عندما بدأت التحذيرات من تطورات الذكاء الاصطناعي في مطلع الألفية الجديدة لم ينتبه الكثيرون لخطورة الأمر؛ إذ لم يكن يتوقع الناس يوماً ما أن يروا مقاطع لأشخاص ومشاهير يتحدثون بكل أريحية؛ ليتضح لاحقاً أنها مزيفة! وكيف عرف الناس أنها مزيقة رغم أن الشخص في الفيديو هو نفسه، لا يوجد شبه تغيير ملامح بالطرق التقليدية مثل التجميل، ومن المستحيل أن يتطابق شخصان في الواقع كل هذا التطابق الدقيق.
كل علامات التعجب تلك بدأت في الاختفاء تدريجياً عندما بدأ مصطلح التزييف العميق Deep Fake في الانتشار على كل وسائل التواصل الاجتماعي وحتى الإعلام التقليدي، وازداد الحديث عن التزييف العميق بكثرة في الأعوام الخمسة الماضية بشكل تدريجي جعل المشاهدين في حيرة، فكيف يتم التزييف باستخدام هذه التقنية؟ والأهم من ذلك كيف يتم كشف تزييفها، رغم دقتها الشديدة والتي قد لا تُمكّن الكثيرين من التفرقة؛ لهذا سنتابع في تقريرنا التالي بعض النصائح التقنية التي تساعدك في هذا.
التزييف العميق.. ما هو؟
تقنية التزييف العميق أو Deepfake هي تقنية حديثة تقوم بالأساس على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتكون مهمة هذه التقنية الأساسية هي استبدال صورة الوجه أو المظهر الخارجي لشخص ما بتفاصيل شخص آخر.
استبدال صوت شخص بصوت شخص آخر مستهدف، لتبدو مقاطع الوسائط المرئية أو السمعيّة المزيفة حقيقيّة، كما يمكن لتقنية Deepfake أن تستبدل صوتاً بصوت آخر، أو المحيط والخلفية في المقطع بمحيط وخلفية أخرى تماماً، وابُتكرت تقنيات التزييف العميق بالأساس في عالم المؤثرات البصرية لخدمة الأغراض الفنية والسينمائية، وكانت بدايات ابتكار هذه التقنية عام 1997 بشكل مُبسط، وأولي؛ ولكنها تطورت تدريجياً حتى وصلت إلى أعلى قدراتها منذ العام 2016، ولا تزال في تطور شبه يومي.
ومع وصول التكنولوجيا الحديثة إلى أيادي الكثيرين في الآونة الاخيرة؛ أثير جدل كبير حول إمكانية استخدام هذه التقنية في الأعمال الاحتيالية والتضليل المجتمعي، أو الأكثر خطورة؛ التغطية على جرائم حقيقية مصورة وادعاء أنها مزيفة طالما كان صعباً على الجماهير التفرقة بين الزيف والحقيقة.
كيف يعمل وفيمَ يستخدم التزييف العميق؟
من خلال خوارزمية معينة يقوم التزييف العميق على جمع أكبر عدد ممكن من الصور والمقاطع للشخص المطلوب استبدال صورته- وكلما ازدادت التفاصيل المتاحة خرج فيديو أكثر دقة في التزييف- ثم يقوم بالمحاكاة، واستبدال الوجه الأصلي بالوجه المراد ظهوره، كما يعمل على التقنية ذاتها في استبدال الأصوات والخلفيات.
تتفاوت برامج التزييف العميق من حيث قدراتها على إخراج تغيير دقيق؛ فهناك البرامج المجانية والمصنوعة غالباً للهواة وإنتاج مقاطع مضحكة، وهذا النوع قد يكون غالباً في شكل تطبيق على الهاتف الذكي.
أما المستويات الأعلى من برامج التزييف العميق تكون غالباً برامج كاملة كبيرة الحجم يتم تحميلها على الحواسب ذات قدرات المعالجات العالية، أو المستوى الأكثر احترافية للتزييف العميق ألا وهي برامج التزييف العميق المتاحة على سيرفرات "خوادم" ويتم العمل عليها عبر الإنترنت فقط، وهو النوع الذي تتعامل معه أبرز شركات هوليوود.
ويمكن لتقنيات وبرمجيات التزييف العميق أن تقوم بكل من: تبديل الوجوه، وتحريكها ومحاكاة الأصوات وتغيير الخلفيات والتفاصيل الخلفية في الفيديو.
هكذا يمكنك كشف التزييف العميق
منذ أن ازدادت المقاطع الزائفة باستخدام تقنية Deepfake ظهرت العديد من الجهود الجادة من خبراء التكنولوجيا والمؤثرات البصرية للتفرقة بين المقاطع التي قد تكون مزيفة وبين الأخرى الحقيقية، انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية والخوف من سوء عواقب سوء استخدام هذه التقنية مجتمعياً وسياسياً، مثلما حدث في الواقعة الشهيرة بعد اشتعال حرب روسيا وأوكرانيا، إذ ظهر الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" في مقطع مصور يحث الجنود الأوكرانيين على الاستسلام؛ والذي اتضح لاحقاً أنه مزيف باستخدام هذه التقنية، كما ظهر مؤخراً مقطع مشابه للرئيس الأمريكي بايدن يهاجم فيه الرئيس الأسبق "دونالد ترامب".
ومن خلال مجموعة من النصائح والعوامل البصرية التي يمكن تدقيقها بالمراقبة الحثيثة؛ يقدم خبراء المؤثرات البصرية والخدع التقنية هذه النصائح التي تساعد في التعرف على المقاطع المزيفة من خلال تقنية deepfake:
– حركة العينين والرموش: واحد من أبرز طرق الأخصائيين في معرفة المقاطع المزيفة هي حركة العينين والرموش، فالإنسان العادي يرمش كل 2 إلى 10 ثوانٍ، ومعدل سرعة رَمش العين يكون ما بين 1\10 من الثانية إلى 4\10 من الثانية، وملاحظة أي تغيير أو بطء في هذه العملية قد يشير إلى التزييف العميق؛ نظراً لأن الخوارزميات المستخدمة فيه ما زالت لم تتطور لمحاكاة هذه الحركة بشكل طبيعي بعد.
– تعبيرات الوجه الجامدة: تفصيلة أخرى يمكن الاعتماد عليها هي ملاحظة "الجمود" على حركات الوجه، وثناياه، خاصة عند زوايا الفم في مشاهد الابتسامات أو الضحك، وتتضح هذه التفصيلة بشكل أكبر كلما عُرض المقطع على شاشة أكبر؛ وهي النصيحة العامة الأولى والأساسية لكشف عيوب التزييف، فشاشة أكبر تعني دقة بيكسل أكبر لملاحظة التفاصيل.
– درجات اللون: من أبرز عناصر كشف التزييف العميق والتي يدركها المزيفون جيداً هي صعوبة دمج درجات الألوان في الجسد البشري، فعلى سبيل المثال راقب دائماً درجات الألوان بين الوجه والرقبة أو الوجه والذراعين، وراقب الفروق بين الكتفين والذراعين ولون الوجه؛ ستجد شذوذاً واضحاً ولا يشبه مثلاً التفتيح أو الاسمرار البشري الطبيعي.
– الشعر: الشعر في المقاطع الطبيعية مهما كان مصففاً سوف تجد هناك تموجات دقيقة و"هيشان" بسيطاً متفاوتاً كلما دققت في مقاطع حقيقية لهذا الشخص، هذه الخواص التي تميز الصور الطبيعية لن تتواجد في مققاطع التزييف العميق؛ لأن الخوارزميات لا تستطيع توليد خواص الشعر بشكل تلقائي وطبيعي، عادة ما سوف تلاحظ خطوطاً حادة أو خارج التركيز عند حواف الشعر، وسوف تبدو مصطنعة.
– الأسنان: كذلك أمر مهم في مقاطع التزييف العميق؛ فخوارزميات هذه التقنية تعجز غالباً عن صنع محاكاة طبيعية ودقيقة للخطوط الخارجية المحددة للأسنان، وبما أنها أقل التفاصيل ظهوراً في الصور السابقة التي تتغذى عليها الخوارزمية؛ فغالباً ما ستجد خط الأسنان غير واضح ويبدو "كارتونياً" غير طبيعي، وبلا أي لمعة مثل السن الحقيقية التي تعكس الضوء غالباً مهما كانت درجة لون السن.
– سرعة أقل: خدعة شهيرة يمكن الاستعانة بها لكشف تفاوت "البيكسلات" في الصور والفيديوهات هي إبطاء الفيديو، أو تشغيله بسرعة أقل ويفضل في هذا استخدام برنامج تعديل فيديو محترف مثل فوتوشوب أو فاينال كت؛ وعند عرض المقاطع المزيفة بالسرعة الأبطأ ستجد أن هناك فراغات دقيقة مطموسة و"خارج التركيز البؤري" Blurred و Out of focus.