بصوته الجهوري يصرخ منادياً "أسن السكاكين، أسن المقصات"، فيتوجه إليه من يريد إعادة تأهيل أدواته الحادة، أما من يفضل الأدوات المعاصرة فيمر أمامه كالطيف بينما تجهل البقية العظمى طبيعة الخدمة التي يروج لها.
يطل محمد أبو المكارم الجيوشي بذقنه البيضاء وظهره الذي أحناه الزمن، من أفول جيل كان يعتمد على الحرف اليدوية والطاقة البشرية، وها هو في القرن الـ 21 ما زال يتحدى التطور بالمهنة التي ورثها عن أجداده.
إن توقف، تراه يضع عن ظهره المنهك آلةً مكونةً من عجلةٍ محمولةٍ على قاعدتين من الخشب، يتصل بالعجلة سيرٌ من القماش المتين يسمى "القايش"، ثم حجر دائري من الحجر الصوان، فيديرها بضغط قدمه على بدّال متصل بها، قبل أن يبدأ بالسن على الحجر.
لا يمكن معرفة عمر عم محمد، فذقنه البيضاء غطت تجاعيد وجهه، لتخفي عمراً أفناه في السن على الحجر.
هو الجيوشي، سنّان شارع المعز، الذى يأتي إلى دكانه مبكراً بزي مموه، تجده يقف خلف قرص من الحجر الجيري يستخدمه للسنّ داخل محله الصغير خلف جامع "المؤيد شيخ" في القاهرة.
ورث عن أبيه مهنة السن وأفنى فيها عقوداً من الزمن، "منذ كنت في الـ 10 من عمري، وأنا أقف مع أبي في المحل لأتعلم منه الصنعة، وأسنّ السكاكين على الحجر"، 60 عاماً قضاها وهو منكفئ على الحجر للسن بجسده النحيل وعضلاته المتهالكة.
مهنةٌ طاعنةٌ في التاريخ
يعود تاريخ مهنة السن إلى عهد الفراعنة، ثم ازدهرت في عهد الدولة الإسلامية، خاصةً فترة الدولة الفاطمية وعهد صلاح الدين الأيوبي في مصر.
كانت تنتشر في منطقة السيدة زينب والحسين وأماكن أخرى، أما الآن فلا تتواجد "إلا في الدرب الأحمر وباب الشعرية" طبقاً لتصريحات عم محمد.
أما عن المهنة فيرى أنها تعتمد على "إمساك السنّان للسكين وجعل الجزء الحاد منها بين راحة يده والحجر الدائر أمامه، مع رش الماء على السلاح"، وهي مهارة لا تتوافر عند الكثير من السنّانين.
ويعتقد سنان شارع المعز أن السن بالحجر أفضل من الجلخ، "لأن الحجر لا يرفع درجة حرارة السلاح، كما أنه يعطي منتجاً نهائياً جيداً بلا عيوب".
يتحسر عم محمد على الزمن الخالي بين الحين والآخر، وتحديداً "عندما كانت هذه الصنعة مزدهرة ومطلوبة. عندما كان الناس يفضلون السنّ على الحجر". وأشار إلى ارتفاع سعر الحجر، ففي الماضي كان ثمنه "3 جنيهات وجاهز للتركيب، لكن الآن أصبح سعره ألف جنيه، ناهيك عن كلفة تركيبه".
ويرفض عم محمد توريث المهنة لأبنائه قائلاً "هذه المهنة ظالم ومظلوم، ورزقها يوم بيوم، كما أنها خطر على صاحبها، والخطأ فيها قد يؤدي لحدوث عاهة".
ويختم بالقول، "الرايش الذي يخرج من السلاح يدخل في العين مسبباً التهابها، ويد العامل تصيبها أيضاً الالتهابات نتيجة المياه الدائمة التي يتم رشها، في السابق ذهبت لطبيب فقال لي أن أتوقف عن العمل بسبب الالتهابات الشديدة، كيف أتوقف عنها وأنا لا أعلم غيرها، لو توقفت فلن أستطيع أن أعيش".