كان الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادثة تحطم مروحيته في 19 مايو/أيار، هو الرئيس الإيراني الوحيد منذ ثورة 1979 الذي لم يقع بينه وبين الحرس الثوري الإيراني، المؤسسة العسكرية الأقوى في البلاد، أي خلافات.
بينما جميع الرؤساء السابقين لإيران نشأت بينهم وبين الحرس الثوري خلافات تكاد تكون عميقة في بعض الأحيان، بينهم الرئيس المحافظ السابق والذي كان ينظر إليه على أنه ابن النظام المدلل، محمود أحمدي نجاد، ظهر على شاشة التلفزيون الحكومي واتهم قادة الحرس الثوري الإيراني باستغلال العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران منذ سنوات طويلة، وتحقيق مصالح اقتصادية أضرت بالاقتصاد الإيراني.
لكن الخلافات الواقعة حالياً بين الحرس الثوري والرئيس الإصلاحي الجديد لإيران مسعود پزشكيان بدأت في صورة صراع مبكر، بعد توليه منصبه بأيام قليلة. بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، في هذا التقرير، فإن الرد الإيراني على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في الشهر الماضي، والعلاقات مع روسيا، كانا ضمن أبرز الملفات التي تسببت في الخلافات التي ظهرت مبكرا بين مسعود پزشكيان وقادة الحرس الثوري.
پزشكيان وإقناع خامنئي بتغيير نوعية الرد الإيراني
بعد ساعات قليلة من اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في طهران بعد حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد في البرلمان، اجتمع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني – بحضور نادر للمرشد الأعلى علي خامنئي – لمناقشة نوعية الرد الإيراني المحتمل.
بحسب مصدر مقرب من رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان، فإن خامنئي طلب في هذا الاجتماع أن يكون الرد الإيراني على إسرائيل قوياً ومؤثراً، وأن يكون درساً لإسرائيل، على حد قوله.
وقال المصدر لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالحديث لوسائل الإعلام، "خامنئي كان منفعلاً ومصراً على أن يكون الرد الإيراني سريعاً وقوياً حتى لو وصل الأمر إلى حرب شاملة مع الصهاينة، وأيد كبار قادة الحرس الثوري رأي خامنئي في هذا الاجتماع".
ولكن مسعود پزشكيان الذي تولى منصب رئيس الجمهورية الإسلامية منذ ساعات قليلة حينها، كان له رأي آخر، بل ونجح في إقناع خامنئي به، لذلك لم يأت الرد الإيراني المنتظر حتى اللحظة.
في هذا الصدد، يقول المصدر المقرب من رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ"عربي بوست"، "في نفس الاجتماع أظهر پزشكيان معارضة لنوعية الرد الإيراني المتصور لدى قادة الحرس الثوري وخامنئي، وقال إن الرد من الممكن أن يكون مؤثراً ولكن بطريقة أخرى تضمن سلامة إيران وعدم انجرافها وراء الفخ الإسرائيلي والوقوع في شباك الحرب".
وفي نفس السياق، قال مسؤول حكومي مقرب من الرئيس الإيراني لـ"عربي بوست"، شريطة عدم ذكر اسمه، "پزشكيان كان يرى أن الرد الإيراني يجب أن يكون براغماتياً ويحقق مكاسب قوية لإيران في هذا التوقيت الحساس".
وبحسب المصادر الإيرانية المطلعة فإن پزشكيان عرض في الاجتماعات التالية لدراسة مسألة الرد الإيراني على إسرائيل، أنه من الممكن أن تقوم إيران باغتيال شخصية إسرائيلية كبيرة، داخل تل أبيب، دون الحاجة إلى قصف إسرائيل بطريقة مباشرة. يقول المسؤول الحكومي المقرب من مسعود پزشكيان لـ"عربي بوست"، "پزشكيان كان يرى أن هذه الطريقة في الرد على اغتيال هنية، من الممكن أن تحقق لإيران فرصة أمام الغرب وواشنطن لبدء المفاوضات النووية مرة أخرى، والتوصل إلى صفقة بشأن العقوبات المفروضة على إيران".
وبحسب المتحدث فإن قادة الحرس الثوري رفضوا مقترح الرئيس الإيراني الجديد، ورأوا أن هذا المقترح مهين بالنسبة لإيران، وسيجعل منها الحلقة الأضعف أمام حلفائها في محور المقاومة.
لكن پزشكيان نجح في إقناع خامنئي بمقترحه الذي لم يتحقق هو أيضاً حتى الآن. يقول مصدر مطلع من مكتب المرشد الأعلى الإيراني لـ"عربي بوست"، "وافق خامنئي على الاجتماع بشكل خاص مع پزشكيان، وهذا أمر نادر الحدوث في السنوات الأخيرة، وأقنع پزشكيان المرشد الأعلى بتعديل طريقة إيران في الرد على إسرائيل، وهذا ما آثار الغضب في نفوس كبار قادة الحرس الثوري".
وعلى ذكر قادة الحرس الثوري، يقول مصدر سياسي مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، "عندما نجح پزشكيان في تغيير رأي خامنئي – حتى الآن على الأقل – وخرج خامنئي ليتحدث عن التراجع التكتيكي، أدرك بعض كبار القادة في الحرس الثوري، أن پزشكيان سيحظى بثقة كبيرة من المرشد ودعم سيصطدم بخطط قادة الحرس في إدارة بعض الأمور".
تحذير الحرس الثوري لبزشكيان
وعلى ذكر تأخر الرد الإيراني الذي وعدت به طهران رداً على اغتيال إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية، وجه قادة الحرس الثوري تحذير لمسعود پزشكيان بسبب هذا التأخير، في اجتماع جمع قادة الحرس الثوري والرئيس الإيراني الجديد الذي تولى منصبه في يوليو/تموز الماضي، في الأيام القليلة الماضية.
وفي هذا الصدد، يقول المصدر المقرب من الحرس الثوري لـ"عربي بوست"، "في هذا الاجتماع حذر قادة الحرس الثوري پزشكيان من أن تأخر الرد الإيراني سيؤدي إلى زعزعة مكانة إيران في محور المقاومة".
وأضاف المتحدث قائلاً "قال قادة الحرس الثوري لبزشكيان إن الرد الإيراني لابد أن يحدث قبل ذكرى عملية طوفان الأقصى أو معها، لضمان عدم تمرد فصائل المقاومة على إيران"، وأضاف "قادة الحرس الثوري حذروا پزشكيان من خطورة تأخر الرد الإيراني، وخطورة خروج فصائل المقاومة عن سيطرة إيران، وطلبوا منه مدة زمنية لاتخاذ قرار في هذه المسألة".
ولكن – بحسب المصدر ذاته – فإن پزشكيان طلب بعض الوقت لمناقشة الأمر مع مستشاريه قبل إعطاء قادة الحرس الثوري أي وعد، وهذا ما أزعج قادة الحرس الثوري.
جدير بالذكر، أن القرارات الأمنية الكبرى في إيران يتم اتخاذها داخل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي يتكون من قادة سياسيين وعسكريين ويرأسه رئيس الجمهورية الإيرانية، وبعد اتخاذ أي قرار داخل المجلس لابد من الحصول على رأي المرشد الأعلى الإيراني سواء بالرفض أو الموافقة، لذلك فإن پزشكيان يمتلك القدرة على تعطيل أي قرار داخل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
ويقول مصطفى هادي المحلل السياسي الإصلاحي المقرب من الحكومة الإيرانية لـ"عربي بوست"، "صحيح أن پزشكيان يستطيع تعطيل بعض القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للأمن القومي ولكن إلى متى؟ هذه هي الأزمة، لا أعتقد أن پزشكيان من الممكن أن يصمد كثيراً أمام ضغوط الحرس الثوري حتى لو استطاع الحصول على ثقة ودعم خامنئي، فالخلافات المبكرة بين الرئيس الجديد والحرس الثوري دليل على حجم الضغوط التي يتعرض لها پزشكيان، والتي من المحتمل ألا يصمد أمامها كثيراً".
تخفيض التعاون العسكري مع روسيا
ومن المسائل الخلافية التي نشأت مبكراً بين الحرس الثوري والرئيس الإيراني الجديد، هي العلاقات والتعاون العسكري مع روسيا، فقد عززت طهران تعاونها العسكري مع موسكو في السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، واتهم الغرب طهران بإرسال الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية إلى روسيا لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا.
لكن طهران ترى في موسكو شريكاً استراتيجياً قوياً ضمن استراتيجية "النظر إلى الشرق"، التي حددها المرشد الأعلى منذ عام 2014، لتقليل الاعتماد الإيراني على الغرب مقابل تعزيز العلاقات الإيرانية مع قوى الشرق مثل روسيا والصين.
وفي هذا الصدد، يقول المسؤول الحكومي المقرب من مسعود پزشكيان لـ"عربي بوست"، "في الأسابيع القليلة الماضية رفض پزشكيان إرسال المزيد من الأسلحة الإيرانية إلى روسيا، وأوقف قراراً كان ستتم الموافقة عليه في المجلس الأعلى للأمن القومي بإرسال مستشارين عسكريين من الحرس الثوري إلى موسكو لمساعدتها في استعادة الأراضي التي سيطرت عليها أوكرانيا في الأيام الماضية".
وبحسب مصدرين حكوميين على دراية بالمسألة، فإن الرئيس الروسي أرسل "رسالة عتاب" إلى المرشد الأعلى الإيراني مع رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي علي أكبر أحمديان في لقائهما على هامش اجتماع منظمة البريكس، يطلب فيها استكمال إرسال شحنات الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى روسيا، كما احتوت الرسالة الروسية على قلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من السياسة الخارجية للرئيس الإيراني الجديد.
وبحسب مصدر في مكتب المرشد الأعلى قال لـ"عربي بوست"، "پزشكيان أقنع خامنئي بضرورة وقف إرسال الأسلحة إلى روسيا لعدم احترامها لطهران، وتعطيلها إرسال مقاتلات سوخوي 300 حتى الآن، ودعم الرئيس الروسي لإنشاء ممر زنغزور".
كانت إيران قد طلبت من روسيا شراء مقاتلات سوخوي 300 من أجل تحديث أنظمة الدفاع الجوي لديها، مقابل إرسال الطائرات بدون طيار الإيرانية التي استخدمتها روسيا في حربها مع أوكرانيا، لكن بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، في هذا التقرير، فإن روسيا مازالت تماطل في هذا الأمر.
ويقول مصدر إيراني في الحكومة الإيرانية الجديدة لـ"عربي بوست"، "يقول پزشكيان إن روسيا شريك غير موثوق به إلى الدرجة التي يتصورها الحرس الثوري والداعمين لسياسة النظر إلى الشرق، خاصة بعد دعم بوتين لإنشاء ممر زنغزور". وترى إيران أن هذا الممر سيفصلها عن الطرق الدولية التي تمر إلى أوروبا عبر الحدود الإيرانية الأرمنية، لصالح روسيا وأذربيجان وتركيا.
وعلق الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان على هذا الدعم الروسي لإنشاء الممر بأنه تهديد للأمن القومي الإيراني. وبحسب المصادر الحكومية الإيرانية فإنه قرر تخفيض التعاون العسكري بين إيران وروسيا للضغط على موسكو لاحترام المصالح والأهداف الإيرانية.
لكن موقف پزشكيان من روسيا أزعج قادة الحرس الثوري، الذين بحسب المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، تعتبر شريكاً استراتيجياً وعسكرياً مهماً لإيران في مواجهة الغرب. يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري لـ"عربي بوست"، "يشعر قادة الحرس الثوري بأن پزشكيان مثل حسن روحاني يريد استعادة العلاقات مع الغرب على حساب تقليص العلاقات الروسية الإيرانية، وهذا ما يرفضه الحرس الثوري الذي يثق في الشراكة والتعاون العسكري مع موسكو، ويرى قادة الحرس أن موسكو من الممكن أن توفر لإيران الكثير من التكنولوجيا العسكرية والأسلحة الدفاعية التي تحتاج إليها طهران".
ويضيف المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، "الحرس الثوري يرى أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب لمضاعفة تعزيز التعاون العسكري مع روسيا، خاصة مع زيادة احتمالات نشوب صراع مباشر ومفتوح بين طهران وتل أبيب، ويرون أن سياسة پزشكيان الخارجية بخصوص التقرب من الغرب والابتعاد عن الشرق ستأتي بنتائج سلبية".
حقل الدرة والمزيد من الضغط على پزشكيان
ويبدو أن التوترات بين الحرس الثوري ومسعود پزشكيان لا تقتصر فقط على تأخير الرد الإيراني أو العلاقات مع روسيا، ولكن تمتد إلى بعض الملفات التي تتعلق بدول الخليج.
يقول مسؤول حكومي إيراني لـ"عربي بوست"، "أرسل الحرس الثوري لبزشكيان طلباً لإصدار قرار ببدء الحكومة بأعمال الحفر والتنقيب في حقل الدرة، وهذا ما يزيد من ضغوط الحرس الثوري على حكومة پزشكيان".
تواجه طهران والكويت والسعودية خلافاً يتعلق بحقل الدرة، تقول الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي التي تقف بجانب الكويت إن حقل الدرة يقع ضمن المياه الكويتية، وأنه ملك الكويت والرياض، ولكن طهران تصر على أن الحقل ملك مشترك بينها وبين الكويت فقط.
وفي نفس السياق، قال الجنرال عبد الرضا عابد رئيس مقر خاتم الأنبياء المؤسسة الهندسية الضخمة التابعة للحرس الثوري الإيراني، في لقاء علني مع پزشكيان "أن توسيع حقل الدرة الغازي هو أهم من لقمة العيش بالنسبة لنا، ولا يجب التفريط في حقوقنا في هذا الحقل المشترك مع الكويت".
ويقول المصدر الحكومي لـ"عربي بوست"، "مقر خاتم الأنبياء أرسل تحذيراً للحكومة الإيرانية بضرورة بدء تركيب أدوات الحفر والتنقيب في الحقل على الفور، ولا بد أن تصدر الحكومة الأوامر ببدء عمليات التنقيب".
وبحسب المصادر الحكومية الإيرانية، فإن پزشكيان لا يريد أي صدام مع الكويت أو السعودية خاصة في هذا الوقت الحساس، والتعقيدات الإقليمية، ويرى أن الحرس الثوري يضغط عليه من أجل اختباره.
يقول المسؤول الحكومي لـ"عربي بوست"، "الحرس الثوري يمارس ضغوطاً على پزشكيان من أجل اختباره، يريد الحرس أن يرى هل پزشكيان سيكون معارضاً لمصالحهم أو حارساً لهذه المصالح مثل سلفه إبراهيم رئيسي".