لم تكن تعلم تلك الفتاة التي انضمت إلى الكفاح المسلح في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية وهي بعمر السابعة عشرة فقط، أنها ستكون يوماً أيقونة للنضال والفداء ضد الإسرائيليين، وأنها ستكون المرأة التي كادت يوماً ما أن تقتل رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.
إنها المناضلة الأردنية المسيحية تيريزا هلسة، التي فارقت الحياة في 28 مارس/آذار 2020، عمر يناهز 66 عاماً، وذلك في العاصمة الأردنية عمَّان، بعد صراع مع مرض عُضال.
قصة تيريزا هلسة منذ الولادة وحتّى قرار الانضمام للكفاح المسلح
ولدت تيريزا هلسة أو كما يسميها البعض تيريز في البلدة القديمة في مدينة عكا شمال فلسطين، لعائلة أردنية مسيحية، وهي الثالثة بين إخوتها.
والدها قدم إلى فلسطين سنة 1946 من مدينة الكرك، وأمها هي الفلسطينية ناديا حنّا التي ولدت في قرية الرامة (عكا) في الجليل الأعلى.
أكملت تيريزا دراستها الثانوية في مدرسة تراسنطة الأهلية في عكّا، ثم أكملت دراستها في مجال التمريض في المستشفى الإنجليزي في مدينة الناصرة.
قررت الانخراط بصفوف منظمة التحرير الفلسطينية بعد أحداث عكّا
بدأت مسيرة تيريزا هلسة النضالية في العالم 1971 عندما قررت الانضمام إلى الكفاح المسلح في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، أي بعد عام واحد من أحداث عكّا، وهي القبض على أحد أعضاء ما عُرف لاحقاً باسم "مجموعة عكا" وقتله في عرض البحر.
وعند تشييعه منعت القوات الإسرائيليّة عائلته من رؤية جثته قبل الدفن لمنع مشاهدة آثار التعذيب التي تعرض لها قبل قتله، وهو ما مثّل نقلة مفصلية في حياة تيريزا وقرارها الانضمام لمجموعة التحرير.
وبالإضافة إلى أحداث عكا، كان تأثرها بالعمليات الفدائية الفلسطينية ضد إسرائيل -التي ازدادت في مطلع السبعينات- سبباً إضافياً لقرارها.
غادرت دون علم عائلتها وانضمت لمنظمة أيلول الأسود
في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني، ودّعت تيريزا قريتها وغادرت أراضي عرب الداخل باتجاه الضفة الغربية، ثم إلى لبنان، برفقة شابة زميلة لها في الدراسة ودون معرفة عائلتها.
بعد أن وصلت إلى لبنان انضمت مباشرة إلى حركة فتح، وانخرطت في مجموعة أيلول الأسود، التي كانت منتقلة حديثاً من الأردن إلى لبنان، بعد أحداث التصادمات بينها وبين الجيش الأردني.
وعُرف عن تيريزا موقفها القوي حول أن للنساء حقَّ المقاومة في الصفوف الأمامية.
اختطاف طائرة بلجيكية على متنها أكثر 140 إسرائيلياً
في مايو/أيار 1972، كان لها ما أرادت، فكانت واحدة من بين 4 فدائيين شاركوا في اختطاف ركاب رحلة سابينا 571، وهي طائرة بوينغ 707 البلجيكية المتجهة في رحلة من فيينا عاصمة النمسا نحو مطار اللد في تل أبيب، هي وعلي طه أبو سنينة، وزكريا الأطرش، وريما عيسى.
وكان علي حسن السلامة هو المخطط الرئيسي لهذه العملية، ولمن لا يعرف مَن هو السلامة فهو أحد قياديي جيش التحرير الفلسطيني، والذي لقبته رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بلقب الأمير الأحمر، لأنه قاد الكثير من العمليات الخاصة ضد القوات الإسرائيلية في العالم.
أما الهدف من خطف طائرة الرحلة سابينا فكان بكل تأكيد هو مبادلة الرهائن بأسرى أردنيين وفلسطينيين موجودين لدى قوات الاحتلال الإسرائيلية.
فشل العملية
أثناء المحادثات والمفاوضات قامت فرقة مختصة من القوات الإسرائيلية بالهجوم على الطائرة، وتمكنوا من اقتحامها عبر تخفّيهم بهيئة الصليب الأحمر الدولي، وكان من بين هؤلاء العناصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
خلال الاقتحام تمكنت تيريزا من إصابة نتنياهو برصاصة في كتفه، فيما أصيبت هي بعدة طلقات، قبل أن يتم إلقاء القبض عليها رفقة زميلتها ريما العيسى، بينما توفي زميلاها الفدائيان الآخران علي طه أبو سنينة وزكريا الأطرش.
محاكمة تيريزا هلسة
بعد أن ألقي القبض عليها قدمت للمحاكمة في إسرائيل، وحُكم عليها بالسجن المؤبد مرتين، وأربعين عاماً أي 220 عاماً.
لكن بعد 12 عاماً تم الإفراج عنها بعد عملية تبادل أسرى مع الحكومة الإسرائيلية، وتم نفيها بعد ذلك إلى الأردن.
عاشت تيريزا هلسة بعد الإفراج عنها في مدينة عمان مع زوجها وأولادها الثلاثة، محرومة من دخول الأراضي الفلسطينية ورؤية عائلتها في عكا وحيفا، وكان لها تصريح بأنّها غير نادمة أبداً على عملها المسلح، حيث قالت إنها رفضت الاستسلام خلال عملية خطف الطائرة. من الجدير بالذكر أن تيريزا عاملت الرهائن المدنيين معاملة حسنة، وأعلنت أن مشكلتها بالأساس مع المؤسسة والدولة الإسرائيلية.