معظم الناس لا ينظرون لألعاب الفيديو باعتبارها أنشطة مرهقة، بعيداً عن كونها مسلكاً رياضياً. لكن التطور في الألعاب الإلكترونية التنافسية، أو الرياضات الإلكترونية ، حوَّلَ المشهد بالفعل إلى مشهد يشبه الرياضات التنافسية، بكل جوانبها، حتى الإصابات.
بحث جديد نُشر في مجلة BMJ العلمية، درس 65 لاعب ألعاب فيديو في سن الجامعة، ووجد أن الكثير منهم يعانون من آلام في اليدين، والرسغ، والظهر، بالإضافة إلى إجهاد العينين.
قال الدكتور هالي زويبل، مؤلف الدراسة ومدير مركز الطب الرياضي بمعهد نيويورك للتكنولوجيا، والمتخصص في طب الرياضات الإلكترونية، في حواره مع موقع Healthline، إنه لا يوجد الكثير من البيانات المتاحة فيما يتعلق بأفضل الممارسات للاعبي الرياضات الإلكترونية.
وأوضح: "بصفتنا فريق الأطباء للرياضيين من طلبة معهد نيويورك للتكنولوجيا، فمَهمتنا الرئيسية هي ضمان صحة وسلامة كل اللاعبين".
وأضاف: "عندما قرَّر قسم الألعاب الرياضية إضافة الألعاب الإلكترونية إلى المستوى الجامعي، بحثنا عن أفضل الممارسات لرعاية هؤلاء اللاعبين. نفعل ذلك عادةً عن طريق استشارة المجلات الطبية عن الأبحاث التي نُشرت في هذا الموضوع، لكن المفاجأة كانت في أننا لم نجد متاحاً سوى معلومات قليلة للغاية".
وسعياً وراء هذا الهدف، استعدَّ زويبل وزملاؤه لإلقاء نظرة أدق.
الرياضات الإلكترونية تتطور وبات لها محترفون
في الماضي، كانت الألعاب التنافسية مقتصرة على الهواة الذين ينافس بعضهم الآخر.
لكن في السنوات الأخيرة الماضية، أصبحت الرياضات الإلكترونية تجارة كبيرة.
في عام 2017 اندمج الاتحاد الوطني لكرة السلة الأمريكية (NBA)، مع شركة Take-Two Interactive Software التي صنعت سلسلة ألعاب NBA 2K الشهيرة، وأطلقا دوري ألعاب فيديو تنافسياً.
كان دوري NBA 2K يدفع للاعبين مرتبات بعشرات الآلاف من الدولارات، ويقدم ما يصل إلى مليون دولار في الجوائز الكبرى، بالإضافة إلى منافع صحية وطبية.
ويمكن للاعبين زيادة دخلهم عن طريق اتفاقات الرعاية والدعاية.
وعلى الجانب الأكاديمي، توجد حوالي 125 مؤسسة أكاديمية في الولايات المتحدة، تقدم برامج جامعية في ألعاب الفيديو، متكاملة مع هيئة إدارة وطنية.
ومثل الرياضيين التقليديين، يحتاج متنافسو ألعاب الفيديو إلى استثمار الكثير من الوقت في حرفتهم.
وجد زويبل أن لاعبي الألعاب الإلكترونية من الجامعة يلعبون بمتوسط 5-10 ساعات يومياً.
يمكن للاعبين الهواة التوقف عن اللعب عندما يبدأون في المعاناة من إصابات الإجهاد العضلي.
لكن هذا لا يكون خياراً متاحاً في كل الأوقات لمن يحصلون على المال أو على منحة دراسية مقابل تفوقهم في ألعاب الفيديو.
ما هي خيارات اللاعبين المتاحة؟
يوضح الدكتور ستيفن بيلدنر، المدير المساعد والمؤسس المشارك لمركز نيويورك لليدين والمعصم، في مجاورة لينوكس هيل، أنه يتوجّب ممارسة تمارين التمديد تماماً مثل الرياضيين المحترفين قبل بداية اللعب.
وأضاف: "هناك تمارين إطالة أو تمديد محددة، لأن أجزاء الجسم تكون أقل عرضة للإصابة بعد الإطالة".
آلام في العيون واليدين والظهر
وقال زويبل إن الشكاوى الجسدية مثل التواء المفصل متوقعة للغاية من رياضيي الألعاب الإلكترونية، إذ من الممكن أن يقومون بالعديد من المئات من الحركات في دقيقة واحدة وهم يلعبون.
بالإضافة إلى ذلك، قال أكثر من نصف الخاضعين للدراسة إنهم يعانون من إجهادٍ في أعينهم، وقال زويبل إنه محتمل بسبب متلازمة النظر في شاشة الكمبيوتر.
وقال: "هذا يحدث بسبب زيادة المطلوب أداؤه من العين، بسبب قلة التباين والوضوح في صور الكمبيوتر المكونة من بكسلات".
ثم نأتي لحقيقة أن الرياضات الإلكترونية تستهلك من العقل، وهو ما قال عنه زويبل إنه كان أكبر مفاجأة في الدراسة.
وأكد أن مجتمع علم النفس لم يصل لإجماع على تشخيص إدمان ألعاب الفيديو.
وأوضح زويبل: "استناداً لهذه الدراسة، يبدو أن إدمان ألعاب الفيديو هو ظاهرة حقيقية، لكنه ليس مقترناً بالضرورة بهؤلاء الذين يلعبون على مستوى عالٍ".
وأضاف: "نحتاج للعمل في المجتمع الطبي لتحسين تعريف هذا التشخيص لتجنب التنميط الخاطئ للاعبين، وللتأكد من أن هؤلاء الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية يمكننا التعرف عليهم، حتى نعطيهم الرعاية الطبية المناسبة".
هل من علاج لإصابات ألعاب الفيديو؟
إصابات الإجهاد العضلي المرتبطة بألعاب الفيديو وقضاء ساعات طويلة في العمل على الكمبيوتر في المقام الأول، من المستبعد أن تهدد الحياة، لكنها تؤثر على جودتها.
قال بيلندر إنه إذا شخَّص طبيب رعاية أولية هذه الأشياء، فإن المريض يحوَّل عادة لمعالج.
وقال: "إنهم سيجرّبون مضادات الالتهاب مثل Advil أو Aleve ليحاولوا تهدئتها. وفي بعض الأحيان سيعطيهم المعالج جبيرة من أجل توفير الراحة لهذه المنطقة وتهدئتها بهذه الطريقة. وهذا ما ما يحتاجه الكثير من الناس".
بالنسبة لمن لا يستجيبون لهذه التدخلات، فمن الممكن أن تكون حقنة كورتيزون تستهدف المنطقة المصابة أحد الخيارات.
ما هي طريقة الجلوس الأفضل؟
ولتقليل خطر الإصابة من البداية، الأمر كله يتعلق بوضعية الجسم أثناء العمل.
يقول بيلندر إنه من المهم أن تكون الشاشة في مستوى عينيك، والمرفق منحني حوالي 90 درجة أي يكون الساعد موازياً للأرض، ويكون الرسغ مفروداً وغير منحنٍّ.
وأضاف بلندر: "معظم الناس يستجيبون للتعديلات الخاصة بوضعية الجسم المريحة، ثم الجبيرة، والعلاج".
وأضاف: "ويحتاج البعض للحقن. وقليلون للغاية من يحتاجون جراحة".
وبينما تقدم دراسة معهد نيويورك للتكنولوجيا بيانات قيمة عن الظاهرة الجديدة، يقول زويبل إنه مازال هناك الكثير مما لا نعرفه.
وقال: "النقطة الأكبر في دراستنا ليس ما عرفناه، بل ما لا نزال نجهله".
وأضاف: "الآن وقد حدَّدنا هذه المشاكل لدى اللاعبين، فإننا نعمل بجد لاختراع طرق للحدِّ من تأثيرها والوقاية من الإصابات وتحسين الصحة العامة. والأكثر إثارة بالنسبة إلينا هو تطبيق علوم الرياضة على هذه الفئة، للوصول فعلاً للأداء الأفضل لديهم أثناء اللعب".