من مصر إلى الكويت مروراً بتونس وليس انتهاء بلبنان والولايات المتحدة وغيرها، تشهد دول حول العالم تقنيناً في إمدادات الكهرباء بسبب شح توليد الطاقة المرافق لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ.
وأصبح العالم خلال السنوات الأخيرة يعاني ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة بسبب اضطرابات المناخ، الأمر الذي يضغط بشكل كبير جداً على البنية التحتية للطاقة، وهي من بين الأسباب الرئيسية لانقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير في عدد من دول العالم ولا سيما الدول المتقدمة.
وتحولت قضية الطاقة إلى واحدة من أبرز مخاوف مواطني عدة دول من الشرق إلى الغرب٬ وسط مخاوف من تحولها إلى عادة سنوية بفعل ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع الطلب، بالتزامن مع تأثيرات واضحة للتغير المناخي.
انقطاع الكهرباء أصبح تقليداً سنوياً في بعض الولايات الأمريكية
شهدت ولايات مثل فيرجينيا وأوريغون الأمريكية منذ الأسبوع الماضي قطعا جزئيا للطاقة بسبب شح الإمدادات وزيادة الطلب، وذلك مع ارتفاع درجات حرارة الطقس إلى ما يزيد عن 40 درجة مئوية. وبحسب بيانات لشركة North American Electric Reliability Corporation فإن معظم الغرب الأوسط من كاليفورنيا إلى لويزيانا معرض لخطر انقطاع الكهرباء هذا الصيف، بسبب ذروة الطلب.
وإلى جانب الحرارة المرتفعة التي تؤدي إلى ارتفاع الطلب فإن الحرارة أيضا تصعب من نقل الطاقة من مكان لآخر عبر الشبكة، وفق بيان للشركة الأسبوع الماضي.
وتحولت انقطاعات التيار الكهربائي إلى تقليد سنوي في العديد من الولايات صيفا، لكن إدارة معلومات الطاقة ترى غير ذلك في تقريرها السنوي للعام 2023. التي قالت إن إمداد الكهرباء لأسرة أمريكية متوسطة انقطع العام الماضي لمدة خمس ساعات ونصف طيلة العام. وتوضح الإدارة أن "أكثر من نصف هذا الوقت (الخمس ساعات) كان بسبب أحداث كبرى، وعادة ما تكون طقسا متطرفا".
وبحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن إدارات الولايات التي تشهد قطعا للتيار صيفا دخلت مؤخرا في مفاوضات مع شركات تزويد الطاقة لعدم قطع التيار لمن تخلف عن سداد الديون، في محاولة لإدارة شهور الصيف.
أزمة التيار الكهربائي في مصر
من جانبها٬ قالت الحكومة المصرية إنها تحاول بإنهاء أزمة انقطاع التيار الناجم عن شح إمدادات الغاز والوقود لمحطات توليد الكهرباء بحلول نهاية يوليو/تموز الجاري.
ومنذ قرابة أسبوعين، يعاني المواطنون من انقطاع في التيار لمدة 3 ساعات يوميا، مقارنة مع ساعتين خلال الشهور الاثني عشر الماضية، وسط أزمة إمدادات للكهرباء.
وتعاقدت مصر لشراء شحنات من الغاز الطبيعي والوقود اللازم لتوليد الكهرباء بقيمة 1.2 مليار دولار، لحل أزمة الطاقة خلال شهور الصيف التي يرتفع فيها الطلب.
قررت مصر، الإثنين 24 يونيو/حزيران 2024، اتخاذ إجراءات "عاجلة" لاستيراد كميات إضافية من الغاز والمازوت، وذلك بعد استياء أبداه المصريون من قرار تمديد فترات قطع الكهرباء اليومية في البلاد.
حيث أعلنت وزارتا الكهرباء والبترول بمصر في بيان مشترك "استمرار خطة تخفيف أحمال الكهرباء التي بدأ تطبيقها منذ الأحد، بمقدار ساعة إضافية (لتكون 3 ساعات يومياً)، وذلك حتى نهاية الأسبوع الحالي".
القرار أثار غضب واستياء المواطنين المصريين، فيما تصدر هاشتاغ "ارحل يا سيسي" مواقع التواصل الاجتماعي. الوزارتان أرجعتا الخطوة إلى "الحفاظ على التشغيل الآمن والمستقر لشبكة الغاز ومحطات إنتاج الكهرباء"، وقدمتا الاعتذار للمصريين.
بحسب تقديرات غير رسمية، تحتاج وزارة الكهرباء يومياً لنحو 135 مليون متر مكعب من الغاز، و10 آلاف طن من المازوت، حتى تنتهي الانقطاعات المتكررة للكهرباء في كافة أنحاء مصر.
في يوليو/تموز 2023، عادت أزمة انقطاع الكهرباء لأنحاء مصر أو ما تعرف بـ"تخفيف الأحمال"، لأول مرة منذ 2014. وفي وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري، أدى نقص إمدادات الغاز إلى إغلاق مؤقت لبعض مصانع الأسمدة والكيماويات. وهذه هي المرة الثانية منذ بداية الشهر الجاري التي تمدد فيها الحكومة فترة انقطاع الكهرباء ساعة إضافية.
وتسبب انقطاع التيار الكهربائي، الذي بدأ الصيف الماضي مع زيادة استخدام أجهزة تكييف الهواء، في عدد من الوفيات وفي توقف أنشطة الأعمال.
مشاكل مركّبة في أزمة لبنان
هذا الأسبوع٬ قالت "مؤسسة كهرباء لبنان" إنها عمدت احترازياً إلى إبقاء أولويّة تغذية التيار الكهربائي للمرافق الحيوية الأساسية، جراء تدني مخزون مادّة الغاز لديها بشكل حاد.
ويواجه لبنان أزمة إمدادات للوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الطاقة، بسبب مشاكل لوجستية مرتبطة بفحص شحنات الوقود، ومشاكل مالية بين المورد والمستورد.
وأوضحت المؤسسة: "إزاء هذا الوضع الخارج عن إرادة ومسؤولية مؤسسة كهرباء لبنان بالكامل، تفيد المؤسسة أنها عمدت احترازياً إلى إبقاء أولويّة التغذية بالتيّار الكهربائي للمرافق الحيويّة الأساسية".
بينما دعا وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام للإسراع في "اتّخاذ خطوات وطنية وجريئة لقبول مشاريع الطاقة القطرية وتنفيذها بأسرع وقت.. وإعلان حالة طوارئ للطاقة حمايةً للسلامة العامة".
ماذا عن تونس؟
في 21 يونيو/حزيران الماضي أعلنت السلطات التونسية اعتزامها قطع الكهرباء في بعض المناطق خلال الصيف الحالي من أجل خلق توازن بين العرض والطلب. وقال المدير العام للشركة التونسية للكهرباء والغاز، فيصل طريفة، إن الشركة على أتم الاستعداد لصيف 2024، وستتولى ضمان المعادلة بين العرض والطلب والعمل على تفادي العجز الذي تم تسجيله خلال العام الماضي.
وأوضح طريفة بتصريحات صحفية على هامش مؤتمر صحفي بالعاصمة تونس، أن الشركة ستضطر في بعض الحالات القصوى إلى قطع الكهرباء لفترات قصيرة تقدر بنصف ساعة ببعض المناطق.
وتعتمد تونس في إنتاج الكهرباء على الغاز الطبيعي، إذ تقدر مساهمته بأكثر من 97 بالمئة، وتؤمن الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) نحو 99 بالمئة من الإنتاج فيما ينتج القطاع الخاص 1 بالمئة فقط.
والأزمة في الكويت أيضاً رغم التحذيرات القديمة
في 20 يونيو الماضي شهدت دولة الكويت انقطاع الكهرباء في عدد من المناطق والمحافظات خلال فترة الذروة مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير.
وقالت وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة الكويتية، إن انقطاع التيار الكهربائي عن بعض الأجزاء في الدولة جاء نتيجة عدم قدرة محطات توليد الطاقة الكهربائية على استيفاء الطلب المتزايد على الأحمال.
وأوضحت الوزارة في بيان نقلته وكالة أنباء الكويت الرسمية "كونا"، أنها اتخذت بعض الإجراءات الاحترازية ومنها القطع المبرمج لمدد زمنية، تتراوح ما بين الساعة إلى الساعتين بحد أقصى، حرصا على حماية استقرار المنظومة الكهربائية.
وأكد رئيس جمعية المهندسين الكويتيين فيصل العتل أن الأزمة التي تشهدها الكويت في توفير التيار الكهربائي قديمة٬ وتحتاج إلى جهد كبير واتخاذ قرارات سريعة لمواجهتها، مشيراً إلى أن هناك تحذيرات سابقة منذ عام 2009 بأن هناك أزمة قادمة ستستمر حتى 2030 لكن لم يتم الأخذ بالحلول والمقترحات التي طرحت حينها.
ويرى العتل أنه لا بد من وضع وتنفيذ إستراتيجية استثمار لإنتاج الطاقة المتجددة بالتعاون مع القطاع النفطي وبتمويل من الصناديق الكويتية، وطرح مشاريع استثمارية ورأسمالية عملاقة عبر الاستفادة من تنفيذ قانون تأسيس شركات بناء محطات قوى كهربائية وتحلية المياه وتعديلاته.