يقول الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة، وبينهم مسؤولون محليون، إن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على "إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني"، عبر خلق بيئة مستحيلة للعيش بما يدفع المواطنين نحو الاستسلام أو الرحيل، وهو ما يعني مشروع تهجير حقيقي للسكان هناك.
ولتحقيق هذا المخطط، تتكامل الأدوار بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي، بحيث يصّعد المستوطنون اعتداءاتهم بحق الفلسطينيين وممتلكات في المناطق المصنفة "ج". في حين يحوّل الجيش الإسرائيلي مخيمات اللاجئين إلى دمار عبر عمليات عسكرية مكثفة لخلق بيئة طاردة، تمهيدا لضم الضفة المحتلة منذ عام 1967 إلى إسرائيل، وهو هدف بات معلنا على لسان وزراء إسرائيليين.
مئات الشهداء على يد جيش الاحتلال والمستوطنين
بالتزامن مع حربه المدمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وسع الجيش الإسرائيلي عملياته وصّعد المستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة.
وحتى مساء الأربعاء، أسفرت عمليات الجيش واعتداءات المستوطنين عن استشهاد 702 فلسطيني وإصابة 5 آلاف و700 واعتقال أكثر من 10 آلاف و400 شخص، حسب مؤسسات رسمية فلسطينية.
ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (حكومية)، فإن اعتداءات المستوطنين تحديدا منذ 7 أكتوبر أدت إلى "استشهاد 19 فلسطينيا وإصابة أكثر من 785 بجراح وتهجير 28 تجمعا بدويا".
وكشف مركز "بتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي في مايو/ أيار الماضي عن مخطط للحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو لتهجير الرعاة والفلسطينيين من أراضيهم بالضفة، بالتعاون مع المستوطنين. وشدد المركز على أن هذا جزء من "نظام الأبارتهايد (الفصل العنصري) الإسرائيلي". وحسب تقديرات إسرائيلية، يقيم أكثر من 720 ألف مستوطن في مستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
إفراغ الأرض من أصحابها
قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، التابعة لمنظمة التحرير، مؤيد شعبان إن "مشروع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة يقوم على توسيع الاستيطان وإفراغ الأرض الفلسطينية من السكان". وأضاف للأناضول أنه توجد "أكثر من 190 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية"، وأن هدف إسرائيل هو "السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية".
يقول شعبان: "إسرائيل تريد أن يكون الفلسطيني ميتا أو يستسلم ويعمل عبدا في مستوطناتها أو عليه الرحيل من الضفة الغربية والقدس. والمستوطنون ينفذون هذه السياسة في المناطق ج، والجيش يفعل فعلته في المخيمات".
وصنفت اتفاقية "أوسلو 2" عام 1995 أراضي الضفة إلى 3 مناطق: "أ" ويفترض أن تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، وتقدر بنحو 21 بالمئة من مساحة الضفة، لكن إسرائيل اجتاحتها خلال انتفاضة الأقصى بداية من عام 2000.
والمنطقة "ب"، وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، وتبلغ نحو 18 بالمئة من مساحة الضفة.
أما المنطقة "ج" فتخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية وتُقدر بنحو 61 بالمئة، ويُحظر على الفلسطينيين إجراء أي تغيير أو بناء فيها إلا بتصريح رسمي إسرائيلي. والتصنيفات السابقة موزعة في أنحاء الضفة، وهي مناطق متناثرة ولا تتصل أراضي كل فئة منها جغرافيا ببعضها بعضا.
"المستوطنون ذراع تنفيذي لحكومة الاحتلال الإسرائيلي"
"هناك منهجية إسرائيلية للسيطرة على الأرض وتوسيع الاستيطان الإسرائيلي".. هذا ما يقوله عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف حديثه للأناضول. موضحاً أنه وفق هذه المنهجية "ينفذ المستوطنون اعتداءات متواصلة على البلدات الفلسطينية والتجمعات البدوية ويحرقون البيوت ويعربدون في الشوارع بحماية من جيش الاحتلال".
وتابع: "المستوطنون ذراع تنفيذي للحكومة الإسرائيلية، التي عملت على تسليحهم وتدريبهم لتنفيذ مشاريعها.. إسرائيل تدمر البينة التحتية والمنازل الفلسطينية في المخيمات لذات الهدف".
أبو يوسف شدد على أن "ما يجري من تبادل أدوار هدفه محاولة إفراغ أكبر قدر ممكن (من أراضي الضفة) من السكان ودفعهم للرحيل، لكن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه ولن يغادرها".
وزاد بأن "إسرائيل تستثمر الانشغال بالحرب على قطاع غزة (منذ 7 أكتوبر) لتنفيذ مخططاتها في الضفة.. الضفة تعيش حربا هي الأخرى عنوانها الأرض، وما يجري اليوم يشكل مفصلا رئيسيا في الصراع مع الاحتلال".
وأسفرت حرب إسرائيل، بدعم أمريكي، على غزة عن أكثر من 136 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
"إسرائيل" تعمل على إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني
وفق الكاتب والخبير السياسي الفلسطيني أحمد أبو الهيجا، فإن "إسرائيل تنفذ عملية إعادة هندسة للمجتمع الفلسطيني ديمغرافيا وجغرافيا ليتقبل شروط الهزيمة". وأضاف أبو الهيجا للأناضول أن "القرار الرسمي الواضح للصهيونية الدينية في إسرائيل هو الحسم الجغرافي والديمغرافي للضفة الغربية، أي حسم الصراع في الضفة".
يقول: "على الصعيد الديموغرافي، انتقل المستوطنون والحركة الصهيونية والصهيونية الدينية من عملية الزحف البطيء وتقييد حرية الحركة والبناء في مناطق المصنفة (ج ) إلى التعامل وكأنها أراضٍ إسرائيلية، أي يحظر على الفلسطينيين دخولها".
وهذا الحديث يعني حسم ديموغرافي في مناطق واسعة في الضفة الغربية يحظر على الفلسطيني دخولها، كما أكد أبو الهيجا. ولفت إلى أن أراض واسعة في الأغوار الفلسطينية شرقي الضفة وضواحي القدس، وبينها مراعٍ، بات محظورا على الفلسطينيين الوصول إليها، وباتت تلك الأراضي ذات المساحة الشاسعة وكأنها إسرائيلية.
مشيراً إلى أن هناك "نحو نصف أراضي الضفة الغربية باتت محرمة على الفلسطينيين، وهذا هو الحسم الجغرافي الذي يقود إلى الحسم الديمغرافي".
أما المستوطنون فهم غير قادرين على الحسم الديموغرافي في الضفة، لذلك يحوّلون حياة السكان لكابوس، بحيث يصبحون غير قادرين على العيش فيها ودفعهم للهجرة، الأمر الذي يقودهم للحسم الديمغرافي.
"يريدون جعل حياة الفلسطيني لا تطاق"
يقول أبو الهيجا إن "جزء من النقاش في إسرائيل اليوم يدور حول كيفية جعل حياة الفلسطيني لا تطاق، عبر جعله غير مرتاح اقتصاديا دون عمل ونسبة بطالة مرتفعة، وكلها عوامل ضاغطة لدفعه للهجرة".
وبالنسبة للمخيمات الفلسطينية، قال أبو الهيجا إن "المخيمات تعد رمز للوجود الفلسطيني وقضية النكبة وحق العودة، لذلك تعمل إسرائيل على إنهاء (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين) أونروا التي تعد أحد شواهد النكبة، وتدمر المخيم الرمز الأقوى للقضية".
وتابع: "تدفع إسرائيل عبر عملياتها، وخاصة ما شهده شمال الضفة الغربية (مؤخرا) من تدمير ممنهج للمخيمات، إلى مسح هذه التجمعات السكانية وانصهار السكان في المجتمع أو دفعهم للرحيل".
بحسب أبو الهيجا فإن ما يجري هو مخطط يُسمى إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني ديمغرافيا وجغرافيا ليتقبل الفلسطيني شروط الهزيمة وكأن إسرائيل منتصرة في قضية الحسم التاريخي للصراع.