ثالث قرار حكومي بوقف استيراد “التوك توك” في مصر.. مصادر: يخدم شركات محلية وجهات تسعى لاستبداله

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/13 الساعة 06:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/13 الساعة 06:39 بتوقيت غرينتش
عربة توكتوك في شوارع العاصمة المصرية القاهرة/ رويترز

أثار القرار الذي أصدرته وزارة المالية المصرية، ممثلة في مصلحة الجمارك، حظر دخول التوك توك إلى البلاد للأغراض التجارية وحصره فقط على الاستخدام الشخصي، جدلاً واسعاً؛ إذ إن القرار يعد الثالث الذي تتخذه الحكومة المصرية في غضون عشر سنوات تقريباً، منذ أن أصدرت وزارة التجارة والصناعة قراراً بوقف الاستيراد للسيارات ذات الثلاث عجلات "التوك توك" والدراجات النارية. وتبع ذلك قرار آخر قبل ثلاث سنوات، دون أن ينعكس ذلك على تقييد حركة تلك المركبات في الشارع المصري.

وبحسب بيان صادر عن مصلحة الجمارك قبل أيام، فإن الإدارة العامة للسياسات والنظم الجمركية بمصلحة الجمارك المصرية أوقفت استيراد التوك توك والسيارات ذات الثلاث عجلات والدراجات النارية "الموتوسيكل" المستوردة بغرض الاتجار، في حين سيكون من المسموح الاستعمال الشخصي، وفق القواعد الاستيرادية المنظمة والخاضعة لقانون الاستيراد والتصدير.

قرارات حكومية مرتبكة

وكشف مصدر مطلع بوزارة التنمية المحلية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، أن الحكومة المصرية ليست جادة في تقييد حركة التوك توك، إذ إن لديها نوايا بشأن استبداله بمركبات "ميني فان" التي قامت وزارة الإنتاج الحربي باستيرادها.

وأوضح أن القرار الأخير يخدم مصانع بعينها تقوم بعملية تجميع محتويات التوك توك في الداخل وتقوم بتصنيعها داخل 14 مصنعاً يمكن وصفها بأنها "مصانع بير سلم"، أي لا تحصل على التراخيص المطلوبة لعملها، إلى جانب شركة غبور، وهي التي تستحوذ على الجزء الأكبر من تصنيع التوك توك في مصر.

وأضاف المصدر ذاته أن الحكومات المصرية المتعاقبة هي السبب في حالة الفوضى التي يسببها التوك توك في الشوارع الرئيسية والجانبية والحارات الصغيرة، لأن وزارة الصناعة والتجارة كانت أول من سمح باستيراده عام 2004، وكان من المفترض أن يجري ذلك بالتنسيق مع وزارة الداخلية، باعتبارها المسؤولة عن معايير الأمان الخاصة بالمركبات. لكن كانت هناك مصالح شخصية قادت إلى فتح باب استيراده، وهو ما كان سبباً لتزايد أعداده بصورة سريعة لتصل إلى أكثر من 5 ملايين توك توك، في حين تبلغ أعداد باقي المركبات 11 مليون مركبة متنوعة.

أوبر باص
CAIRO, EGYPT – DECEMBER 21, 2017: Tuk-tuks ride along the butchers stores of Al Khayama street bazaar, on December 21 in Cairo.

وأشار إلى أن القرار الأول الذي صدر بحظر استيراد التوك توك في عام 2014 ترتب عليه تدشين مصانع صغيرة في عدد من المناطق الشعبية، بينها إمبابة والوراق في محافظتي القاهرة والجيزة، عملت على تجميع أجزائه، إذ جرى السماح باستيراد الشاسيهات الخاصة به، وكان هناك تضييق على دخول قطع الغيار. وتغلبت المصانع على ذلك بإدخالها إلى مصر على أنها قطع غيار للسيارات.

ترتب على ذلك ارتفاع أسعار التوك توك؛ فبعد أن كان لا يتجاوز سعره 10 آلاف جنيه، ارتفع إلى أكثر من 200 ألف جنيه حالياً، ومن المتوقع أن يصل إلى 250 ألف جنيه خلال العام الحالي.

يقول المصدر: "الحكومة بعد أن اتخذت أولى قراراتها بمنع استيراد التوك توك تراجعت عنه في عام 2018، حينما وجدت تصنيعه يجري على قدم وساق في الداخل، ويتم بيعه بأسعار مرتفعة مقارنة بما لو تم استيراده وبيعه داخل مصر. وكان عليها أن تضمن أولاً عدم تصنيعه في الداخل إذا كانت تهدف بالفعل إلى تقييد تواجده، لكنها تترك ثغرات يستفيد منها أصحاب المصانع المحلية. كما أن اتخاذ قرار بترخيصه يتنافى مع اتجاهها لوقف الاستيراد".

وفي عام 2021، أصدرت الحكومة قراراً آخر بحظر استيراد "المكونات الأساسية" له لمنع تجميعه في الداخل. ورغم ذلك، لا يزال "التوك توك" في تزايد، ويُعرض للبيع والشراء عبر الأسواق الإلكترونية بموديلات عامي 2018 و2022، وبأسعار تتراوح بين 90 إلى 130 ألف جنيه للمستعمل على موقع "دوبيزل".

تهريب قطع الغيار من الخارج

بحسب دراسة نشرها مركز "رع للدراسات الإستراتيجية" في مصر قبل أربع سنوات، فإنه لا توجد في مصر صناعة متكاملة لمركبات "التوك توك"، بل تقوم هذه الصناعة على استيراد مكوناته الأساسية من الخارج وتجميعها في الداخل، إضافة إلى الصناعات المغذية. ويتصدر مشهد صناعتها أربعة مصانع على رأسها شركة "جي بي غبور أوتو"، التي تعتبر أولى الشركات التي قامت بتوريد مركبات "التوك توك" إلى السوق المصري عام 1999.

تشير الدراسة ذاتها إلى أن المصانع التي لها خطوط إنتاج مغذية يبلغ عددها 15 مصنعاً. وبحسب تصريحات لغرفة الصناعات الهندسية، فإن مكونات مركبات "التوك توك" يتم إنتاجها محلياً وتصل إلى 65%، أما المكونات المستوردة فتشكل 35%، مثل المحرك والشاسيه.

وقال مصدر مطلع بوزارة التجارة والصناعة، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، إن العديد من شركات تجميع السيارات والدراجات البخارية في مصر تعمل على تجميع مركبات "التوك توك"، وبالتالي فإن قرار وقف الاستيراد يخدم تشجيع الصناعة المحلية بالأساس. ولفت إلى أن المشكلة تكمن في تهريب قطع الغيار من الخارج على أنها تتبع الدراجات البخارية والسيارات، وهو ما تحظره قوانين الاستيراد المصرية.

وأشار إلى أنه يمكن الاستعانة بمركبات التوك توك التي تحولت إلى خردة وتتواجد في مخازن تابعة للمجتمعات العمرانية، التابعة لوزارة الإسكان في المحافظات المختلفة، والتي تم مصادرتها لأسباب مختلفة أو تعرضت للتلف.

وشدد المصدر ذاته على أن التوجهات الحكومية ليست ضد انتشار التوك توك كما يروج البعض، لكنها تسير في صالح ترخيص سيره والحصول على المزيد من الأموال، بما أنه لا سبيل لمنع انتشاره في ظل وجود أكثر من 4000 قرية لا يوجد بها طرق ممهدة، إلى جانب مئات المراكز وآلاف المناطق العشوائية التي يصعب فيها دخول السيارات أو المركبات الأخرى. وقد باءت محاولات منع سيره في مناطق عديدة بالفشل لأن هناك حاجة اجتماعية ملحة لتواجده في هذه المناطق لخدمة المواطنين.

أما بالنسبة لسيارات "الميني فان"، التي تقوم مصانع الإنتاج الحربي بتصنيعها، فأوضح المصدر أنها لا يمكن أن تحل محل التوك توك لأن ذلك يعني القضاء على أكثر من خمسة ملايين مركبة، وليس هناك خطة واضحة بشأن التعامل مع هذه المركبات أو استبدالها.

توكتوك في شوارع القاهرة

وأوضح أن الجانب السلبي في القرارات الأخيرة يتمثل في ارتفاع سعر التوك توك بصورة كبيرة، لأن الطلب على شرائه يتزايد بالرغم من ضخامة عدد المركبات في الشوارع المصرية. وبالتالي، فإن الأمر سوف ينعكس مباشرة على المواطن البسيط الذي سيفاجأ بأن أقل تنقل له بالتوك توك سيكون بـ20 جنيهاً، بعدما كان قبل سنوات قليلة بثلاثة جنيهات فقط.

وكشف المصدر ذاته عن أن مصر تعاني من احتكار تجميع التوك توك رغم أن ذلك "محظور قانوناً". وأشار إلى أن الفترة الماضية شهدت نقاشات حول إمكانية فتح المجال أمام تنمية استثمارات تصنيع التوك توك بشكل كامل محلياً وتصديره إلى الخارج، لكن ليس هناك تشجيع من جانب رجال الأعمال حتى الآن. وأوضح أن تصنيعه محلياً بشكل كامل يخضع لعوامل اجتماعية، إذ ترى جهات عليا بالدولة أن ارتفاع أسعار المواصلات العامة بشكل كبير يجب أن يعوضه انتشار التوك توك، الذي يسهل تنقل المواطنين بأسعار أقل، للتخفيف عنهم وتجنب المزيد من غضبهم.

تغول الفساد في الإدارات المحلية

لا توجد إحصائية رسمية بعدد مركبات "التوك توك" في مصر، بينما يقدرها المتحدث باسم مجلس الوزراء، السفير نادر سعد، حتى منتصف عام 2021 بـ2.5 مليون مركبة. وأوضح الجهاز المركزي للإحصاء أن 192 ألفاً و675 "توك توك" فقط مرخصة على مستوى الجمهورية حتى عام 2023، ما نسبته 6.8% من مجمل وسائل المواصلات الأخرى المرخصة.

فيما أكد صبري عبده، مستشار الرابطة العامة لمالكي التوك توك، أن عددها بلغ الآن 5 ملايين و400 ألف توك توك في مصر، بحسب تصريحات له في عام 2021، مؤكداً أنهم كانوا 3 ملايين توك توك في عام 2018.

وبحسب دراسة لمرصد العمران، فإن هذا العدد يمثل بالنسبة إلى الحكومة فرصة مهدرة كمورد ضريبي خارج المنظومة الرسمية، بالإضافة إلى كونه خارج سلطتها الرقابية أو قدرتها على ضبطه في حالة وقوع حادث أو جريمة، حيث إن النسبة الأكبر منه مجهلة، بدون لوحة أرقام أو أوراق ثبوتية يمكن الوصول من خلالها إلى مرتكب الحادثة.

ولهذه الأسباب، قامت الحكومة بإصدار عدة قرارات، منها ما كان بغرض منع استيراده لتقليص المعروض منه في السوق، أو إحلاله واستبداله بسيارات "ميني فان"، أو تصنيع سيارات مشابهة له من حيث الحجم من جهة أخرى.

وقال خبير بوزارة التنمية المحلية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن ملف التوك توك في مصر يعاني من تغول الفساد في الإدارات المحلية، وإن أحاديث الحكومة عن محاولة استبداله أو تقنين أوضاعه لن تجد سبيلاً للتطبيق على أرض الواقع. وأضاف أن ما يحدث فعلياً يشير إلى قيام الأحياء بسحب المركبات لأسباب تتعلق بعدم ترخيصها، في حين أن غالبية الأحياء لم تطالب سائقي التوك توك بترخيص مركباتهم، وهو ما ترتب عليه وجود أكثر من 250 ألف مركبة في مخازن شاسعة بمناطق مختلفة، أبرزها في محافظة الجيزة، التي يتواجد بها مخزن يحوي أكثر من 50 ألف توك توك تم سحبها دون ردها مرة أخرى لعدم قدرة أصحابها على دفع الغرامات الخاصة بها.

وشدد المصدر ذاته على أن وزارة الداخلية يجب أن تتعامل بجدية أكبر لضبط منظومة التوك توك، مع التعديلات التي أُدخلت مؤخراً على قانون المرور، والذي نص على ترخيص هذه المركبات. ولكن ما زالت الأحياء هي المسؤولة عن الترخيص، في حين أنها تعاني من عجز في أعداد الموظفين، ويُنخر في جسدها الفساد. وأشار إلى أنه يمكن لمن لديهم واسطة استرداد التوك توك المسحوب، أما غير ذلك، فسيتعين عليهم دفع مبلغ يصل إلى 20 ألف جنيه.

وذكر أن وزارة التنمية المحلية طالبت المحافظين بإجراء دراسات لاستبدال التوك توك بسيارات "الميني فان" التي تعمل بالغاز الطبيعي. غير أن النتائج أظهرت استحالة تطبيق ذلك لعدة أسباب، من بينها أن تلك السيارات يصعب عليها دخول الأزقة الضيقة للغاية في العديد من القرى والنجوع، كما أن سائقي التوك توك لن يقبلوا دفع مبالغ نظير الحصول على تلك السيارات، وإن كانت زهيدة، لعدة أسباب، من بينها أن الجزء الأكبر ممن يعملون عليها من الصغار أو ممن كانوا يعملون في حرف معينة وليس لديهم الاستعداد المادي لذلك. كما أن الحكومة ستكون مطالبة بتقديم تيسيرات لأكثر من 5 ملايين مركبة، وهو رقم ضخم للغاية سيكلف موازنة المحافظات أو الحكومة مبالغ طائلة.

تحميل المزيد