من المتوقع أن يصبح FRAN الصديق الأقرب لمنتجي أفلام ديزني؛ ففي خطوةٍ تُعتبر ثورة في تقنيات صناعة السينما، طوّرت شركة ديزني أداة ذكاءٍ اصطناعي يمكنها أن تجعل الممثلين يبدون أصغر سناً بنقرةٍ واحدة فقط.
وفي ورقةٍ بحثية مفصّلة نشرتها ديزني في ديسمبر/كانون الأول 2022، كشف باحثو الشركة النقاب عن أداة ذكاء اصطناعي جديدة FRAN يمكنها أن تُلغي الحاجة إلى مؤثراتٍ بصرية خاصة لتغيير عمر الممثلين في أحداث فيلمٍ سينمائي أو مسلسلٍ تلفزيوني.
وأكد الباحثون أنه، باستخدام شبكة إعادة شيخوخة الوجه (FRAN)، يُمكن لصانعي الأفلام التلاعب بأعمار الممثلين ليبدوا أصغر أو أكبر سناً -حسب ما يتطلبه الدور- من خلال هذه الأداة.
ويحدث ذلك بسهولة تامة؛ فكل ما يحتاجه الأمر إدخال صورة وجه الممثل في نظام أو برنامج الذكاء الاصطناعي، ليتنبأ بدوره بأجزاء الوجه التي يجب أن تتغيّر وفقاً للعمر المطلوب. فيُضيف أو يقلّل التجاعيد مثلاً، ويلعب على الجلد ودرجة نعومته، كل ذلك من دون الحاجة إلى فنانٍ تجميلي يغيّر الملامح، أو تصويري يهتم بتغيير الإطارات يدوياً.
ولمن لا يعرف، فإن عملية تغيير شكل الوجه ليبدو الممثل أكبر أو أصغر سناً لطالما كانت تحتاج إلى مجهودٍ جبّار لتحقيق نتائج أقرب إلى الواقع ومن دون افتعال. فيجلس الممثل لساعاتٍ طويلة أمام فريقٍ كامل من المتخصصين وخبراء التجميل حتى يخرج بالصورة التي نشاهدها على الشاشة.
فقد احتاج الممثل الأمريكي توم هانكس مثلاً إلى فريقٍ كبير من المتخصّصين لإعادة رسم ملامح وجهه حتى تبدو قريبة من شخصية توم باركر في فيلمه الأخير Elvis. وجلس لساعاتٍ يومياً تحت أيدي خبراء التجميل، الذين عملوا على تغيير شكل وجهه بالكامل.
لكن اليوم، تروّج ديزني أن أداتها الجديدة FRAN يمكنها في دقيقةٍ واحدة أن تغيّر مرحلة عمرية بالكامل وبواقعية تامة، من خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
ليست FRAN التقنية الأولى
لاحظ الباحثون في ديزني أن التقنيات المستعملة حالياً، التي تعمل على جعل الممثل أكبر أو أصغر سناً، ليست ذات نتائج مهمة لأنها غالباً ما تُفقد الوجه هويته عبر إطارات الفيديو اللاحقة (Frame).
وقد قدّموا مثالاً على ذلك فيلم Rogue One: A Star Wars Story، الذي وزّعته ديزني في العام 2016، وكيف أن مؤثرات CGI -التي استُعملت على وجه الأميرة ليا عندما كبرت- لم تكن دقيقة 100%، وجعل البعض يحنّ إلى الماضي.
ففي الدراسة الأكاديمية التي أجراها مركز أبحاث استديوهات ديزني، بالشراكة مع جامعة ويسكونسن ماديسون، أكد الباحثون أن أداة FRAN (وهي اختصار لعبارة "إعادة تخيّل الوجه بعمرٍ آخر") عبارة عن شبكة عصبية تمّ تدريبها باستخدام قاعدة بيانات كبيرة تحتوي على وجوه في مراحل عمرية مختلفة.
وأشاروا إلى أنه يتم تغذية البرنامج بهذه الوجوه، مع إدخال آلاف الصور لأشخاصٍ حقيقيين في أعمار مختلفة، ولكن مع نفس تعابير الوجه والوضع والإضاءة والخلفية.
ومع تغذية البرنامج بوجوه أشخاص في فترات عمرية مختلفة، بدأ البرنامج يتعرف على نمط التغييرات التي تحدث مع التقدم في العمر، وكيف يتغير شكل الوجه والعضلات. فيستخدم FRAN المعلومات المخزنة فيه ليتنبأ كيف سيبدو شكل الوجه حين يتقدّم الشخص بالعمر، ثم يضيف التفاصيل الجديدة -مثل التجاعيد حول الفم- والنتيجة هي ما تزعم ديزني أنها "أول طريقة عملية جاهزة للاستخدام".
هذه التقنية الجديدة ليست الأولى من نوعها، فقد سبق لديزني أن استخدمت الذكاء الاصطناعي في العام 2020 لتغيير مظهر شخصٍ بالكامل في لقطات الفيديو، عبر أداة Deepfake أو ما يُسمّى بـ"التزييف العميق".
وقد طوّرت شركة Industrial Light & Magic، وهي شركة المؤثرات البصرية التابعة لديزني، أنظمة خاصة بالمؤثرات البصرية VFX المُستخدمة في عملية مونتاج الأفلام، مثل شاشات الفيديو ليد LED العملاقة التي يبلغ ارتفاعها 20 قدماً في الموسم الثاني من مسلسلها The Mandalorian.
لعلّ أبرز استخدامٍ حديث لتقنية إزالة الشيخوخة تمثل في فيلم The Irishman من إنتاج Netflix عام 2019، وإخراج مارتن سكورسيزي، الذي -ورغم إنفاقه ملايين الدولارات على تأثيرات إزالة الشيخوخة الرقمية- تعرّض لانتقاداتٍ واسعة من المشاهدين والمهتمين بصناعة السينما.
فقد كلّف إنتاج فيلم العصابات The Irishman نحو 159 مليون دولار، معظمها صُرفت من أجل أن يبدو روبرت دي نيرو في العشرينات من عمره، في الوقت الذي كان يبلغ فيه الممثل الرائع 76 عاماً، عندما تمّ تصوير الفيلم.
لم تكن النتائج مستقرة عبر إطارات الفيديو، كما أنها لم تكن مُرضية لسكورسيزي وديزني والمشاهدين، الذين علّقوا على فشل التقنية المستعملة. تقول ديزني في ورقتها البحثية إنهم يذكرون تعليق أحد المشاهدين، الذي جاء فيه: "من الواضح 100٪ أني أنظر إلى رجلٍ عجوز مع فلتر Snapchat فوق وجهه".
وأضاف التعليق: "من الواضح جداً أنه رجل عجوز، من الطريقة التي يمشي ويتحرك ويتحدث بها، لكنه يتظاهر بأنه أصغر بـ30 إلى 40 عاماً. يبدو الأمر سيئاً للغاية. وبصراحة تمنيتُ لو استخدموا ممثلين عدة للعب أجزاء مختلفة من شخصية روبرت دي نيرو".
ويبدو أن هذه المشكلة التي واجهتها ديزني في فيلم The Irishman هي السبب الرئيسي وراء ابتكار أداة FRAN، بعد 3 سنوات من العمل الدؤوب.
إنشاء قاعدة بيانات خاصة بـFRAN
تروّج ديزني لأداة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها باعتبارها الحلّ الأول من نوعه الذي يمكنه تلقائياً تغيير عُمر الممثل، مع الأخذ بعين الاعتبار تعابير وجهه وظروف الإضاءة وإطارات الفيديو.
وقد بدأ العمل على هذه الأداة بإنشاء قاعدة بيانات تضمّ 2000 وجه تم إنشاؤها صناعياً، ولكلّ وجهٍ فيها 14 عمراً مختلفاً يتراوح من 18 إلى 85 عاماً، مما يوفر ما مجموعه 196 زوجاً تدريبياً لكل هوية مأخوذة.
وتقول ديزني إن الباحثين استخدموا بعد ذلك شبكة عصبية "مثبتة" لتغيير أعمار الوجوه الاصطناعية؛ مما أدى إلى تصميم FRAN. والأهم أن الشبكات العصبية المُستخدمة معروفة جيداً بالحفاظ على التخطيط المكاني للمدخلات.
هذه الأداة تمكّن صانعي الأفلام الآن من جعل الممثلين يبدون أصغر من 20 عاماً أو أكبر من 80 عاماً؛ عن طريق إدخال صورة وجه الشخص في النظام أو الأداة التي تتنبأ بعد ذلك بأجزاء الوجه التي يجب تغييرها حسب العمر.
وأشار الباحثون في الدراسة إلى أن "هذه العوامل مجتمعة تجعل من FRAN حلاً ممتازاً وجاهزاً لإعادة تخيّل الوجه بعمرٍ آخر".
وتقول ديزني إن هذه الأداة سوف تكون أكثر دقة من غيرها، ووعدت بتسريع عمليات التأثيرات المرئية التي كانت تستغرق أسابيع وتُنفذ يدوياً، كما يتطلب بعضها رسم كل إطارٍ ثنائي الأبعاد لوجه الممثل، أو استبدال الممثل بدمية رقمية.
تعمل أداة الذكاء الاصطناعي FRAN، المصممة من ديزني، عن طريق تركيب التعديلات اللازمة على أجزاء معينة من الوجه مع ترك الأجزاء المتبقية من دون تغيير. ويتم ذلك على طبقات منفصلة، مما يسمح للفنانين بالتعديل عليها يدوياً كما يرون مناسباً.
ومن المثير للاهتمام أن الباحثين لم يدربوا الخوارزمية على الوجوه الحقيقية؛ وبدلاً من ذلك، استخدموا الوجوه التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. وهي -وفقاً للخبراء- لا تعطي نتائج أكثر دقة فحسب، بل إنها ستكون مناسبة تماماً للسياق التي توضع فيه.
وباستخدام تقنية Disney Face Re-Aging سيتمكن المخرجون من جعل الممثلين أصغر أو أكبر سناً إلى حد كبير بنقرة واحدة، تاركين الخوارزميات تقوم بكل المجهود اللازم. وعلاوة على ذلك سيظل التأثير مرئياً، حتى عندما يحرك الممثل رأسه، أو عندما تتغير الإضاءة.
هل ستغيّر ديزني مستقبل صناعة السينما؟
لا شك أن هذه التقنية الجديدة ستسهّل وتسرّع في عملية تجهيز الأفلام والمسلسلات أو حتى الإعلانات، وبالتأكيد أنها ستكون حلاً رائعاً لشركات الإنتاج. ولكن ذلك يدفعنا إلى طرح السؤال الأهم: هل يعني ذلك أنه لا مستقبل لفناني المؤثرات البصرية وخبراء التجميل؟
وهل يعني ذلك أن تقنية FRAN هي خطوة استباقية تمهّد لمستقبلٍ سينمائي يمكن من خلاله استبدال الممثلين بالكامل؟ وهل سنمتلك في المستقبل صناعة ترفيه يتم إنتاجها بالكامل بواسطة الخوارزميات والذكاء الاصطناعي؟
الأسئلة كثيرة في هذا الإطار، ولعلّها جميعها ستبقى معلّقة في الوقت الحالي؛ لكن الأكيد أن صناعة الأفلام في طريقها نحو مرحلةٍ جديدة، لن يبذل فيها المنتجون مجهوداً هائلاً كما هو الحال اليوم، ولا سيما في مرحلة المونتاج والتوليف النهائية، لأنه لا بدّ أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً ما.