الأسبوع الماضي أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية عن مشروع بقيمة 550 مليون يورو من أجل إعادة تنشيط محطة للطاقة الشمسية في الجزر الجعفرية التي تحتلها مدريد قبالة السواحل الشمالية للمغرب، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام مغربية "استفزازاً" جديداً للرباط من الجارة الشمالية، على الرغم من العلاقات "المتميزة" مؤقتاً بين الرباط ومدريد.
وبينما لم يصدر أي تعليق رسمي من الرباط على هذا المشروع الإسباني الذي لا يبعد سوى أميال قليلة عن شواطئ مدينة الحسيمة المطلة على البحر المتوسط في أقصى شمال المملكة، زعمت وسائل إعلام إسبانية أن تحرك مدريد يأتي رداً على قرار الرباط تشييد قواعد عسكرية عسكرية للطائرات المسيرة بالقرب من مدينة مليلية المحتلة.
بل إن مدريد لن تكتفي بهذا المشروع، وفق الإعلام الإسباني، وستقوم بتحسين أجهزة الاتصالات في كل الجزر التي تحتلها قبالة السواحل المغربية، في خطوة من شأنها أن "تستفز" الرباط. فهل ينتهي "شهر العسل" الذي ميز علاقة البلدين خلال السنوات الأخيرة؟
أهمية "الجزر الجعفرية" لإسبانيا والمغرب
بداية شهر يونيو/حزيران 2024، أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية قرار الجيش الإسباني إعادة تنشيط محطة الطاقة الشمسية في الجزر الجعفرية "Islas Chafarinas"، والتي تعرف تواجداً لقوات عسكرية إسبانية بينما تخلو من أي سكان مدنيين.
وتعد الجزر الجعفرية، وهي مجموعة أرخبيل، من المناطق الواقعة خارج شبه الجزيرة الخاضعة للسيادة الإسبانية. وهي جزء من بقايا المواقع الاستعمارية الإسبانية السابقة في شمال أفريقيا، والتي أصبحت اليوم مركز الاهتمام بسبب القضايا الجيوسياسية.
يتكون أرخبيل الجزر الجعفرية من جزيرة الكونغرس وجزيرة إيزابيل الثانية وجزيرة الملك، وجزيرة إيزابيل الثانية، وهي أكبر الجزر الثلاث، كان عدد سكانها في السابق ما يقرب من ألف نسمة وكانت تضم كازينو، ولكن في الوقت الحالي تفتقر جميع الجزر إلى عدد سكان مستقر ولم يتبقّ سوى حامية عسكرية صغيرة وأفراد علميين.
فيما يعد تركيب محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية جزءاً من مشروع وزارة الدفاع في جزر الشفريناس، وهي منطقة خاضعة للسيادة الإسبانية قبالة سواحل المغربن، وفق ما ذكرته وسائل إعلام إسبانية.
يتم تمويل مشروع الجزر الجعفرية بتمويل أوروبي من خطة التعافي والتحول والمرونة (PRTR) وستبلغ تكلفته التقديرية أكثر من 550 ألف يورو، كما هو مذكور في وثيقة العقد. يهدف مشروع محطة الطاقة الشمسية إلى تخزين بطاريات الليثيوم باستخدام حل مدمج وسيعمل على ضمان إمداد مفرزة الجيش المتمركزة هناك.
ويرى الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والاستراتيجي، محمد الطيار، أن العلاقات الإسبانية المغربية هي في العمق تعرف معضلة مرتبطة أساسا بأن إسبانيا لا تزال تستعمر الثغرين سبتة ومليلية في الشمال ولا زالت تستعمر عدداً من الجزر.
وأضاف الطيار في تصريح لـ"عربي بوست" أن المغرب، على المستوى الدولي وفي الأمم المتحدة، دائما يؤكد على الطابع الاستعماري للثغرين سبتة ومليلية، وقال: "هناك ملفات جد خطيرة وحساسة ما زالت مطروحة بين المغرب وإسبانيا عالقة ولم يتم حلها بعد".
كما قال إن الجزر الجعفرية لها أهمية على المستوى العسكري، "لأنها تعتبر بشكل أو بآخر قواعد متقدمة على الحدود المغربية". وبشكل عام هي نقطة استراتيجية جد متقدمة في أي نزاع عسكري محتمل بين إسبانيا والمغرب.
وأشار المتحدث إلى نموذج أزمة جزيرة ليلى في 2002 بين المغرب وإسبانيا، "والذي يعطي صورة على درجة أهمية الجزر، وعلى أن هذه الملفات لم يغلقها المغرب، وما زال يصرح بشكل رسمي في المنتديات الدولية بأنه ليست هناك أي حدود برية له مع إسبانيا".
رد فعل مدريد على تحرك الرباط
وتواصل وزارة الدفاع الإسبانية الاستثمار لتحسين الثكنات الموجودة على صخور وجزر شمال أفريقيا، حسب ما جاء في تقرير لـ"هافينغتون بوست" في نسخته الإسبانية الأحد 9 يونيو/حزيران 2024.
حيث أوضح الموقع أنه بعد إطلاق محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في الجزر الجعفرية وإنشاء مرافق جديدة في جزيرة البوران، تعتزم الوزارة تحسين الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في الصخور والجزر الخاضعة للسيادة الإسبانية بالقرب من المغرب.
وضعت الوزارة خطة، بميزانية تقدر بـ 600 ألف يورو، وفترة تنفيذ تصل إلى ستة أشهر، لتنفيذ هذه التحسينات في المواقع العسكرية القريبة من السواحل المغربية، سواء تابعة للجيش أو البحرية: صخور الحسيمة وفيليز دي لا غوميرا، وكذلك الجزر الجعفرية أو جزر البوران.
هذه التحركات فسرتها تقارير إسبانية برغبة مدريد في الرد على مشروع القاعدة المغربية الخاصة بالطائرات المسيرة بالقرب من مدينة مليلية المحتلة، إذ سبق أن كشفت التقارير عن بدء الرباط تشييد قاعدة على جبل "غوروغو" الذي يعد نقطة انطلاق عمليات اختراق السياج الحدودي من قبل المهاجرين.
واعتبر الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والاستراتيجي، محمد الطيار، أن هذه الإجراءات التي قامت بها إسبانيا في الجزر الجعفرية، هي موجهة بالدرجة الأولى إلى الرأي العام الداخلي الإسباني.
وقال لـ"عربي بوست": "العديد من التوجهات السياسية في إسبانيا، وحتى داخل الأوساط العسكرية، تخرج بين الحين والآخر بتصريحات أو مقالات، كلها تعكس التوجس الذي يبديه الإسبان اتجاه التقدم الذي يحرزه المغرب فيما يخص تنويع ترسانته العسكرية".
وأشار إلى نفس ردة الفعل الإسبانية عندما أعلن المغرب عن إجراءات يهدف من خلالها إلى "تعزيز هياكله العسكرية خاصة في المناطق الشمالية من المغرب والتي ليست بعيدة عن الثغرين سبتة ومليلية".
كما أن حصول المغرب على العديد من الأسلحة جعل إسبانيا تفقد موقع الامتياز فيما يخص التوازنات، "فالمغرب حصل على أسلحة جد نوعية يمكن أن تصيب أهدافاً بشكل دقيق في العديد من الأماكن" يضيف الطيار.
وقد بدأ المغرب بالفعل في بناء هذه البنية التحتية العسكرية الجوية في منطقة تبعد 20 كيلومتراً فقط عن مليلية والتي كانت، من 1012 إلى 1956، جزءاً من المحمية الإسبانية المنقرضة للمغرب، وفقاً لوسائل إعلام مغربية وإسبانية.
مشاريع مغربية تُقلق إسبانيا
ما شهدته الجزر المحتلة من تحركات تزامن أيضاً مع المصادقة في المغرب على مرسومين يتعلقان بإنشاء مناطق عسكرية مرتبطة بالمشروع الاستراتيجي الكبير الذي دشنه الملك محمد السادس، والذي رُصدت له اعتمادات مالية مهمة.
حيث قال الطيار لـ"عربي بوست" إن هذا يؤكد أن هذه الإجراءات التي قام بها الإسبان هي موجهة للاستهلاك الداخلي وطمأنة بعض الأطراف داخل إسبانيا، التي تحذر ولو بشكل غير علني من التفوق العسكري المغربي، خاصة من وسائل إعلام محسوبة على اليمين.
وأشار الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والاستراتيجية إلى أن هذا المشروع العسكري المغربي عرف إبرام شراكات، سواء مع شركات إسرائيلية أو مع الولايات المتحدة، من أجل دخول المغرب في الصناعات العسكرية، وهي كلها إشارات مقلقة لإسبانيا.
وقال إن المغرب وضع استراتيجية واضحة المعالم فيما يخص توطين الصناعات العسكرية، وعلى مستوى تأمين حدوده، وبإقامة مناطق عسكرية جديدة إضافة إلى المنطقة الجنوبية. هذه الإشارات "دائماً لها انعكاسات في الطرف الآخر وترفع من درجة التوجس لديه".