رشح حزب التجمع الوطني الفرنسي (اليميني المتطرف) الشاب جوردان بارديلا (28 عاماً) لمنصب رئيس الوزراء في فرنسا، غداة حل الرئيس إيمانويل ماكرون البرلمان الأسبوع الماضي٬ إثر فوز اليمين الفرنسي الكبير في الانتخابات الأوروبية.
واستقطب أصغر مرشح لرئاسة الوزراء٬ جوردان بارديلا٬ أضواء الإعلام الفرنسي والعالمي بشكل كبير مؤخراً بعد فوزه بانتخابات البرلمان الأوروبي٬ رغم أن بارديلا انتخب رئيساً لحزب التجمع الوطني الفرنسي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، خلفاً لزعيمته مارين لوبان، ابنة مؤسس الحزب جان ماري لوبان.
فمن هو جوردان بارديلا الشخصية السياسية الشابة الذي يوصف بأنه "يتمتع بشخصية كاريزمية"٬ ويقود اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الفرنسية؟
جوردان بارديلا.. شاب إيطالي الأصل يقود اليمين المتطرف بفرنسا
يقول تقرير لوكالة فرانس برس إن رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي لا يتعدى عمره 28 عاماً٬ يحتفل به أنصاره وخصيصاً من جيل Z باعتباره "شخصية تحويلية" لفرنسا٬ إذ اقتحم بارديلا عالم السياسة الفرنسية من الباب الواسع.
وأصبحت الحياة السياسية الفرنسية تدور حول هذا الشاب بعد أن حقق فوزاً ثميناً في الانتخابات الأوروبية الأخيرة (32٪ من الأصوات)، وبات يتمتع بحظوظ كبيرة لتولي منصب رئيس الوزراء الفرنسي غداة الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة المقبلة، التي ستجرى في 7 يوليو/تموز. وفي حال تحقق ذلك، فسيكون بارديلا رئيس الحكومة الأصغر سناً في تاريخ الجمهورية الخامسة الفرنسية.
وولد جوردان بارديلا في عام 1995 في كنف عائلة إيطالية هاجرت إلى فرنسا بحثاً عن العمل، واستقرت في حي شعبي ببلدية "درانسي" الواقعة في ضاحية "سان دوني" التي تعج بالمهاجرين.
وينظر الإعلام الدولي إلى جوردان بارديلا على أنه "ظاهرة" سياسية كونه أصبح يستقطب أيضاً الشبان الفرنسيين والطلبة وذلك بفضل استخدامه مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار تيك توك الذي أصبح وسيلته المفضلة للتواصل معهم عبر نشر فيديوهات قصيرة يحث فيها الشبان على الالتحاق بحزب التجمع الوطني ويطلق وعوداً انتخابية.
وعشية فوز حزبه بالانتخابات الأوروبية، صرح جوردان بارديلا بأن "المواطنين الفرنسيين عبروا عن رغبتهم في التغيير"، مضيفاً أن إيمانويل ماكرون أصبح رئيساً ضعيفاً ومعزولاً على الساحة الأوروبية".
لم يتوقع أحد أن يسطع نجم بارديلا في عالم السياسة الفرنسية بسرعة فائقة٬ فقد عاش حياة عادية لغاية السن 17 في شقة صغيرة رفقة عائلته في الضاحية الفرنسية٬ كما تقول وكالة "فرانس 24".
لكن أعمال العنف التي هزت الضاحية الباريسية في 2005 ونيران الغضب التي أحرقت العديد من مؤسسات الدولة الفرنسية والمرافق الاجتماعية في عدة بلديات الضواحي الشعبية، جعلته يفكر في الدخول إلى عالم السياسة والانضمام إلى حزب الجبهة الوطنية المتطرف الذي كان يتزعمه في ذلك الوقت جان ماري لوبان.
جوردان بارديلا.. ابن مهاجرين إيطاليين
في 2007، قرر بارديلا مغادرة مقاعد الجامعة حيث كان يدرس علم الجغرافيا ليتفرغ للسياسة. وتم انتخابه مستشاراً جهوياً لمنطقة "إيل دو فرانس"، ثم ناطقاً رسمياً للحزب الذي غير اسمه ليصبح حزب التجمع الوطني تحت قيادة مارين لوبان.
عينت لوبان في البداية بارديلا نائباً لها قبل أن تطلب منه قيادة حملة الانتخابات الأوروبية في 2019 وعمره لم يتعد 23 عاماً. ولم يخيب بارديلا آمال مارين لوبان إذ حصل على 23.34 بالمئة من الأصوات أمام حزب ماكرون الحاكم الذي جاء في المرتبة الثانية بـ22.42 بالمائة من الأصوات.
في نهاية العام 2022، تم تعيين بارديلا رئيساً جديداً لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بعد أن هزم مرشحاً آخر في الانتخابات، وهو لوي أليو، الرئيس الحالي لبلدية "بربنيون" (جنوب شرق فرنسا) إذ تحصل بارديلا على 84 بالمئة من الأصوات ليشكل مع مارين لوبان رأساً حربة هدفها قيادة التجمع الوطني المتطرف إلى سدة الحكم في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2027.
هل لبارديلا أصول جزائرية؟
يعد بارديلا الرجل السياسي الوحيد الذي يقود حزب التجمع الوطني دون أن ينحدر من عائلة لوبان. هو ابن أوليفييه ولويزا بارديلا اللذين ينحدران من عائلة إيطالية مهاجرة، جاءت إلى فرنسا بحثاً عن فرص عمل.
والد بارديلا كان يملك شركة صغيرة لتوزيع المشروبات بشكل أتوماتيكي في بلدية مون مورانسي٬ بينما تعمل والدته موظفة متخصصة في مجال رياض الأطفال. ولم يكبر بارديلا في كنف عائلة موحدة ودافئة، بل مع والدته التي انفصلت عن زوجها بينما كان عمر بارديلا لا يتجاوز سنة ونصف السنة.
ووصف في أحد تصريحاته الحياة التي كان يعيشها في الضاحية الباريسية بأنها "صعبة نوعاً ما". وقال: "كنا نعاني من نقص الأموال. كنت أرى كيف تعاني والدتي من هذه المشكلة إثر نهاية كل شهر. عايشت ذلك طيلة طفولتي".
وجدير بالذكر أن بارديلا يقدم نفسه على أنه "ابن الهجرة" و "فرنسي مع 75 بالمئة من دمه من إيطاليا". لكن تنقل "فرانس 24" عن مصادر أخرى متخصصة في علم الأنساب تشير إلى لجوردان بارديلا أصول جزائرية قبائلية بفضل جد والدته الجزائري الذي جاء إلى فرنسا في الثلاثينات ليعمل كموظف في قطاع البناء ببلدة فيلوربان قرب مدينة ليون وسط فرنسا. وغالباً ما يرفض بارديلا الحديث عن حياته الشخصية وعن أجداده٬ بحسب الوكالة الفرنسية.
بارديلا "النائب الشبح" في البرلمان الأوروبي منذ 2019
واجه بارديلا انتقادات كثيرة من قبل الإعلام ومن منافسيه السياسيين، حيث اتهموه بعدم أخذ عمله كنائب أوروبي منذ 2019 على محمل الجد، وبأنه لم يقدم سوى 21 تعديلاً قانونياً طيلة عهدته السابقة٬ في حين قدمت مانو أوبري، زعيمة حزب "فرنسا الآبية" مثلاً في نفس البرلمان 3460 تعديلاً قانونياً وفرانسوا غزافييه بلامي ممثل اليمين الجمهوري 1200 تعديل. ووصف بـ"النائب الشبح" من قبل مانو أوبري.
لكن هذه المرة، وعد جوردان بارديلا أن يكون حاضراً أكثر في مناقشات البرلمان الأوروبي الجديد، والذي اقتحمه من الباب الواسع ليدافع عن أفكار التجمع الوطني اليميني المتطرف رفقة الأحزاب السياسية الأوروبية اليمينية المتطرفة، مثل إخوة إيطاليا لرئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني وأحزاب نمساوية وألمانية متطرفة أخرى.
وفي مقدمة هذه الأفكار، إعادة النظر في سياسة الهجرة واللجوء السياسي فضلاً عن تطبيق سياسة الأفضلية لصالح الفرنسيين فقط في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كالوظائف ومنح الشقق والمعونات الاجتماعية وغيرها.
هل ينجح بارديلا بالوصول لمنصب رئيس وزراء فرنسا؟
بعد النجاح الذي حققه في الانتخابات الأوروبية، يستعد بارديلا لتحقيق نجاح ثان في مسيرته السياسية. وهو الحصول على أغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية المبكرة التي ستجرى في 30 يونيو/حزيران و7 يوليو/تموز، لكي يتولى منصب رئيس الحكومة.
وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية٬ فإن الطريق لا يزال وعرا أمام بارديلا؛ حيث يجب أن يقنع عدد أكبر من الفرنسيين بأن البرنامج الذي يقترحه هو الأنسب والأجدر بإخراج فرنسا من محنها الاقتصادية والسياسية. فيما يعول كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي لإقناع الشبان بأنه "الرجل المناسب في المكان المناسب".
في النهاية٬ يبدو أن النجاح الانتخابي الذي يحققه بارديلا في الانتخابات الأوروبية وربما التشريعية الفرنسية سيساعد مارين لوبان في تعزيز طموحها بالفوز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة عام 2027. حيث سبق أن ترشحت لوبان البالغة من العمر 55 عاماً للرئاسة ثلاث مرات منذ عام 2012، ووصلت إلى جولة الإعادة النهائية في الجولتين الأخيرتين. وربما يهدد الوجه الجديد الشاب لحزب التجمع الوطني بجلب الحزب كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه بعيد جدًا عن حق الترشح للانتخابات٬ للسلطة٬ بالرغم من أنه حزب يميني متطرف وأن أفكاره أقرب إلى النازية من غيرها.