعة من أكثر الناس سعادة، عن أسباب سعادتهم، فوجد أنهم ليسوا الأكثر وجاهة أو جمالاً أو مالاً، وإنما هم الأكثر انغماساً في الحياة الاجتماعية، وتفاؤلاً بالمستقبل.
يا إلهي ماذا تصنع الإيجابية والسعادة إنها جديرة فعلاً بالدراسة والاهتمام!
فالمشاعر الإيجابية والتكيف قيم فريدة تؤدي إلى المرونة السلوكية والنمو العاطفي، مع مرور الوقت، تزيد من بناء الموارد والقدرات الشخصية وزيادة الرفاهية، وهكذا، فالعواطف الإيجابية ليست مجرد علامة من الرفاهية، ولكنها تنتج أيضاً للمستقبل تأثيراً إيجابياً هو واحد من أهم العناصر التي تساهم في ازدهار الإنسان.
علم النفس الإيجابي وإن كان عمره قصيراً، لكنه يقدم وعوداً جميلة لِمن لا يحمل أمراضاً نفسية خطيرة أو آثار صدمات تحتاج إلى معالجة طبية جذرية وطويلة الأمد، وعوداً تُطبّق في الحياة اليومية على أفراد يبحثون عن تطورهم الدائم من خلال نقد ذاتي بناء ومستمر، بغية إرساء حياة أفضل، تسهم في ضبط الانفعالات وإشاعة أجواء من التفاؤل والتسامح والإيثار والتعاطف وتقدير النعم التي نعيش في كنفها ليل نهار.
وبين حالمي الطبع الهنيء وأصحاب المزاج السيئ، تتفاوت النظرة إلى السعادة، ويختلف السبيل إلى قطفها، ويبقى الإيمان بها هو الجامع المشترك الذي يؤدي إليها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.