في الساعات المتأخرة من يوم الثلاثاء 2 يوليو/تموز 2024، أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد، عن تاريخ الانتخابات الرئاسية التونسية الذي حدده في يوم الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وفق ما جاء في بيان مقتضب على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية في "فيسبوك".
وتأتي الدعوة للانتخابات الرئاسية التونسية في ظرفية سياسية يشوبها الغموض، حيث طالت الاعتقالات أبرز الأسماء المعارضة للرئيس التونسي بتهم مختلفة بينها "محاولة الانقلاب على الرئيس"، وحوّل تونس من "منارة للديمقراطية" إلى بلد اعتقال السياسيين والنشطاء المعارضين.
حسب معارضي الرئيس التونسي، فإن هناك أكثر من 300 من السياسيين المعارضين والنشطاء والمدونين تم اعتقالهم على خلفية المرسوم 54، من بينهم من أعلن نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية التونسية، ما يجعل طريق سعيّد سالكًا للفوز بولاية ثانية. فكيف مهد سعيد الطريق لنفسه، ومن سيكون قادرًا على مواجهته شهر أكتوبر المقبل؟
البداية بدستور جديد وشروط ترشّح مغايرة
منذ 25 يوليو/ تموز 2021 تشهد تونس أزمة سياسية، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية، منها حل مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في يوليو 2022، فيما اعتبر معارضون الأمر "انقلابًا دستوريًا".
هذا الدستور الذي أقره سعيّد بعد أن صوت عليه التونسيون في استفتاء شارك فيه فقط 30% من الكتلة الناخبة، جاء بشروط جديدة للانتخابات الرئاسية، وقال الرئيس التونسي في تصريحات سابقة إنه "ليس هناك أي مبرر للحديث عن إدخال تنقيحات على القانون الانتخابي".
وأضاف سعيّد أنه "لا وجود لتعارض بين أحكام الدستور والقانون الانتخابي"، مبينًا أنه في كل الأحوال فإن "قواعد الدستور أعلى درجة من القواعد التي تتضمنها أحكام دونه مرتبة". وتضمن الدستور الجديد، في عدد من فصوله، شروط الترشح في الانتخابات الرئاسية التونسية.
وينص الفصل 89 على أن "التّرشّح لمنصب رئيس الجمهوريّة حقّ لكلّ تونسيّ أو تونسيّة غير حامل لجنسيّة أخرى مولود لأب وأمّ، وجدّ لأب، وجدّ لأمّ تونسيّين، وكلّهم تونسيّون دون انقطاع. ويجب أن يكون المترشّح أو المترشّحة، يوم تقديم ترشّحه، بالغًا من العمر أربعين سنة على الأقلّ".
يقع تقديم التّرشّح للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات حسب الطّريقة والشّروط المنصوص عليها بالقانون الانتخابيّ. يُشترط أن يُزكّي المترشّحَ أو المترشّحة عددٌ من أعضاء المجالس النّيابيّة المنتخبة أو من النّاخبين وفق ما يضبطه القانون الانتخابيّ.
هذه التعديلات أثارت انتقادات من قبل بعض القيادات الحزبية، خاصة فيما يتعلق برفع سن الترشح في الانتخابات الرئاسية التونسية إلى 40 سنة، حيث اتهمت ألفة الحامدي، رئيسة حزب "الجمهورية الثالثة"، قيس سعيد بـ"إقصاء الشباب من الترشح للانتخابات الرئاسية".
وقالت الحامدي، في بيان على موقع فيسبوك: "يُعتبر التهديد بإقصاء الشباب التونسي، جريمة انتخابية يُعاقب عليها القانون وذلك بفعل الفصل 164 من القانون الانتخابي لسنة 2014 والسّاري المفعول حاليًا، ولا حصانة قانونية لمُرتكبي هذه الجرائم الانتخابية، بما في ذلك رئيس الجمهورية".
كما اعتبر المحلل السياسي التونسي، زياد بومخلة، أن الشروط التي جاء بها "الدستور الجديد"، جعلت الترشح للانتخابات الرئاسية "على مقاس قيس سعيّد، الذي مهد بذلك الطريق ليكون مرشحًا وحيدًا، على الطريقة المصرية، ويريد أن يضمن أن لا تكون هناك مفاجآت".
كما أوضح بومخلة لـ"عربي بوست" أن قيس سعيّد استهلك جزءًا كبيرًا من شعبيته، وظهر ذلك في المحطات الانتخابية السابقة التي شهدت عزوفًا كبيرًا من الناخبين، سواء في الاستفتاء على الدستور أو الانتخابات البرلمانية وبعدها المحلية.
وقال المحلل السياسي التونسي إن عدم ذهاب التونسيين للمشاركة في تلك الاستحقاقات الانتخابية "دلالة على رفضهم للمشروع السياسي الذي أتى به الرئيس قيس سعيّد".
الحرب على قيادات حركة النهضة
في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، كانت حركة النهضة سباقة لتهنئة "الأستاذ قيس سعيد"، كما وصفه بيان للحزب وقتها، إثر فوزه في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ودعت الحركة أنصارها إلى الالتحاق والاحتفال مع الشعب التونسي بشارع الثورة.
لكن بعد أربع سنوات من تلك الدعوة، شنت السلطات التونسية حملة اعتقالات استهدفت رموز حركة النهضة، وفي مقدمتهم زعيمها راشد الغنوشي البالغ من العمر 83 عامًا، بعد أن قرر قيس سعيّد في الخامس والعشرين يوليو/تموز 2021 حل الحكومة وتعليق عمل البرلمان الذي كان يرأسه الغنوشي.
ويقبع عشرات السياسيين في سجن "المرناقية" بالعاصمة تونس بِتُهم مختلفة، غير أن القاسم المشترك بين هؤلاء المعتقلين الذين فرّقتهم توجهاتهم السياسية والفكرية، هو اتهامهم من السلطة بـ"التآمر على أمن الدولة"، وهي التهمة التي ظل يكررها الرئيس التونسي.
من بين أهم قيادات حركة النهضة التي تقبع في السجن إلى جانب الغنوشي، هناك نائباه، نور الدين البحيري وعلي العريض، والوزير السابق رياض بالطيب، والقياديون الصحبي عتيق، الحبيب اللوز، سيد الفرجاني، وقيادات جهوية وإدارية ومحلية عديدة أخرى.
لكن رغم ما شنّه سعيّد من حرب على قيادات حركة النهضة، اعتبر القيادي في الحركة، رياض الشعيبي أن الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة هي "استفتاء على المسار السياسي الحالي".
وأشار الشعيبي في تصريح لإذاعة "جوهرة" التونسية الثلاثاء 2 يوليو/تموز 2024، إلى أن الحركة "متشبثة بمقاومة الاستبداد من خلال الوسائل الديمقراطية وأهم وسيلة تراهن عليها الحركة من أجل ذلك هي الانتخابات الرئاسية القادمة".
بينما يرى المحلل السياسي التونسي زياد بومخلة أن هناك تيارات داخل النهضة تختلف بشأن الانتخابات الرئاسية التونسية، وأوضح أن "الموقف لم ينضج بعد" وربط إمكانية المشاركة بحصول انفراجة سياسية وإخلاء سبيل جميع معتقلي الحركة.
وقال بومخلة لـ"عربي بوست" إن النهضة لن ترشح أحد أعضائها وإذا فكرت في المشاركة فإنه "قد تدعم مرشحًا من خارجها"، قبل أن يستطرد ويؤكد أنه يرى أن حركة النهضة "ستختار عدم المشاركة أو ترشيح أحد قياداتها" في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة.
اعتقالات تسبق الانتخابات الرئاسية التونسية
الاعتقالات والمتابعات القضائية لم تشمل فقط "الإسلاميين التونسيين"، إذ لم يسلم منها لا اليسار ولا اليمين التونسيين، وطالت مجموعة من السياسيين البارزين الذين أعلنوا في وقت سابق نيتهم الترشح لمنافسة قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية التونسية.
قبل ساعات تحديد سعيّد لتاريخ الانتخابات الرئاسية التونسية، أعلن حزب العمل والإنجاز التونسي، الثلاثاء 2 يوليو/تموز، أن أمينه العام عبد اللطيف المكي تلقى استدعاءً من النيابة العامة للحضور أمام قاضي تحقيق بشأن وفاة برلماني سابق عام 2014.
وجاء ذلك بعد خمسة أيام من إعلان الحزب اعتزامه ترشيح المكي وزير الصحة الأسبق في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة ومنافسة الرئيس قيس سعيّد الذي يسعى للفوز بولاية ثانية.
وقال الحزب في بيان: "في ظرف خمسة أيام فقط من هذا الإعلان الأولي عن الترشيح، تلقى عبد اللطيف المكي استدعاءً للحضور أمام قاضي التحقيق (نيابة عامة) يوم الجمعة 12 يوليو/تموز 2024، في ما يعرف بقضية وفاة الجيلاني الدبوسي".
ويوم الإثنين 1 يوليو/تموز قررت النيابة العامة في تونس، إدراج أمين عام حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، الذي أعلن في شهر أبريل/نيسان الماضي ترشحه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية، لطفي المرايحي "قيد التفتيش والبحث من أجل شبهات فساد مالي".
وبحسب إذاعة "موزاييك" التونسية الخاصة، فإن النيابة العامة وجهت إلى المرايحي تهم "تبييض الأموال، وتهريب مكاسب للخارج، وفتح حسابات بنكية بالخارج دون تراخيص من البنك المركزي التونسي".
فيما قال المحلل التونسي زياد بومخلة لـ"عربي بوست" أن كل من أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في تونس، فهو "مشروع سجين"، مشيرًا إلى السرعة الفائقة التي يتم من خلالها اعتقال المرشحين المعارضين وسرعة محاكمتهم أمام ما وصفه بـ"قضاء التعليمات".
ويُخضَع المرشح الرئاسي السابق ورجل الأعمال، نبيل القروي، الذي نافس قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية عام 2019، لعقوبة السجن بعد إدانته بتهمة "تلقي تمويل أجنبي بشكل غير قانوني لدعم حملته في انتخابات 2019 الرئاسية".
كما اعتقلت السلطات التونسية الأمين العام لالحزب الجمهوري، عصام الشابي، الذي أعلن حزبه في شهر مايو/أيار الماضي، ترشيحه للانتخابات الرئاسية التونسية، إلى جانب رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، التي أعلن حزبها ترشيحها للرئاسة رغم وجودها في السجن.
جبهة الخلاص "خارج اللعبة"
استبقت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس، تحديد الرئيس سعيّد لتاريخ الانتخابات الرئاسية التونسية، وأعلنت في شهر أبريل/نيسان 2024، عدم مشاركتها في الانتخابات الرئاسية، بداعي "غياب شروط التنافس".
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، بالعاصمة تونس. وقال الشابي إن "موقف جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف من ستة أحزاب منها حركة النهضة) هو عدم تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية".
وأرجع الشابي قرار عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية إلى أن "شروط التنافس غير موجودة"، دون تفاصيل. لكنه استدرك بأنه "إذا تغيرت الشروط، سيكون لكل حادث حديث"، في إشارة إلى احتمالية مشاركة الجبهة في الانتخابات المرتقبة.
وأضاف رئيس جبهة الخلاص الوطني: "الانتخابات استحقاق نتمسك به، لكن الشروط (من أجل التنافس) منعدمة لكننا سنعمل على تغييرها، وإذا لم تتطور الأمور لن نكون جزءًا من المسرحية الانتخابية"، على حد تعبير الشابي.
بدوره أكد بومخلة لـ"عربي بوست" أن المشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية من شأنها أن "تعطي الشرعية للانقلاب على الدستور" الذي قاده سعيّد، وأضاف أن هذه الانتخابات "فاقدة للأهلية القانونية وذات توجه أحادي الجانب".
كما أضاف المحلل السياسي التونسي أنه كان أولى بالمعارضة أن تتوحد على مرشح واحد قوي بإمكانه أن يصنع زخماً ويكون قادرًا على منافسة قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية التونسية، لكنه استطرد قائلاً أن الأخير من خلال قراراته عمد إلى "قتل السياسة بالكامل".
ماذا عن "أكبر قوة نقابية" في تونس؟
عشية القرارات الاستثنائية التي أقرها قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021، بحل الحكومة والبرلمان وحظر أنشطة حركة النهضة، لم يكن الاتحاد العام التونسي للشغل رافضًا لما قام به الرئيس، بل عبر عن دعمه لها، في انتظار ما سيأتي.
حيث قال الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل حفيظ حفيظ، بعد إعلان سعيّد عن تدابيره الاستثنائية، إن الاتحاد "له ثقة كاملة في قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية وننتظر كشف خريطة طريق واضحة والإسراع في تشكيل حكومة جديدة".
وشدد حفيظ على أن مواقف الاتحاد والرئيس التونسي قيس سعيّد تقاطعت من أجل مصلحة تونس. وتابع الأمين العام المساعد قائلاً إن "تغيير النظام السياسي أمر ضروري واستكمال تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد يمكن الاتحاد من متابعة استحقاقاته الاجتماعية".
لكن هذا الود بين الاتحاد التونسي للشغل والرئيس قيس سعيّد تبين أنه من طرف واحد، وسرعان ما راجع أكبر تجمع نقابي في البلاد موقفه، ولم يعد مؤيدًا للرئيس سعيّد ولخياراته السياسية والاقتصادية، في تحول جذري من الاتحاد اتجاه سعيّد.
إذ قال الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، في شهر مارس/آذار 2024، إن "فرصة 25 يوليو بدأت تتلاشى، نتيجة المنهج الانفرادي الذي ذهب الرئيس سعيد في اتجاهه"، وانتقد خطابات قائلاً: "خطابات تفرقة وتخوين وتشويه، وتأليب للرأي العام ضد الاتحاد ونقابيه ومناضليه".
وقال المحلل السياسي التونسي زياد بومخلة لـ"عربي بوست"، إن الاتحاد التونسي للشغل "في حالة موات منذ 25 يوليو/تموز، بعد أن عبر عن دعمه لقرارات سعيّد، لقد كان أحد حماة منظومة الاستبداد"، على حد تعبيره.
واستطرد المتحدث أن الاتحاد العام التونسي للشغل ناله من تعسف النظام أيضًا، حيث عانى من التضييق على العمل النقابي باستهداف وتهديد قياداته، وأكد أن الاتحاد "شريك فيما وصلت إليه الأزمة".