“رشاوى” إسرائيلية مقابل تشجيع نقل السفارات إلى القدس المحتلة.. هذه قائمة البلدان المستهدفة بالتسهيلات الجديدة

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/04 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/04 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
"رشاوى" إسرائيلية مقابل تشجيع نقل السفارات إلى القدس المحتلة

بصورة لافتة، وتوقيت مثير، صادقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على خطة جديدة قدمها وزيرا الخارجية غدعون ساعر، وشؤون القدس الحاخام مائير بوروش، تهدف إلى تشجيع الدول الأجنبية على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، أو افتتاح بعثات دبلوماسية جديدة فيها.

تشمل الخطة تخصيص ميزانيات بملايين الدولارات، وتقديم سلة حوافز للدول المعنية، تتضمن مساعدات مالية لتغطية تكاليف بناء أو نقل السفارات، بجانب تسهيلات تخطيطية وسكنية، في محاولة لخلق بيئة دبلوماسية تشجع على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

يأتي هذا في وقت تشهد فيه عدد من دول العالم، وخصوصاً الدول الأوروبية، انتقادات كبيرة وغير معتادة تجاه سياسات إسرائيل بشأن الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف.

موازنة حكومية وتخصيص أراض

كان وزير الخارجية الإسرائيلي قد أكد في معرض تقديم خطته للحكومة أنها "تمثل إضافة مهمة للجهود الدبلوماسية التي يقودها"، بينما اعتبر بوروش أنها "تأتي في إطار تعزيز مكانة القدس على الساحة الدولية"، ولذلك تضمنت خطتهما تشجيع اللقاءات السياسية واستقبال الوفود الدبلوماسية في القدس المحتلة.

مع العلم أن الخطة تأتي ضمن عملية واسعة تتضمن تعبئة متعددة السنوات من جانب الحكومة وجميع الوزارات ذات الصلة، لدعم وتشجيع البلدان في جميع أنحاء العالم على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، وتقديم المساعدة للمهتمة منها بتعزيز هذه العملية. وقد تم تخصيص ميزانية بستة ملايين شيكل، قرابة مليوني دولار، على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

تزامن الإعلان عن هذه الخطة مع تطورين لافتين: أولهما، اختيار الحكومة الإسرائيلية بلدة سلوان الفلسطينية في شرقي القدس المحتلة مكاناً لجلستها الأسبوعية قبل أيام، في الذكرى الـ58 لاحتلال المدينة، في خطوة تهدف إلى تعزيز سيطرتها عليها، وعدم التفريق بين شقّيها الشرقي والغربي. وثانيهما، إعلان التشيك، أكثر أصدقاء إسرائيل في أوروبا، عن إرجاء نقل سفارتها إلى القدس المحتلة إلى ما اعتبرته "الوقت المناسب".

تشارك في هذه الخطة الحكومية وزارات: الخارجية، القدس، المالية، التخطيط، وهيئات أخرى، بحيث تحظى أي دولة تبدي اهتمامها بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس بدعم وثيق، وإزالة الحواجز اللوجستية والتخطيطية، وسط حديث عن تخصيص الحكومة قطعة أرض كبيرة لتشييد مقار السفارات وإقامة الدبلوماسيين الأجانب قرب قرية المالحة جنوب غربي القدس.

أكثر من ذلك، فمن المقرّر أن يشهد مقر الكنيست في الأيام القليلة القادمة حفلاً لشكر الدول التي اعترفت بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، أو نقلت سفاراتها إليها، بمبادرة من مركز السياسات التطبيقية في القدس المحتلة، وعضو الكنيست دان إيلوز، رئيس "اللوبي البرلماني من أجل القدس"، وتُوُقِّع أن يشارك في الحفل عدد من السفراء والدبلوماسيين، وعلى رأسهم السفير الأميركي في تل أبيب مايك هاكابي، ورئيس الكنيست، ووزراء في الحكومة، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس. مخالفة القانون الدولي وتزوير الحقائق التاريخية.

مشروع القدس الكبرى
مشروع "القدس الكبرى" هدفه الأساسي تهويد المدينة/ عربي بوست

مخالفة القانون الدولي وتزوير الحقائق التاريخية

استندت هذه الخطة الاسرائيلية لتعديل في القانون الأساسي بشأن القدس، ودخل حيّز التنفيذ في أكتوبر 2024، ونص على أن إسرائيل ستشجع إنشاء بعثات دبلوماسية في القدس فقط، وبالتالي فقد جاءت الخطة الحكومية لاتخاذ القرارات، وترسيخ جهودها من منظور مالي ولوجستي، وتمكين الحكومة من مرافقة عمليات انتقال السفارات الأجنبية بشكل منهجي.

مع العلم أن الكنيست أصدر قانوناً بضم القدس لإسرائيل بعد أسابيع على احتلالها عام 1967، وأتبعه في عام 1980 بقانون آخر يقضي بأن تكون القدس الموحدة، بشقيها الشرقي والغربي، وبناءً عليه تم تحديدها مكاناً لإقامات رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا، بزعم أنها عاصمة إسرائيل.
لكن هذه الخطوة غير القانونية استدعت رفضاً واسعاً من معظم دول العالم، وأصدر مجلس الأمن الدولي بعد أسابيع قراره رقم 478 الرافض للقانون الإسرائيلي، باعتباره غير شرعي، وطالب الدول الـ13 التي لها سفارات في القدس بنقلها إلى تل أبيب، وقد استجابت له.

مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيه اسرائيل عن خطط لتشجيع دول العالم على نقل سفاراتها للقدس المحتلة، فقد سبق لوزير الخارجية السابق، وزير الحرب الحالي، يسرائيل كاتس، أن عرض خطته على الحكومة، بزعم أن هذه الهدف استراتيجي وسياسي ووطني، ورصد لها 50 مليون شاقل كدعم للدول التي ستوافق على هذه الخطة، حيث سيتم دفع هذه الأموال كتكاليف لنقل سفارة أي دولة، كما شملت الخطة السابقة مساعدة إسرائيل لهذه الدول بشتى المجالات.

خارطة السفارات والممثليات الأجنبية في المدينة المقدسة

تجدر الإشارة أن هناك ست دول فقط لديها سفارات في القدس المحتلة، وهي: الولايات المتحدة، غواتيمالا، كوسوفو، هندوراس، باراغواي، وبابوا غينيا الجديدة، فيما تُجري إسرائيل اتصالات سرية حاليا مع عدد من الدول بهذا الشأن استمرارا للجهود السياسية التي يقودها ساعر للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

في الوقت ذاته، هناك العديد من الممثليات القنصلية للعديد من الدول في القدس المحتلة، سواء في قسمها الشرقي لخدمة المصالح الفلسطينية مثل إسبانيا، بلجيكا، بريطانيا، السويد، وهذه يعارضها الاحتلال بزعم أنها تعترف بهذا القسم عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، أو الغربي مثل التشيك التي أنشأت سفارة فرعية فيها كخطوة تمهيدية لإنشاء سفارة كاملة، وتحتفظ المجر بمكتب تجاري، وكذلك يوجد لهولندا مكتب علمي يحظى بمكانة دبلوماسية، أما الإكوادور فقد افتتحت فرعا لوزارة الابتكار في القدس المحتلة.

أما الدول التي أعلنت عن نيتها نقل سفاراتها للقدس المحتلة، فهي أوكرانيا، بنما، رومانيا، سلوفاكيا، البرازيل أثناء حقبة الرئيس السابق إدواردو بولسونارو، الفلبين، أوغندا، مولدوفيا، جورجيا، صربيا، مالاوي، الدومينيكان، غينيا الاستوائية، سورينام، سيراليون، الكونغو الديمقراطية، الأرجنتين، فيجي.

لعل نظرة فاحصة الى الدول التي أقامت سفاراتها في القدس المحتلة، أو أنشأت مكاتب فرعية لوزاراتها فيها، أو تلك التي تنوي القيام بذلك، تكشف أننا أمام دول هامشية من العالم، ليست ذات تأثير البتة على الخارطة السياسية والدبلوماسية، مما يكشف فشلا اسرائيليا في استقطاب دول وعواصم مؤثرة للانضمام إليها.

لا يقتصر الأمر على نقل السفارات الأجنبية للقدس المحتلة فقط، بل إن الأحزاب الصهيونية الشريكة في الائتلاف اليميني في تل أبيب، اعتزمت نقل عدد من مقار وزاراتها إلى شرقي القدس المحتلة، وهو الجزء ذو  الأغلبية الفلسطينية، فيما بات الوزراء الـ32 يفكرون في النهج ذاته، في محاولة لتهويد ما تبقى من المدينة، وتشجيع باقي المؤسسات الدولية على إنشاء فروع لها فيها، باعتبار أنه اعتراف ضمني بها عاصمة لإسرائيل.

أمريكا تدمج قنصليتها مع سفارتها في القدس
إيفانكا ترامب وهي تفتتح السفارة الأمريكية في القدس/ رويترز

إخفاقات دبلوماسية وانتكاسات سياسية

لا تخفي اسرائيل أنها تلقي بثقلها الدبلوماسي لدى عدد من الدول الأجنبية "الصديقة" لها حول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة، ومنها بريطانيا التي أعلنت رئيسة حكومتها السابقة ليز تراس إبان ولايتها القصيرة عن تفكيرها بهذه الخطوة في محاكاة لخطوة ترامب، لكن الأوساط الدبلوماسية الاسرائيلية حذرت في حينه من الفرح السابق لأوانه، لأن فرص نقل لندن لسفارتها إلى القدس ضئيلة للغاية، فلديها مصالح كبيرة في العالم العربي والإسلامي، ومثل هذه الخطوة قد تضر بها بشكل خطير، مما شكّل مصدر إحباط اسرائيلي.

كما أن استراليا التي تحوز على علاقات دبلوماسية وثيقة مع اسرائيل، وجهت لها صفعة لم تستفق منها بعد تمثلت بقرارها المفاجئ بإلغاء اعترافها بالقدس المحتلة عاصمة لها، مما شكل انتكاسة سياسية ودبلوماسية مع من اعتبرتها الى عهد قريب أكثر الدول صداقة لها في جنوب شرق آسيا، ووضع علامات استفهام حول عدم تنبؤ المحافل السياسية الإسرائيلية لمثل هذا القرار قبل وقت كافي، رغم وجود سيل كبير من التساؤلات والشكوك حول هذا التغير الانقلابي في السياسة الأسترالية تجاه إسرائيل، بعد سنوات من صداقتهما تحت قيادة رئيس الوزراء السابق سكوت موريسون.

ولم يتردد الإسرائيليون بوصف الخطوة الأسترالية بأنها "خيانة كاملة، وطعنة بالسكين في قلب الدولة اليهودية"، وتشكل إضرارا بشدة بالثقة بين ما كانا يعتبران حليفين تقليديين، بعد قرار الحكومة السابقة الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل.

ورغم ما بين اسرائيل والتشيك من علاقات وثيقة، لكن الأوساط السياسية والدبلوماسية في تل أبيب شعرت بحالة من الإحباط عقب عدم نقلها لسفارتها للقدس المحتلة، بسبب صعوبات بتنفيذ هذه الخطوة تتعلق بقلّة الدعم في الائتلاف الحكومي، والضغط الذي تواجهه من دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد عليها براغ كثيرا في السياسات ضد روسيا وأزمة الطاقة وقضايا أخرى، فضلا عن تعارض هذه الخطوة التي فشلت مع الرأي العام الأوروبي.

أما ألمانيا، أكثر الدول الأوروبية دفاعا عن اسرائيل، فقد تسبب موضوع القدس بتوتّر في علاقاتهما، حين رفض دبلوماسيوها مؤخرا أخذ صور تذكارية فيما تبدو خلفهم أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، باعتبارها أرضا محتلة، مما أثار غضب وزارة الخارجية الاسرائيلية، التي كشفت أن الآونة الأخيرة شهدت وقوع عدة حوادث محرجة تبين من خلالها أن هناك توصية ألمانية، بعدم إدراج المواقع الفلسطينية المحتلة في الصور الرسمية للعاملين في السلك الدبلوماسي.

ونصحت السفارة الألمانية في تل أبيب الوفود الرسمية التي تزور القدس المحتلة باتباع موقف الحكومة الفيدرالية فيما يتعلق بوضع شرقي القدس المستند للقانون الدولي، مما كشف عن قلق اسرائيلي حقيقي من عدم اعتراف دول العالم، بما فيها القريبة منها بالأمر الواقع الذي تسعى لفرضه في القدس المحتلة، الأمر الذي من شأنه إعاقة جهودها بإقناعها بنقل سفارتهم من تل أبيب الى القدس المحتلة، مما يشكل مصدر خيبة أمل كبيرة.

الغريب أن اسرائيل، وبعد أن فشلت في تحشيد دول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة، لجأت الى أسلوب "رخيص" غير معهود في العلاقات الدولية ويتمثل في تقديم "رشاوى مالية" لهذه الدول، مما يكشف عن هبوط مدوّي في سلوكها السياسي والدبلوماسي، عقب الإخفاق القانوني والسياسي في هذه المطالبات، رغم علمها الأكيد ان رفض دول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة ليس لأسباب مالية، بل لدوافع قانونية وسياسية، وبالتالي فلا تبدو هذه الدول مستعدة لمواجهة المجتمع الدولي مقابل عدة آلاف من الدولارات لتكاليف إدارية ولوجستية.

استهداف القدس في صلب تحالف اليمينين الاسرائيلي والأوروبي

على عكس المواقف الأوروبية الرسمية الرافضة لأي تغيير اسرائيلي في وضع القدس المحتلة، وعدم الاستجابة لأي دعوة لنقل سفاراتها اليها، لكن الموقف الشاذ الذي اتخذته المجر جاء لافتا، في ظل العلاقات الوثيقة بين رئيس حكومتها فيكتور أوربان ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب تردد معلومات مؤخرا حول إمكانية نقل سفارتها للقدس المحتلة، رغم أن الأوساط المجرية نفت هذا الاحتمال، دون استبعاده، مع استمرار المحادثات بشأن الخطوة.

تدرك إسرائيل جيدا أن نقل السفارة المجرية الى القدس المحتلة، إن نُفِّذت، فستكون خطوة دراماتيكية، وستثير غضبًا كبيرًا في الاتحاد الأوروبي، مما زاد من إحباط تل أبيب التي قدرت أنه إذا تم التوصل لمثل هذا الاتفاق، فقد يتم نقل السفارة على مدى فترة زمنية طويلة، لأننا سنكون أمام أول دولة في الاتحاد الأوروبي تفعل ذلك، في خطوة ستسبب قدرًا كبيرًا من الغضب في بروكسل والدول الأوروبية الأخرى التي أعلنت عدم الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

نتنياهو
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقاء مشترك في القدس المحتلة 2018/ رويترز.

مع العلم أن أوربان ونتنياهو لا يتوقفان أبدًا عن إغراق بعضهما بالمجاملات، وفي كل فرصة تساهم العلاقة الشخصية بزيادة علاقاتهما، وآخرها زيارة الأخير الى المجر في ظل المقاطعة الدولية له، ومزاعمه بأنها تقود توجهاً أوروبياً لتغيير الموقف من القدس المحتلة.

في الوقت ذاته، بدا واضحا منذ استلام الحكومة اليمينية الحالية في اسرائيل أن لديها توجهاً بعقد الفعاليات الدولية في القدس المحتلة، بزعم تجسيد ادعاءاتها فيها، وآخرها المؤتمر السنوي لأعضاء تحالف الأحزاب اليمينية ECR الذي يمثل المحافظين الأوروبيين في البرلمان الأوروبي، حيث يشغل حزب الليكود اليميني عضوية فيه.

وخلافا لموقف الاتحاد الأوروبي الرسمي الذي يقضي بأن القدس عاصمة للدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، ولا ينبغي عقد مؤتمرات رسمية فيها، فقد قرر أعضاء التحالف اليميني القدوم إليها، والاعتراف بها عاصمة للاحتلال بحكم الأمر الواقع، رغم أن أي دولة أوروبية لم تنقل حتى الآن سفارتها للمدينة المقدسة.

يدور الحديث عن تحالف يميني تترأسه رئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني، ويضم 66 عضوا من 14 حزبا حول العالم، ونجح أعضاؤه بدعم عدد غير قليل من القرارات لصالح إسرائيل في البرلمان الأوروبي، وتظهر البيانات أنهم صوّتوا في أغلب الأحيان لصالحها، وقد أرسل نتنياهو طلبًا لنظيرته في روما للنظر في نقل سفارتها للقدس المحتلة، دون تلقي رد إيجابي.

عديدة هي المصالح السياسية التي تربط اسرائيل مع اليمين العالمي بشكل عام، وهي تسعى لاستغلال قواسمهما المشتركة في تعزيز مطالبها بنقل سفارات الحكومات اليمينية للقدس المحتلة، وهو ما حصل مثلا مع هندوراس في أمريكا الوسطى، حيث استغلت وصول رئيسها السابق خوان أورلاندو هيرنانديز، ذو التوجهات اليمينية، وذو التاريخ الطويل في تأييد اسرائيل، لإقناعه بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو ما حصل فعلا، وقابلت إسرائيل هذه الخطوة بإعادة فتح سفارتها في تيغوسيغالبا العاصمة بعد إغلاقها عام 1995 بسبب التخفيضات المالية في وزارة الخارجية.

استغلال حاجات الدول الفقيرة، وابتزازها غير الأخلاقي

وفي الوقت الذي يتعارض فيه انعقاد هذا المؤتمر اليميني الاوروبي مع الموقف الرسمي للاتحاد الاوروبي الذي أدان ضم اسرائيل لمدينة القدس المحتلة، وإعلانها عاصمة لـ"إسرائيل الموحدة"، فقد كشف النقاب عن صدور تقرير سرّي كتبه 21 سفيرا ودبلوماسيا أوروبيا يعملون في الأراضي الفلسطينية، يعلنون فيه معارضتهم المطلقة للخطة الإسرائيلية لتغيير مكانة القدس المحتلة.

يظهر التركيز الاسرائيلي في الخطة الحالية موجه بالأساس الى الدول الفقيرة، لاسيما الأفريقية منها، ذات الإمكانيات المالية المتواضعة، لكنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع اسرائيل، وتبذل معها منذ سنوات جهودا لتحشيدها بجانبها عند التصويت في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، مقابل ما تقدمه لها من مساعدات في العديد من القضايا، بما فيها الزراعة والسياحة ومواجهة الجفاف، والعمل على اختراق القارة من خلال مشاريعها الاقتصادية، والتنسيق الأمني مع دولها، وإمدادها بالأسلحة والوسائل القتالية.

مع العلم أن الحكومة الاسرائيلية الحالية تضع نصب عينيها هدفا مُفضّلا في بحثها عن تطوير علاقاتها مع العديد من دول العالم، لاسيما النائية، وذات الموارد المحدودة، يتمثل بتعزيز مكاتبها التمثيلية في القدس المحتلة، وصولا لإقامة السفارات الكاملة، من باب تثبيت الأمر الواقع، وترسيخ القرار الظالم الذي اتخذه ترامب في 2018، وحثّ الدول التي تدور في الفلك الأمريكي لاتباع النهج ذاته، حيث تستغل إسرائيل حاجتها المادية والاقتصادية لابتزازها في نقل سفاراتها للمدينة.

رغم الهالة الدعائية التي أحاطت بالخطة الإسرائيلية لتحفيز نقل السفارات الأجنبية للقدس المحتلة، لكن التقديرات الاسرائيلية لا ترى فيها نجاحا سياسيا أو دبلوماسيا، على العكس من ذلك، بل تشير الى حجم الأزمة الدولية التي تعيشها اسرائيل، عقب تصاعد الانتقادات العالمية لجرائم الحرب التي ترتكبها في غزة، وفي الوقت ذاته صدور العديد من قرارات مقاطعتها، وبدء إجراءات عزلها، وتجميد العديد من الاتفاقيات التي تربطها مع عشرات الدول حول العالم.

لا تخفي محافل وزارة الخارجية الاسرائيلية أن هذه الخطة إنما أتت عقب فتور العديد من أصدقاء اسرائيل من التفاعل مع خطوة ترامب السابقة بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، مما يعني إخفاقا اسرائيليا لا تخطئه العين في ترجمة هذه الخطوة على أرض الواقع بانضمام المزيد من الدول اليها، بل إن ما تواجهه اسرائيل اليوم من نبذٍ لها، وإقصاءٍ من العديد من المحافل الدولية، يجعل أحاديثها عن تشجيع الدول لنقل سفارتها الى القدس المحتلة تعبير عن انفصال تام عن الواقع، وإنكار للحقائق السياسية الماثلة.

تحميل المزيد