هل فكرت يوماً أن الهاتف الذكي الذي تحمله في جيبك طيلة الأوقات قد يكون جاسوساً عليك؟ بالنسبة للعديد من الأشخاص، يُعد الهاتف نافذةً لهم على العالم، لكنه كان في الوقت ذاته وسيلة للتجسس على حياتهم الخاصة؟
قام موقع BBC Mundo بتحليل العديد من الأمثلة التي تم فيها استخدام برامج التجسس لمراقبة عمل الصحفيين والناشطين والمحامين في جميع أنحاء العالم.
التجسس عبر الهاتف المحمول.. مَن الذي قد يفعل هذا، وكيف يمكنك منعه؟
مايك موراي متخصص في الأمن الإلكتروني يعمل في Lookout، وهي شركة أمريكية تساعد الحكومات والشركات والمستهلكين على الحفاظ على هواتفهم وبياناتهم آمنة.
يقول موراي إن برامج التجسّس لديها برامج حاسوبية قوية لدرجة أنها تصنّف كسلاح ولا يمكن بيعها إلا في ظروف معينة.
وأوضح: "يمكن لمشغل البرنامج أن يراقبك باستخدام GPS الخاص بك".
كما يمكن تنشيط الميكروفون والكاميرا في أي وقت وتسجيل كل ما يحدث من حولك، والوصول إلى أي تطبيق قمت بتثبيته، وصورك، وجهات الاتصال، ومعلومات التقويم، والبريد الإلكتروني، وأي مستند لديك، ويحوّل هاتفك إلى جهاز استماع يمكنهم من خلاله مشاهدتك وسرقة كل شيء فيه.
برامج التجسس هي نوع من البرامج التي لا تعترض البيانات أثناء نقلها (البيانات التي تخرج من الهاتف)، والتي عادةً ما تكون مُشفَّرة، ولكنها تتولى كل وظيفة من وظائف الهاتف المحمول وتستخدم التكنولوجيا المتقدمة للغاية بحيث يكون من المستحيل عملياً اكتشافها.
بعض الحالات التي استُخدم فيها الهاتف للتجسس.. جمال خاشقجي
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، دخل الصحفي السعودي والكاتب في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية العربية في إسطنبول، ولم يخرج؛ إذ قُتل على أيدي مسؤولي النظام السعودي.
اكتشف صديق خاشقجي، عمر عبدالعزيز، الصحفي المنشق، أن هاتفه قد تم اختراقه، كما يقول، من قبل الحكومة السعودية.
يعتقد عمر أن القرصنة لعبت دوراً مهماً في قتل صديقه ومعلّمه، فقد كانا على اتصال في كثير من الأحيان وناقشا السياسة وكان لديهما مشاريع مشتركة.
لبعض الوقت، تمكنت الحكومة السعودية من الوصول إلى هذه المحادثات وكل الوثائق أو الملفات المتبادلة بينهما.
كان الرد الرسمي من المملكة العربية السعودية هو أنه على الرغم من وجود برامج ضارة متداولة لمهاجمة الهواتف المحمولة، فإنه لا يوجد دليل يشير إلى أن المملكة تقف وراء ذلك.
الناشط الحقوقي أحمد منصور المسجون في الإمارات
أحمد منصور، الناشط الحقوقي المشهور والحائز على عدة جوائز، كان يخضع للمراقبة من قبل حكومة الإمارات لسنوات.
في عام 2016، تلقى رسالة نصية مشبوهة، وشاركها أيضاً مع The Citizen Lab.
باستخدام جهاز iPhone نقر فريق البحث على الرابط وما رأوه أثار إعجابهم: لقد أصيب الهاتف الذكي بالبرنامج الضار عن بُعد وتم نقل البيانات خارج الجهاز.
من المفترض أن iPhone أحد أكثر الهواتف أماناً في السوق، لكن برامج التجسس (أحد أكثر أنواع هذا البرنامج تطوراً حتى الآن) عثرت على ثقب دودي (wormhole ثغرة أمنية) في نظام Apple.
اضطرت الشركة لإطلاق تحديث لكل هواتفها المحمولة في جميع أنحاء العالم.
ليس من الواضح ما المعلومات التي تم جمعها من هاتف منصور، لكن تم اعتقاله وسجنه لمدة 10 سنوات، وهو الآن هو في الحبس الانفرادي.
مدوّن بريطاني ندد بمعاملة الإمارات السيئة للعمال المهاجرين
روري دوناغي مدوِّن أنشأ مجموعة ناشطة وموقعاً على الإنترنت في الشرق الأوسط.
ندّد دوناغي بانتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة، من المعاملة السيئة للعمال المهاجرين إلى السياح الذين يقعون ضحايا لقانون البلاد.
بالكاد كان لديه بضع مئات من القراء ولم تكن عناوينه تحريضية أكثر من تلك التي تظهر كل يوم على الأخبار.
لكن عندما بدأ العمل على موقع أخبار Middle East Eye، حدث شيء ما: بدأ في تلقي رسائل بريد إلكتروني غريبة من أشخاص لم يكن يعلم أن بها روابط مُرفقة.
أرسل الصحفي إحدى تلك الرسائل الإلكترونية المشبوهة إلى مجموعة أبحاث تسمى The Citizen Lab، من جامعة تورنتو في كندا، وهي تعمل في دراسة وتحليل التجسس الرقمي ضد الصحفيين والناشطين.
وأكدوا له أن الرابط تم استخدامه لتنزيل برامج ضارة على جهازه وإبلاغ مرسل هذه الرسالة عن نوع برنامج الحماية من الفيروسات الذي يستخدمه، بحيث يتعذر اكتشافه؛ فهي أداة متطورة للغاية.
هؤلاء الذين أرسلوا إلى روري تبين أنهم من شركة للتجسس الإلكتروني تعمل لصالح حكومة أبوظبي لمراقبة مجموعات حكومية متطرفة يفترض أنها تشكل خطراً على الأمن القومي.
حتى أنهم أطلقوا عليه لقب "جيرو"، وكانوا يراقبون أفراد أسرته وكل تحركاتهم.
القبض على تاجر المخدرات تشابو غوزمان
كان تاجر المخدرات المكسيكي خواكين "إل تشابو" غوزمان لويرا يمتلك إمبراطورية بمليارات الدولارات.
بعد هروبه من السجن، لمدة ستة أشهر، بمساعدة وحماية شبكة اتصالاته الواسعة، كان يتواصل فقط من خلال الهواتف المشفرة، التي يُفترض أنه من المستحيل اختراقها.
ولكن في وقت لاحق عُلم أن السلطات المكسيكية اشترت برنامج تجسس جديداً وأكثر تطوراً وأنها تمكنت من إصابة الهواتف المحمولة لأولئك الذين كانوا في دائرة ثقته، ما سمح لهم بالعثور على مكان اختبائه.
يُثبت القبض على إل تشابو أن هذا النوع من البرامج يمكن أن يكون سلاحاً ذا قيمة في مكافحة المجرمين المنظمين والإرهابيين؛ إذ يمكنها إنقاذ العديد من الأرواح وإيقاف نشاط المتطرفين الذين يرتكبون أعمال العنف بفضل شركات الأمن القادرة على اختراق الهواتف والتطبيقات المشفرة.
ولكن ما الذي يمنع مشتري هذه الأسلحة من استخدامها ضد أي شخص يختارونه؟ هل أي شخص يزعج الحكومة معرّض لخطر الاختراق؟
اختراق واتساب الأخير
في مايو/أيّار من العام الجاري، كان هناك خرق أمني كبير لواتساب من خلال برامج ضارة.
استُخدم التطبيق فقط للوصول إلى سوفت وير الهاتف؛ بمجرد فتحه، كان المتسللون قادرين على تنزيل كمية مفخخة من برامج التجسس.
لم يكن على المتلقي أن ينقر على رابط لأن المتسللين يمكنهم الوصول إلى الجهاز عن طريق إجراء مكالمة ثم تعليقها. هذا هو ما يُعرف باسم تكنولوجيا Zero Click.
أصدرت واتساب برامج تصحيحات بسرعة لإصلاح هذه المشكلة لمستخدميها البالغ عددهم 1.5 مليار، لكن لا أحد يعرف مَن يقف وراء الهجوم.
هذه المرة كان التطبيق المتأثر هو واتساب، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ومن سينفذ الهجوم؟
محاربة برامج التجسس
يحتاج مطورو برامج التجسس إلى تراخيص خاصة، كما لو كانوا متعاقدين مع وزارات الدفاع. ويتم بيعها لغرض وحيد هو اعتقال المجرمين الخطرين.
لكن The Citizen Lab أعدت تقريراً كاملاً حول ما تعتقد أنه انتهاكات من جانب الحكومات التي تشتري برامج التجسس هذه.
على عكس الأسلحة الأخرى (مثل المسدسات) يظل المطورون نشيطين في خدمة وصيانة برامج التجسس بعد بيعها، فهل سيكونون مذنبين عند إساءة استخدامها؟
الفاعل الرئيسي في سوق التجسس القانوني هي شركة إسرائيلية تسمى مجموعة NSO. كانت موجودة منذ ما يقرب من عقد من الزمان وهي تربح مئات الملايين من الدولارات كل عام.
كم من الوقت يستغرق الأمر للكشف عن برامج التجسس؟
الغرض النهائي من صناعة تجسس الهواتف المحمولة هو تطوير برامج تجسس لا يمكن اكتشافها بنسبة 100٪.
إذا نجحوا، لا يمكن لأحد الإبلاغ عن إساءة استخدامهم لأن لا أحد سيعرف؛ سنكون جميعاً في قبضة المطوّرين، سواء كانوا يعملون وفقاً للقانون أم لا.