داخل أروقة بيت الموسيقى اليمني، حيث تعلو أصوات آلات العزف على طبول الحرب، تعزف الطفلة أسماء محمد الأسعدي (10 سنوات)، على البيانو بكل انسجام.
وتقول الأسعدي، "يخيفني صوت الصواريخ والطائرات ولكني أنساها كلياً عندما أبدأ العزف على البيانو".
أسماء ليست الطفلة اليمنية الوحيدة التي خرجت من قيود الحرب الدائرة إلى رحاب الموسيقى، فمثلها تُمسك غفران محمد وهاس بآلة الغيثارة رفقة زملائها، وتقول "هدفي أن أصبح عازفة غيتار محترفة، وقد شجعني أهلي على الحضور بالرغم من الأوضاع الأمنية".
فما إن تطأ قدماك باحة "البيت اليمني للموسيقى" في صنعاء والذي تأسس لرصد وتوثيق الأغنية اليمنية والتراث الموسيقي في البلاد، حتى تشعر أنك خارج المدينة التي اعتادت على صوت الرصاص والانفجارات المدوية منذ 5 شهور، فصوت الموسيقى ومنظر الأطفال والشباب وهم يعزفون على آلاتهم ينقلك إلى عالم آخر أكثر سلاماً ومحبةً.
فؤاد الشرجبي رئيس ومؤسس "البيت اليمني للموسيقى"، تحدى الظروف الأمنية والاقتصادية المعقدة التي تعيشها البلاد ليعاود فتح أبواب البيت بعد أن اضطر لإغلاقه لأول مرة منذ تأسيسه في العام 2007. إذ أن موقع المركز القريب من بعض المناطق المستهدفة مثل وزارة الدفاع وقوات الأمن الخاصة ومنزل الرئيس السابق علي عبدالله صالح جعله في دائرة الخطر.
يقول الشرجبي لـ "عربي بوست"، إن "الحياة كانت شبه مستحيلة والقصف شبه يومي وبأوقات غير محددة، سيطر الخوف والقلق على الناس، ما أدى بنا إلى إغلاق البيت خوفاً على سلامة الطلاب".
إقبال غير متوقع
ما لم يتوقعه الشرجبي مدى الإقبال الكبير على المشاركة بدورات الموسيقى بكافة أنواعها بمجرد إعلانه عن إعادة فتحه للبيت مطلع شهر أغسطس/آب الماضي.
وأضاف، "تفاجأت بعدد الآباء الذين سمحوا لأولادهم حضور الدورات، خصوصاً أن معظم طلابنا اضطروا للسفر خارج البلاد. وما أسعدني أكثر توافد وجوه جديدة ومن مختلف الأعمار".
ولم تقتصر أنشطة البيت اليمني للموسيقى على الدورات الموسيقية، بل امتدت لتصل إلى مراكز إيواء النازحين في صنعاء، "فشعورنا بالمسؤولية تجاه النازحين من المحافظات المنكوبة الذين لجأوا للعاصمة هرباً من شبح الموت دفعنا لعمل مبادرة إنسانية للتخفيف من ضغوط الحرب وآثارها النفسية عليهم، لذا أقمنا فعاليات غنائية وموسيقية مختلفة في تلك المراكز شكلت فارقاً كبيراً".
يؤمن الشرجبي بدور الموسيقى الفاعل في تخفيف الضغوط النفسية التي خلفتها الحرب، "فداخل كل طفل طاقة لا بد أن يقوم بتفريغها بشكل إيجابي، وبالتأكيد تستطيع الموسيقى استغلال هذه الطاقة ومحو ما خلفته الحرب".
ركود الأغاني اليمنية
أسس الشرجبي "البيت اليمني للموسيقى" لرصد وتوثيق الأغنية اليمنية والتراث الموسيقي في البلاد والحفاظ عليه، غير أنه ومنذ شهور لم يتم توثيق صدور أية أغاني جديدة بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية، التي أدت بكثير من الفنانين والمثقفين والموهوبين السفر خارج البلاد.
ويواصل بحسرة، "فشلنا نحن اليمنيين في توصيل رسالة السلام للعالم من خلال الموسيقى أو الغناء، وكانت آخر تجربة لنا في إعداد أغنية وطنية بصوت الأطفال في ختام مؤتمر الحوار الوطني مطلع العام الماضي". إلا أنه ينوي الاستمرار في دعم "البيت اليمني للموسيقى"، حتى حال تدهور الظروف الأمنية في صنعاء.
"ليس أمامنا إلا أن نتحدى الظروف ونقهر المستحيل فنحن أعدنا فتح البيت لنستمر وعدد المتواجدين يعطينا حافزاً لأجل أن نستمر.. فغناء وعزف الأطفال يزيد فينا الحماس لنستمر ونتغلب على الصعاب"، هكذا يقول الشرجبي.
ويختم حواره مع "عربي بوست" بالقول إنه سيستمر في غرس الموسيقى في حياة الأطفال "مهما كانت الظروف، وزرعها كثقافة ولغة حوار تدعو للسلام فـ 70% من طلابنا هم من الأطفال، وهو ما يجعلني أكثر إصراراً على تغيير ومحو ما علق في أذهانهم من أصوات مرعبة ومقلقة واستبدالها بصوت الموسيقى والأنغام".