ربما يكون "أصل اللغة" من أكثر المواضيع المختلف عليها بين العلماء، والتي لا يوجد عليها أي دليل دامغ يرجّح رأياً على آخر، لكن دارسة شجرة العائلات اللغوية تقرّب البشرية أكثر من محاولة فهم أصل الإنسان ورحلة تنقله عبر الأزمان حتى وصوله إلى يومنا هذا.
اللغة العربية مثلاً، إحدى 3 سلالات صامدة للغة السامية التي اندثرت!
وبالرغم من أن وجود اللغة قد يكون قرين وجود الإنسان على هذه الأرض، فإن علم اللغات أو الـ "فيلولوجيا" لم يظهر بشكله الذي نعرفه اليوم إلا في وقت متأخر من عمر الإنسان.
نظريات في أصل اللغات
عرّف كثير من العلماء اللغة واختلفوا في ذلك كل حسب فهمه، بينما كان تعريف ابن جني – العالم اللغوي المعروف الذي عاش في القرن الـ 4 – من أوضح التعاريف. يقول ابن جني، "اللغة هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"، وهو تعريف يصف ذات اللغة (الأصوات) ووظيفة اللغة الاجتماعية.
وللحديث عن شجرة العائلات اللغوية وكيف نشأت، لا بد من الكلام عن النظريات التي تصف نشأتها:
1- نظرية التوقيف: يرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة علم وهبة الله للبشر، وهي نظرية قديمة نوعاً ما وقد لاقت قبولاً كبيراً بين أصحاب الديانات.
2- نظرية المحاكاة: وتفسر هذه النظرية نشوء اللغة بمحاولة الإنسان محاكاة أصوات الطبيعة من حوله، وهي نظرية تجد بعض الاستدلالات عليها في كلمات متفرقة من اللغة وقد ذكرها ابن جني في كتابه.
3- نظرية الاصطلاح: وتقول هذه النظرية أن اللغة تم الاصطلاح عليها بين البشر، أي أنهم وضعوا الألفاظ واصطلحوا أو اتفقوا عليها. وبالرغم من أن الاعتراضات كثيرة عليها، إلا أنها قد تفسر سبب تنوع اللغات.
4- نظرية الغريزة: ويرى أصحاب هذا القول أن الله وضع في الإنسان القدرة على ابتكار الكلمات وتكوينها وتركه يبدع فيها كيف شاء، وربما تجمع هذه النظرية بين نظرية الاصطلاح ونظرية التوقيف بشكل أو بآخر، ويمكن من خلالها أيضاً تفسير تنوع اللغات.
ما هي العائلات اللغوية
يعتقد العلماء أن هناك ما يقرب من 6900 لغة حول العالم موزعة على ما يقرب من 150 عائلة لغوية، ولا يعتبر هذا العدد نهائياً بسبب جهل العلماء لغات بعض المناطق وخاصةً في مجاهل أفريقيا.
والعائلات اللغوية هي مجموعة اللغات التي تشترك في أصل تاريخي واحد، مهما بدت غربية عن بعضها أو مهما تباعدت أماكنها، ولكن بشكل عام لا يزال بإمكان العلماء عقد نوع من المقاربة بين الألفاظ الأساسية فيها.
تعتبر دراسة العائلات اللغوية جزءاً مهماً من دراسة التاريخ، حيث يخبرنا توزع العائلة اللغوية الواحدة عن الطريق الذي سلكه الإنسان خلال حركته على هذه الأرض.
تصنف اللغات عادة بناء على أصلها وتركيبها اللغوي والقاعدي، وليس بناءً على الكلمات المستخدمة، فبعض اللغات يغلب عليها الكلمات المستوردة من لغة أخرى.
وبالرغم من كثرة العائلات اللغوية حول العالم، فإن عددا قليلاً – لا يتجاوز 25 عائلة – يغطي ما يقرب من أكثر من 90% من اللغات الحية التي يتكلمها الإنسان اليوم، أما العائلات اللغوية الأخرى فإمّا انقرضت أو انحصرت ضمن مجتمعات صغيرة.
عائلة اللغات الهندو-أوروبية مثلاً، تشمل لغات في الهند ولغات في غرب أوروبا، فذلك قد يخبرنا أن أصل هذه اللغة لو كان في الأناضول – كما يُعتقد – فذلك يعني أن البشر تفرقوا نحو أوروبا والهند في فترة ما. ويعتقد أنه تشعبت عنها لغات كالجرمانية القديمة، التي تفرعت منها الإنكليزية.
بعض العائلات اللغوية
نذكر هنا بعض أهم وأضخم العائلات اللغوية والتي تحتوي على عشرات وربما مئات اللغات، إضافةً إلى أماكن انتشارها حول العالم.
1- أكبر العائلات اللغوية هي النيجر-كونغو، والتي تتضمن خلالها أكثر من 1500 لغة، وتنتشر لغات هذه العائلة على امتداد القارة الأفريقية.
2- الأسترونيزية، وهي ثاني أكبر العائلات اللغوية في العالم، وتضم هذه العائلة أكثر من 1200 لغة، وتتوزع هذه اللغات ابتداءاً من الصين في شرق آسيا وانتهاءاً بالجزر النيوزيلاندية على ضفاف المحيط الهادي.
3- عائلة اللغات الهند-أوروبية التي تضم أكثر من 400 لغة، من أهمها اللغات الأوروبية كالألمانية والروسية والفرنسية واليونانية، إضافة إلى لغات الهند وبعض مناطق وسط آسيا، ويستخدم لغات هذه العائلة أكثر من 3 مليارات إنسان.
4- عائلة اللغات السامية، وهي العائلة التي تضم اللغة العربية والعبرية والفينيقية والأوغاريتية والكنعانية والعمورية وغيرها الكثير من اللغات التي بادت ولم يبق منها إلا العربية والعبرية والآرامية.