أوقفت وزارة العمل في الأردن، الإعفاء الخاص للسوريين من إصدار تصريح عمل، المعمول به منذ عام 2016، في خطوة رآها عاملون سوريون تحدثوا لـ"عربي بوست"، أنها "تهدف لتقليص عددهم"، وتخدم العودة الطوعية التدريجية إلى سوريا.
القرار صدر في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بعد سقوط النظام السوري السابق لبشار الأسد، وإعلان المعارضة تحرر سوريا منه، وتسلّم حكومة انتقالية جديدة إدارة البلاد.
إلغاء إعفاء السوريين من تصريح العمل، يزيد من الرسوم التي يدفعها العامل السوري في الأردن من 10 دنانير إلى 420 ديناراً، بزيادة نحو 4100%، وبغرامة 800 دينار مخالفة لمن لا يقوم بدفع الرسوم.
بالتالي، فإن القرار يلزم العامل السوري بإصدار تصريح عمل وفقاً لنظام رسوم تصاريح العمل أسوة بباقي العمالة غير الأردنية، إذ كان العامل السوري منذ عام 2016 لديه امتياز بإعفاء في قيمة تصريح العمل، كأحد مخرجات مؤتمر مانحي سوريا في ذلك العام.
وزارة العمل تعلّق
تحدث "عربي بوست" مع المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل محمد الزيود، وأكد أنّ العامل السوري من عام 2016 حتى تاريخ 30 يونيو/حزيران 2024 كان معفياً من رسوم تصاريح العمل، بالتالي فإن القرار الحديث سيطبق على من انتهى تصريحه في ذلك الشهر.
لكنه أشار إلى أنّ وزارة العمل أعفت العمالة السورية من الرسوم والغرامات والمبالغ المتراكمة عليها قبل تاريخ 30 يونيو/حزيران 2024، على أن تبدأ الحسبة المالية عليهم اعتباراً من يوليو/تموز 2024.
واشترط قرار مجلس الوزراء للاستفادة من الإعفاءات وعدم دفع الأثر الرجعي لرسوم تصاريح العمل السابقة على العامل السوري، "توفيق أوضاعه وفقاً لأحكام قانون العمل قبل تاريخ 1 يونيو/حزيران 2024".
وأكد أنه إذا تم ضبط أي عامل سوري لا يحمل تصريح عمل ساري المفعول أو لا يعمل بالمهنة المصرح له بها، أو قام بتغيير صاحب العمل، فإنه يتم مخالفة صاحب العمل بغرامة لا تقل عن 800 دينار، عن كل عامل يتم ضبطه يعمل لديه بشكل مخالف.
وأشار إلى أن وزارة العمل لا تقوم بتسفير المخالفين من العاملين السوريين، مع وإنه إذا ضُبط أي عامل سوري يعمل مخالفاً في سوق العمل، فإنه لا يجري ترحيله.
وأكد الزيود المتحدث باسم وزارة العمل، أنّ قيمة تصريح العمل لأي عامل غير أردني في المهن المسموح لهم العمل بها في الأردن، تبلغ 420 ديناراً سنوياً، والعمالة السورية لديها إعفاء من رسوم تصاريح العمل من 2016 حتى منتصف 2024، يدفع بموجبه العامل السوري قيمة 10 دنانير فقط.
وقال إن الإعفاء السابق في رسوم تصاريح العمل، جاء استجابة من الأردن لمخرجات مؤتمر مانحي سوريا في لندن 2016.
![العمالة السورية في الأردن بين من يريد العودة ومن يريد البقاء/ رويترز](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2025/02/708e0466-0f19-425a-9aa9-3c88de1b4dfa_w1023_r1_s.jpg)
العمالة السورية في الأردن
يبلغ عدد السوريين في الأردن 1.3 مليون سوري، منهم 629 ألفاً مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
بهذا الصدد، أكدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنّ العدد التراكمي لتصاريح العمل الصادرة للاجئين السوريين منذ 2016 وحتى تاريخه، بلغ 458.135 ألف تصريح.
وحاول "عربي بوست" التواصل مع المفوضية لأخذ تعليق منها على القرار الأردني الجديد المتعلق بالعمالة السورية، لكنه لم يتلق رداً منها.
أما المتحدث باسم وزارة العمل في الأردن، أفاد بأنّه حتى تاريخ 7 يناير/كانون الثاني 2024، بلغ عدد تصاريح العمل سارية المفعول للعمالة غير الأردنية من الجنسية السورية حوالي 12.865 تصريح عمل ساري المفعول.
ردود فعل السوريين في الأردن بعد القرار
رصد "عربي بوست" بعض ردود أفعال السوريين العاملين في الأردن، على القرار الذي وصفوه بـ"المفاجئ".
أبو إبراهيم قجعة من مدينة حمص، بدأ العمل في الأردن عام 2013، بائعاً في محل للملابس لمدة 3 سنوات، إلى عامل في ملحمة لبيع اللحوم، ومن ثمّ عمل بائعاً في سوبرماركت للمواد التموينية.
انتهى الأمر به مؤخراً، عاملاً في محطة للمحروقات، براتب لا يتجاوز 270 دينار شهرياً، مشيراً إلى أن الرسوم الزهيدة التي كان يدفعها لوزارة العمل في الأردن، كانت بتسهيلات تأخذ بعين الاعتبار وضع العاملين السوريين المجبرين على الهجرة، وكانت مفوضية اللاجئين تقوم بتغطية أي رسوم أو نفقات خاصة برخصة العمل.
لكنه يشير في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "الوضع سيختلف الآن، بعد القرار الأخير، إذ سيتحمل العامل السوري أي مبالغ مترتبة على عمله في الأردن، رغم الرواتب الزهيدة التي يحصل عليها".
وقال: "الأمر اختلف تماماً، ولم يعد كسابق كعهده، إلا أنّه يؤكدّ أنّه يفضل أن يبقى في الأردن وعدم العودة إلى سوريا، بسبب أنّ الوضع الاقتصادي فيها لم يستقر حتى اللحظة، والتي تحتاج إلى إعمار أولاً.
وأكد أنه رغم سوء أوضاع العمالة السورية في الأردن في المرحلة القادمة، إلا أنّها تبقى أفضل حالاً من سوريا الحالية، لذلك يدعو إلى عدم الضغط على العاملين السوريين لمغادرة المملكة.
عامل آخر هو باسل حمّاد من مدينة دمشق، يعمل في مهنة خياطة وتطريز الملابس النسائية، جاء إلى الأردن عام 2013، واضطر إلى البقاء فيها، وقال لـ"عربي بوست": "وجدت طعم الاستقرار والأمان في الأردن، وأنا أعيش هنا منذ 12 عاماً، وتزوجت هنا، ولدي طفلة ولدت وتعيش هنا".
عن القرار الجديد، قال حمّاد إنّه تفاجأ به، واضطر إلى دفع غرامة قدرها 800 دينار حتى يتنسى له تصويب وضعه، واستخراج تصريح عمل.
وقال: "كنت أدفع مبلغاً زهيداً لا يتجاوز 12 ديناراً، لكنّ الوضع الآن بات أصعب على العمالة السورية، بحكم أنّهم سيضطرون إلى دفع رسوم سنوية قدرها 420 ديناراً، في ظل الواقع المعيشي والاقتصادي في الأردن".
على الرغم من القرار بإنهاء إعفاء العمال السوريين من رسوم تصاريح العمل، إلا أن حماد يصرّ على البقاء في الأردن، وعدم العودة إلى سوريا، بسبب "شح الفرص" في مجاله في بلده، خصوصاً أنّه يعمل في مهنة تطريز وخياطة الملابس النسائية باهضة التكاليف.
لكن في المقابل، تحدث عمال سوريون لـ"عربي بوست"، عن تفضيلها العودة إلى سوريا بعد القرار الجديد.
وقال عدد منهم فضلوا عدم ذكر هوياتهم، إنهم ينوون العودة إلى سوريا بعد انتهاء العام الدراسي، وذلك لارتباط أبنائهم بالتعليم في المدارس.
وأوضحوا أنهم باتوا ينتظرون نهاية الفصل الدراسي الثاني، لأجل لملمة أوضاعهم والعودة إلى سوريا في أسرع وقت، وذلك لعدم قدرتهم على العمل إلا عبر استخراج تصريح عمل.
![منذ سقوط النظام السوري عادت العلاقات بين الأردن وسوريا/ رويترز](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2025/02/screenshot-2025-02-08-at-17-35-07.png)
"أبو مازن" 55 عاماً، من إحدى قرى ريف دمشق، ويعمل في مهنة السباكة وتمديد الأدوات الصحية في مدينة إربد شمال الأردن، قال إنّه يعتبر الأردن وطنه وملاذه الأول والأخير.
لكن في ظل القرار الأخير، فإنّه لن يكون قادراً على الاستمرار في البقاء بالأردن لأنّه يشكل عبئاً عليه، وعلى أسرته المكونة من 5 أفراد، مشيراً إلى أنّه فور نهاية العام الدراسي، فإنّه سينهي جميع أعماله وارتباطاته في الأردن، ليعود إلى موطنه سوريا أواخر العام الحالي.
رئيس مركز بيت العمال في الأردن، المحامي حمادة أبو نجمة، لـ"عربي بوست"، لم ير في قرار الحكومة المتعلق بالعمال السوريين ما يستدعي اعتراضه.
وقال إن قرار الحكومة بفرض رسوم على تصاريح العمل للعمال السوريين ومساواتهم بالعمالة الوافدة الأخرى يأتي في سياق التغيرات الاقتصادية التي يواجهها الأردن، إلى جانب تنظيم سوق العمل، وفق تقديره.
وأشار إلى أنه في السنوات الماضية، استفاد العمال السوريون من إعفاءات وتسهيلات لتشجيع دخولهم سوق العمل، خاصة في القطاعات التي تعتمد على العمالة الوافدة مثل الزراعة والإنشاءات والخدمات، ومن المؤكد أن تراجع الدعم الدولي المقدم للأردن لدعم اللاجئين يمثل أحد العوامل التي دفعت الحكومة إلى إعادة النظر في هذه السياسة.
وعند سؤاله بشأن الحديث عن أن ظروف العودة إلى سوريا لا تزال غير واضحة بالنسبة للعديد من اللاجئين، رغم كل الحديث عن تحسن في الأوضاع هناك بعد سقوط نظام الأسد، قال أبو نجمة إن "من الضروري تحقيق توازن بين المتطلبات الاقتصادية للدولة والاعتبارات المرتبطة بحماية العمالة السورية داخل الأردن".
ولفت حمادة أبو نجمة وهو أمين عام وزارة العمل الأسبق، إلى أن عودة اللاجئين السوريين من الأردن يتوقع أن تكون تدريجية، وليست كبيرة دفعة واحدة، وذلك لأسباب عدة تتعلق بالظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا، وكذلك بالمخاوف القانونية والإنسانية التي تواجه اللاجئين.
وأكد أن العديد من اللاجئين يعبرون عن مخاوف من العودة إلى بيئة غير مستقرة، حيث لا تزال بعض المناطق في سوريا تعاني من نقص الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية، إضافة إلى قلقهم من الأوضاع الأمنية.
وشدد على أن هذه العوامل تجعل العودة الجماعية الواسعة غير مرجحة في الوقت الحالي.
كما أن هناك عوامل اقتصادية واجتماعية بحسب تأكيدات أبو نجمة، تدفع اللاجئين إلى البقاء في الأردن، حيث استطاع الكثير منهم بناء حياتهم في المجتمعات المستضيفة، ووجدوا فرص عمل جيدة، خاصة في قطاعات تعتمد بشكل كبير على العمالة السورية، مثل الزراعة والبناء.
وأضاف أنه بالنسبة للكثيرين، فإن العودة إلى سوريا تعني فقدان هذا الاستقرار النسبي، ما يحد من رغبتهم في العودة.
لكنه قال في المقابل: "تدفع بعض العوامل المحدودة إلى عودة تدريجية لبعض اللاجئين، مثل تحسن الظروف في مناطق معينة داخل سوريا، أو زيادة التكاليف المعيشية في الأردن، مع تناقص المساعدات الإنسانية".
وتوقع أن تكون العودة على الأرجح، مقتصرة على الأفراد أو العائلات الذين يشعرون بالقدرة على إعادة بناء حياتهم في سوريا.
يشار إلى أنه بحسب تلفزيون "المملكة" الأردني الرسمي، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، فإن نحو 12 ألفاً و800 سوري عادوا إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بينهم 1309 مصنفين لاجئين.
يشار إلى أن الأردن يستضيف نحو 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم يحملون صفة "لاجئ"، بينما دخل الباقون قبل بدء الثورة عام 2011، بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.