أثارت مسرحية "غيبوبة" بطولة الفنان أحمد بدير التي تعالج ثورة يناير، أزمةً كبيرة في مدينة السويس المصرية بين المواطنين والفنانين.
ومن المفترض عرض المسرحية الأربعاء المقبل في السويس، ما جعل الكثير من رافضي الفكرة من أبناء السويس يدعون إلى تنظيم حملة واسعة على الشبكات الاجتماعية يرفضون فيها العرض المسيء لثورة يناير، على حد قولهم.
ودشنوا الأهالي هاشتاغ على تويتر #السويس_حرة_وأحمد_بدير_برة، متهمين المسرحية بإهانة شهداء ثورة 25 يناير، ومذكرين بأن الشرارة الأولى للثورة كانت من السويس.
وطالب السوايسة اللواء أحمد الهياتمي محافظ السويس ووزير الثقافة حلمي النمنم بمنع العرض في قصر ثقافة السويس حتى لا تقع أزمات متوقعة بسبب عرض المسرحية.
فيما أكد الفنان فتوح أحمد، مدير البيت الفني للمسرح، أن العرض سيتم في موعده.
"لن نقبل أي إساءة للشهداء"
قال الكاتب السويسي أنور فتح الباب، وهو أحد مَن أطلقوا حملة لوقف عرض "غيبوبة": "قرأت كل ما كُتب عن المسرحية، فقررنا تنظيم حملة ضد عرضها في مدينة السويس، خاصة أن نجمها أحمد بدير من الفنانين الذي يعادون ثورة يناير. ولا أحد ينسى مشهد بكائه على قناة المحور على المخلوع حسني مبارك".
وقال أنور فتح الباب إن مدينة السويس قدمت أول شهيد لثورة يناير هو مصطفى رجب، وقدمت 30 شهيداً بين يومي 26 و28 يناير/كانون الثاني 2011، موضحاً: "هناك جُرح خاص لأهالي السويس الذين قدموا شهداء وجرحى".
وقال فتح الباب لـ"عربي بوست" لقد "نظمنا حملة على فيسبوك، ومحافظ السويس استوعب وجهة نظرنا وقرر منع عرض المسرحية، ولكن إذا أراد بيت المسرح وأحمد بدير أن يتحدونا فأهلاً بهم ونحن لن نقابلهم بالعنف، ولكن إذا تم عرض المسرحية فلن يكون القائمون عليه سعداء به. ولن نقبل أي إساءة لشهداء السويس، ونحن ملتزمون أمام الأهالي بعدم تشويه صورة أبنائهم".
وأضاف "وأقول لفتوح أحمد: يجب أن تحترم إرادة السوايسة وأن تكفّ عن تسميتنا بالبلطجية أو أننا من الإخوان المسلمين. فأنا أنتمي إلى اليسار المصري من 30 عاماً والسويس بها العديد من القوى الثورية الحقيقية الغيورة على ثورة 25 يناير".
مخالفة قانونية
مؤسس فرقة مسرح الشارع بالسويس المخرج محمد الجنايني قال لـ"عربي بوست" إن "هناك شقين لهذه الأزمة: أولاً، مخالفة قانونية في الأساس خاصة بتذكرة العرض، فهناك بروتوكول باتفاقية خدمية بين هيئة قصور الثقافة والبيت الفني للمسرح، لتقديم عروض مسرحية مجانية كخدمة ثقافية للجمهور".
ويوضح الجنايني أنه فوجئ بالبيت الفني للمسرح يطرح تذاكر لعرض مسرحية "غيبوبة" تتراوح أسعارها بين 50 و200 جنيه، وهذا مخالف للأسعار التي تعرض بها المسرحية على مستوى الجمهورية وهي بين 30 و100 جنيه، ما يعتبر انتهاكاً لحق جمهور السويس.
كما اكتشف أن متعهد المسرحية قام بطبع الشعار الخاص بشركة السياحة التي يمتلكها على تذاكر الدولة وهذه مخالفة للقانون، مؤكداً "سأتقدم بشكوى إلى الهيئة العامة للرقابة المالية".
ويضيف الجنايني أن الشق الآخر يتعلق بالعرض المسرحي نفسه، حيث يقول: "نحن للأمانة لم نره، لكنْ هناك نقاد نثق برأيهم مثل الدكتور حسام عقل، والكاتب محمود الحلواني، والدكتورة وفاء كمالو، كتبوا مقالات نقدية وتحليلية للعرض تؤكد عدائيته الشديدة لثورة 25 يناير وإهانته وسخريته من كل شهدائها. ونحن في السويس لن نقبل إهانة شهداء الثورة".
ستعرض في موعدها
رئيس البيت الفني للمسرح في مصر الفنان فتوح أحمد رد على تساؤلات واتهامات أهالي السويس قائلاً إن مسرحية غيبوبة ستعرض في موعدها المقرر أيام الأربعاء والخميس والجمعة المقبلة.
وأوضح: "لم تؤكد لي أي جهة حكومية حتى الآن رفضها عرض المسرحية في قصر ثقافة السويس"، ومن وجهة نظره فإن هناك أعداداً قليلة من مواطني السويس يثيرون بلبلة على صفحات فيسبوك لمنع عرض المسرحية وهم لا يمثلون كل أهالي السويس.
وأكد فتوح أن الدولة المصرية لن ترضى بأن يفرض أحد رأيه عليها، فهي دولة متماسكة وليست هشة، وهؤلاء الذين يرفضون العرض كيف يطالبون بالحرية وهم لا يحترمون حرية الاختلاف في الرأي.
ونبه إلى أن "سياسة الدولة تسعى إلى انتشار العروض المسرحية بالمحافظات، ونحن نحاول عمل ذلك، وبالنسبة للذين يشككون في نزاهة الاتفاق بيننا وبين الراعي، فالشخص الذي تبنى فكرة عرض العمل في السويس لا ينتظر أي مقابل مادي، فهو سيقوم بدفع تكاليف كثيرة، ولن تعوضه أموال التذاكر أي شيء، وفي النهاية دفع مقابلاً لذلك وخزينة الدولة ستستفيد بالفعل، إذن لا يريد هؤلاء سوى التشويش ومحاولة ابتزاز المسؤول عن العرض ليأخذوا تذاكر مجانية".
عرض "غيبوبة" فعل شبه مسرحي يهين الشهداء
هذا عنوان مقال نقدي وتحليلي للناقد محمود الحلواني في مجلة "الهلال" الثقافية المعروفة، التي تصدر عن دار الهلال إحدى مؤسسات الدولة المصرية الصحفية، وقد فنّد فيه العديد من الأسباب الصريحة التي تبرر غضب أهالي السويس وكل من ينتمي إلى ثورة 25 يناير.
"هكذا اعتبر العرض تلك الفترة (25 ينايرـ30 يونيو) فترة غيبوبة، زُجّ إليها بالمواطن المصري البسيط بواسطة، رصاصة انطلقت، لم يشغل العرض نفسه بالسؤال عمن أطلقها، وغيرها من الرصاصات التي أسالت دماء شهداء الثورة، ومصابيها، وتفرغ، بدلاً من ذلك، لاتهام القوى المشاركة في الثورة، كما تفرغ لمسخرة جماعة الإخوان (الإرهابية) وجماعة 6 إبريل (التخريبية الممولة من الخارج) بوصفهما المسؤولتين عما حدث، كما لم ينس أيضاً مسخرة أميركا وتقديمها بوصفها المحرك للقوى المتهمة بالثورة. ولم يفوّت العرض كذلك فرصة التلسين على مَنْ سمّاهم "نشتاء حكوك الإنسان"، واحتفظ لجمهور الأهلي والزمالك بنصيبيهما المقدر والمعروف من الاتهام بالتوظيف السياسي، مقابل أموال يتلقونها، وإن كانت هزيلة.
قامت حبكة العرض على محاولة هذه القوى استثمار غيبوبة المواطن "مصاب الثورة" لصالحها، حيث راحت كل جماعة تدَّعي نسبته إليها كذباً، وتمنحه اسماً وحكاية، للاستيلاء على التبرعات الضخمة التي أودعها المتعاطفون في حساب باسمه، من أجل علاجه، وضم العرض إليهم امرأة فقيرة كانت تريد أن تؤمن مستقبل ابنها، غير أن العرض كشف عن كذب هؤلاء جميعاً، وعمل اللازم نحو تخوين الجميع (باستثناء المرأة) وتحميلهم مسؤولية غيبوبة المواطن، والوطن بالطبع، الذي طفح بأسوأ ما فيه.