منذ اندلاع الحرب المدمرة على غزة في يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تهدأ الحدود الجنوبية اللبنانية جراء القصف المتبادل بين "حزب الله" من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، ما أعاد للواجهة مسألة تنفيذ القرار "1701".
يتصاعد التوتر على الجبهة الشمالية لإسرائيل التي تستمر بقصف البلدات الجنوبية اللبنانية، حيث تتوالى الأنباء عن ارتفاع أعداد الضحايا في لبنان، حيث بلغ عدد الضحايا نحو 640، بينهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى أكثر من 2500 جريح وحوالي 390 ألف نازح. وصف المراقبون هذا التصعيد بأنه الأكثر دموية منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990.
وفي ظل تواصل الهجمات الإسرائيلية الأعنف والأوسع" على لبنان منذ بدء المواجهات مع "حزب الله" قبل نحو عام، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، جميع الأطراف إلى العودة للالتزام بتطبيق القرار رقم 1701 بشكل كامل، والرجوع فوراً إلى وقف الأعمال القتالية لاستعادة الاستقرار.
كما شددت بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) على ضرورة إعادة الالتزام الكامل بتنفيذ القرار 1701، الذي "أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع وضمان الاستقرار الدائم" حسبما ورد في بيان صحفي للبعثة.
ما هو قرار 1701؟
في أغسطس/آب من عام 2006، تبنّى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 1701، الدّاعي إلى وقفٍ كامل للعمليات القتالية في لبنان، ووضع نهاية للحرب الثانية بين الاحتلال الإسرائيلي ولبنان التي استمرت 34 يوماً حينها.
دعا القرار في ذلك الوقت، عن ترحيبه بجهود رئيس وزراء لبنان حينها فؤاد السنيورة، و"التزام الحكومة بخطتها المؤلفة من 7 نقاط، لبسط السيطرة على الأراضي اللبنانية، من خلال القوات المسلحة، بحيث لا يكون هناك سلاح دون موافقة حكومة لبنان، ولا سلطة غير سلطة حكومة لبنان".
وأكد القرار رقم 1701 على نشر قوة معززة من الأمم المتحدة، سواء من حيث العدد أو المعدات، لتوسيع نطاق العمليات المطلوبة. كما شدد على انسحاب القوات الإسرائيلية الفوري من جنوب لبنان، وفقاً لما نصت عليه الخطة.
كما أشار القرار إلى ما ورد في الخطة المؤلفة من سبع نقاط، خصوصاً فيما يتعلق بمنطقة مزارع شبعا، وقرار الحكومة اللبنانية بالإجماع في 7 أغسطس 2007 بنشر قوة لبنانية مسلحة مكونة من 15,000 جندي في جنوب لبنان، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خلف "الخط الأزرق".
وجاء في القرار أيضاً أنه "يطلب دعم القوات الإضافية من الأمم المتحدة (يونيفيل) في لبنان حسب الضرورة، لتسهيل دخول القوات المسلحة اللبنانية إلى المنطقة، مع التأكيد على تعزيز قدراتها بالعتاد اللازم لتمكينها من أداء مهامها".
وتضمن القرار عدة بنود أخرى، من أبرزها:
- إيجاد منطقة بين "الخط الأزرق" ونهر الليطاني تكون خالية من أي مسلحين أو معدات حربية، باستثناء القوات المسلحة اللبنانية وقوات "يونيفيل".
- التطبيق الكامل لاتفاق الطائف، بالإضافة إلى القرارين 1559 و1680، بما في ذلك نزع سلاح الجماعات اللبنانية، وعدم وجود أي قوات أجنبية في لبنان إلا بموافقة الحكومة.
- منع بيع وتوفير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى لبنان، باستثناء ما توافق عليه الحكومة اللبنانية.
- تسليم إسرائيل خرائط حقول الألغام التي زرعتها في لبنان إلى الأمم المتحدة.
خروقات قرار 1701؟
في مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، صرّح وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، بأن إسرائيل ترسل للبنان عبر وسطاء أوروبيين دعوات لتطبيق القرار 1701″، رغم أنه منذ عام 2006، تم تسجيل أكثر من 30 ألف خرق للقرار، جواً وبحراً وبراً من قبل إسرائيل.
وفي هذا السياق، يوضح الخبير القانوني والدستوري بول مرقص، في حديثه مع الجزيرة نت، أن أحد أبرز البنود غير المطبقة في القرار 1701، هو عدم انتشار الجيش على كامل البقعة جنوب الليطاني بمؤازرة قوات اليونيفيل. ولكن "إسرائيل تخرق القرار بحراً وبراً وجواً باستهدافها القرى الجنوبية، كما أنها لم تنفذ بند انسحابها من مزارع شبعا اللبنانية".
ويضيف "القرار نفسه، أوجد منطقة بمثابة عازلة، وأن لا تنطلق منها العمليات العسكرية، ولكنها لم تطبق عمليا".
جدير بالذكر أن الطرفين الرئيسيين اللذين يقودان مساعي تطبيق القرار 1701 بالصيغة المطروحة هما الولايات المتحدة وفرنسا.
الولايات المتحدة: تتمثل مساعيها من خلال مستشار الرئيس الأميركي لأمن الطاقة، عاموس هوكستين، الذي خدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي كجندي مقاتل قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة ويعمل في الكونغرس مع سياسيين من الحزب الديمقراطي.
هوكستين، الذي زار بيروت الشهر الماضي، يُعد وسيط اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. يرى أن اندلاع الحرب في لبنان يشكل تهديداً مباشراً لهذه الاتفاقية ومستقبل مشاريع التنقيب عن الغاز وتطوير مصافي النفط في المنطقة.
فرنسا: الطرف الثاني في هذه المساعي، حيث تسعى باريس إلى إعادة تكريس دورها في لبنان، بعد فشل محاولاتها خلال العامين الماضيين، وذلك لحفظ أمن إسرائيل أيضاً.
ومؤخراً، بعث وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، يحثّه فيها على إدانة ما وصفه بـ"هجمات واسعة النطاق" شنّها حزب الله اللبناني على إسرائيل مؤخراً، داعياً بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
يعتبر خبير العلاقات الدولية رئيف خوري، أن طرح القرار 1701 بصيغة انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، مرده ضغوط داخل إسرائيل بعد تهجير أكثر من 90 ألف مستوطن شمال إسرائيل، ولن يعودوا إذا لم يضمنوا خلوه من ترسانة حزب الله العسكرية وعدم تسلل عناصره وعناصر الفصائل الفلسطينية من جنوب لبنان نحو الجليل.
ويعتبر الخوري أن تنفيذ القرار 1701، سيكون من مصلحة إسرائيل لجهة عودة المستوطنين وتفادي الخسائر الهائلة اقتصاديا، وزراعيا، وسكانيا، وسياحيا.
هل يمكن العودة للالتزام بتطبيق القرار رقم 1701؟
ويرى العديد من المحللين أن المساعي الفرنسية والأميركية لن تبصر النور، حيث أكد حزب الله، أن أي نقاش حول مستقبل الوضع على الحدود الجنوبية، يبدأ بعد وقف إطلاق النار، وهذا الوقف شرطه وقف الحرب على غزة.
وقد أوضح الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي، أن "باريس وواشنطن تسعيان للعمل وفق منطق استباقي، علما أن طرح الملف على حزب الله بظل حرب غزة، لن يجدي نفعا، ولأن هناك أراض لبنانية محتلة من إسرائيل، ولأن مصير النقطة b1 والنقاط الحدودية الـ13 لم تحسم بعد".
بالإضافة لذلك، تشير العديد من التقارير، أن عودة الحراك الدبلوماسي فجأة من العاصمة الأميركية بشأن الوضع في غزة ولبنان، لا يبدو في جوهره مختلفاً عن كل التحراكات السياسية التي شهدتها المنطقة في مراحل مختلفة من الحرب القائمة على غزة، منذ 7 تشرين الأول الماضي.
إذ يرى أغلب المحللين، أن الجانب الأميركي يسعى، بالتعاون مع أطراف غربية وعربية، إلى محاولة "فرض وقائع سياسية"، على قاعدة اعتبار ما حصل الأسبوع الماضي من قتل أكثر من 600 لبناني من بينهم أطفال ونساء، إنجازاً عسكرياً كبيراً لإسرائيل، وبالتالي يسعى هؤلاء إلى انتزاع أثمان سياسية من لبنان وحزب الله.