كلما قرأنا قصّة قاتل متسلسل كانت قصته مثيرة للاستغراب أكثر من الذي قبله، لكنّ قصّة جودي بوينوانو قد تكون أكثر قصة لقاتلة متسلسلة مثيرة للاستغراب، فقد كان جميع ضحاياها هم أفراد عائلتها، بمن فيهم ابنها الوحيد!
وقد كانت جودي بوينوانو واحدة من أكثر السفاحين الأمريكيين دهاءً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.. ورغم أنّ عدد قتلاها ليس كبيراً مقارنةً بغيرها من المجرمين فإنّها استحقّت لقب "قاتلة متسلسلة" لغرابة جرائمها.
بدايات قاتلة متسلسلة.. ابحث دائماً عن الطفولة
وُلدت جودي بوينوانو في ولاية تكساس الأمريكية عام 1943 باسم جودياس ويلتي. عاشت جودي حياة طفولة تعيسة وقاسية، فقد توفيت أمّها وهي في الرابعة من العُمر، وهنا عاشت جودي طفولتها مع أفرادٍ آخرين من أسرتها – غير معروف صلة قرابتهم لها – لتعيش معهم، وبين وقتٍ وآخر كانت تعيش مع "أسر حاضنة"، أي الأسر التي تعرض ضمّ أطفال مشرّدين أو أيتام.
عن تلك الفترة، حكت جودي لاحقاً، بأنّها تعرّضت لإساءاتٍ جسدية وجنسية في تلك المنازل التي تنقّلت فيها طوال فترة طفولتها.
وبعد حوالي 6 سنوات من هذا التنقّل بين البيت بعد وفاة أمها، عاشت جودي مع أبيها وزوجته الجديدة وهي في سن العاشرة. وعن هذه الفترة قالت إنّها تعرّضت للضرب كثيراً.
وبعد أن تخرّجت جودي في إحدى المدارس الإصلاحية بولاية نيو مكسيسكو عام 1959، صارت حُبلى في سن الـ17.
ويبدو أنّ حملها الأوّل قد انتهى بغير الولادة، أو ربما انتهى بولادة طفل غير معروف مصيره. ففي عام 1961، أنجبت جودي ابناً يُدعى مايكل، وهو ابنها الأكبر، الذي ستقتله لاحقاً بعد 18 عاماً.
بدايات القاتلة المتسلسلة
بعد وقتٍ قصير من ولادتها مايكل، قابلت طياراً شاباً هو الرقيب في القوات الجوية جيمس جوديير- وسرعان ما بدأت علاقتها به. ثم تزوجا في عام 1962. وبعد سنواتٍ قليلة فقط، أنجبا طفلين آخرين، وهما جيمس وكيمبرلي.
وفي أواخر الستينيات، عمل جوديير في القيادة الجوية الاستراتيجية بقاعدة ماكوي الجوية. ولاحقاً قضى جوديير نحو عامٍ في فيتنام وعاد إلى بلاده في عام 1971.
عند عودة جوديير في مايو/أيار من عام 1971 حدث شئٌ غريب. فبعد أشهرٍ قليلة من عودته، بدأ الرجل الذي كان ينعم بصحّةٍ جيدة في الشعور بأعراضٍ غامضة. وبحلول شهر سبتمبر/أيلول من نفس العام مات جوديير.
بعد الموت المأساوي، حصلت أرملته "جودي بوينوانو" على مبلغ 28 ألف دولار أمريكي نظير التأمين على الحياة، وحصلت كذلك على 64 ألف دولار إضافيةً كمكافأة يحصل عليها ذوو المحاربين القدامى في الجيش الأمريكي. أي حصلت جودي على إجمالي 92 ألف دولار من وفاة زوجها.
بعد وفاته، قررت جودي الانتقال إلى ولاية فلوريدا. وهناك بدأت علاقة جديدة مع رجل يدعى بوبي موريس في عام 1972.
الضحية الثانية ثمنها ثلاث تعويضات
عندما انتقل موريس إلى ولاية كولورادو، لحقت به جودي وأبناؤها. ولكن بعد بضع سنوات، بدأت أعراضٌ غريبة تظهر على موريس أيضاً. وكان ثمة تشابه غريب بين أعراضه وتلك التي عانى منها جوديير سابقاً. وفي عام 1978، مات موريس.
من المثير للانتباه هنا أنَّ الأطباء كانوا يعتقدون أن كلاً من جوديير وموريس ماتا بسبب النوبات القلبية.
وقد حصلت جودي من وفاة موريس على ثلاث وثائق تأمين منفصلة على الحياة وقّعَهَا موريس في حياته.
ثم عادت بعد ذلك إلى فلوريدا. وفي تلك الفترة تقريباً، غيَّرت اسم عائلتها إلى جودي بوينوانو وهي ترجمة إسبانية غير صحيحة لاسم غوديير، زوجها السابق.
حتّى ابنها مايكل لم يسلم منها!
في عام 1979، التحق مايكل ابن جودي بالجيش الأمريكي. ولكن مرة أخرى، بدأت الأعراض العجيبة تظهر عليه، وأصيب بالمرض الشديد.
شُخِصّت حالته في نهاية المطاف على أنّها تسمُّم بمادة الزرنيخ، مما أثر على ذراعيه وساقيه. تمّ تسريح مايكل من الجيش الأمريكي وسرعان ما تطلّبت حالته استخدام دعاماتٍ معدنية للساقين.
اصطحبت جودي ابنها عام 1980 للتجديف في ممرٍ مائي بولاية فلوريدا. وفي لحظة ما خلال هذه الرحلة، انقلب الزورق.
وصلت جودي بوينوانو إلى بر الأمان ولكن غرق ابنها مايكل، فقد كانت قدماه مثقلتين بالدعامات المعدنية التي تساعده على الحركة.
في البداية اعتبر موت جودي حادث غرقٍ غير مقصود. وحصلت جودي من جديد على المزيد من الأموال من وثيقة للتأمين على الحياة التي كان يمتلكها ابنها.
حتّى هذه اللحظة، كانت جودي تقتل خلسة؛ إذ أطعمت ضحاياها الزرنيخ وأغرقت ابنها. لكن في المرّة التالية التي حاولت خلالها القتل، انكشفت، لأنّها غيّرت أسلوبها.
نهاية قاتلة متسلسلة
بعد وفاة ابنها مايكل، بدأت جودي في مواعدة رجل جديد يدعى جون غينتري. وصف جون لقاءهما الأول لاحقاً بأنها "كانت تقف في الحانة مرتدية ملابس سوداء. إذ كانت ترتدي الأسود كثيراً. في الواقع، أعتقد أن هذا يروي الكثير عنها من الناحية النفسية".
وأقنعت جودي غينتري بضرورة إصدار وثائق تأمين على الحياة لبعضهما البعض. وفي حالة وفاة غينتري، ستحصل جودي على نصف مليون دولار أمريكي. ومن هنا بدأت جودي ضربتها الأخيرة.
حاولت قتل حبيبها بكبسولات "فيتامين سي" عندما أصيب بنزلة برد قوية. لكنّ الحبوب أمرضته على نحوٍ خطير، وذهب إلى المستشفى.
ورغم أنه قد شعر بتحسُّن بعد تلقي العلاج، لكن سرعان ما وجبت عليه العودة إلى المستشفى؛ لأنّ سيارته انفجرت بقنبلة حارقة في عام 1983. ونجا غينتري بأعجوبة من الانفجار. لكن حينما علم المحققون بقصّة الانفجار، سرعان ما ثارت شكوكهم نحو جودي.
أدّت التحقيقات في النهاية إلى القبض على جودي واستخراج رفات ضحاياها السابقين: غوديير، وموريس، وابنها مايكل. وقد تبيّن لاحقاً أن ثلاثتهم كانوا ضحية التسمُّم بالزرنيخ.
أدينت جودي عام 1984 بمحاولة قتل غينتري. وبعدها بوقت قصير وصل المحققون لدليلٍ يثبت قتلها غوديير، وتدبيرها غرق ابنها مايكل.
أمّا عن حبيبها الثاني موريس، فقد قرر المدعي العام في ولاية كولورادو عدم تسجيل اتهامهم لها في مقتله، لأنّها قد حكم عليها بالإعدام في ولاية فلوريدا عام 1985.
وقد رفضت المحكمة محاولة جودي الاستئناف على الحكم في القضايا.
أعدمت جودي بوينوانو التي لُقّبت بـ"الأرملة السوداء" يوم 30 مارس/آذار عام 1998 وعمرها 54 عاماً. جهزها موظفو السجن لتنفيذ الإعدام. وفي تمام الساعة 7:13 صباحاً، ماتت جودي على الكرسي الكهربي. وحتى الرمق الأخير، لم تقبل الاعتراف أبداً بأيٍّ من جرائمها. وكان إجمالي ما جنته من أموال التأمين 240 ألف دولار.
وحينما سئلت قبل إعدامها عما إذا كانت لديها كلمات أخيرة، قالت: "لا يا سيدي". وصارت حينها أول سيدة تُعدم في ولاية فلوريدا منذ 150 عاماً، وأول سيدة تُعدم بالكرسي الكهربائي في تاريخ الولاية.