تشترط مصر أن تتولى السلطة إدارة الجانب الفلسطيني من معبر رفح، بينما تريد إسرائيل ترتيباً آخر، وحماس هدفها وقف الحرب على غزة، فما دور جو بايدن في ذلك كله؟
ومعبر رفح على الحدود بين مصر وقطاع غزة مغلق أمام دخول شاحنات المساعدات وخروج الجرحى منذ اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي المعبر من الجانب الفلسطيني قبل 3 أسابيع، وهو ما أدى إلى انخفاض كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع بمقدار الثلثين، بحسب تقارير أممية.
كيف تريد إسرائيل معبر رفح؟
ذكرت تقارير إعلامية أن إسرائيل قدمت "خطة" إلى مصر من أجل إعادة فتح معبر رفح تشمل "مشاركة أممية وممثلين عن الفلسطينيين من غزة يكونون غير مرتبطين بحركة حماس". طبقاً للخطة الإسرائيلية، "سيعيد جيش الاحتلال انتشاره خارج معبر رفح من الجانب الفلسطيني ويقوم بتأمينه من الخارج".
وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عبر عن هذا الطرح خلال مكالمة هاتفية، الخميس 30 مايو/أيار، مع نظيره الأمريكي، لويد أوستن. غالانت قال إن "إسرائيل لا تعارض فتح معبر رفح، لكنها لن توافق على تسليم إدارة المعبر لحماس".
وبحسب بيان مكتب غالانت، تناولت المكالمة مع أوستن، بشكل رئيسي "إعادة فتح معبر رفح والسماح بدخول المساعدات الإنسانية".
جاء هذا الموقف الإسرائيلي في أعقاب إعلان جيش الاحتلال، الأربعاء 29 مايو/أيار، أن قواته سيطرت على المنطقة العازلة بطول الحدود بين قطاع غزة ومصر، وهو ما يعني أن إسرائيل باتت تسيطر فعلياً على كامل الحدود البرية للقطاع الفلسطيني.
في مؤشر على أن حكومة بنيامين نتنياهو تعتبر ذلك "إنجازاً"، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري، في بيان بثه التلفزيون الإسرائيلي: "إن القوات الإسرائيلية حققت السيطرة العملياتية على محور فيلادلفيا الممتد على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر"، مستخدماً الاسم الذي تطلقه إسرائيل على الممر الذي يبلغ طوله 14 كيلومتراً، واسم المحور هو صلاح الدين.
زعم هاغاري في بيانه أن "محور فيلادلفيا كان خط أوكسجين لحماس التي دأبت على استخدامه لتهريب الأسلحة إلى منطقة قطاع غزة". ولم يوضح هاغاري ما الذي تعنيه السيطرة "العملياتية"، إلا أن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً كان قد قال في وقت سابق إن هناك "قوات إسرائيلية على الأرض" على طول أجزاء من الممر.
هذا المحور على طول الطرف الجنوبي لقطاع غزة يمثل الحدود البرية الوحيدة للقطاع التي لم تكن خاضعة للسيطرة الإسرائيلية المباشرة.
لماذا هذا الحرص على إعادة فتح معبر رفح؟
تسعى حكومة نتنياهو المتطرفة إلى التخفيف بأي شكل من الضغوط الدولية المتزايدة عليها بسبب الحرب على غزة التي تقترب من نهاية شهرها الثامن. إذ كانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت قراراً، الجمعة الماضي، يطالب إسرائيل بالوقف الفوري للهجوم على رفح، حيث نزح أكثر من 1.4 مليون فلسطيني من أنحاء القطاع.
المحكمة في حيثيات حكمها قالت إن إسرائيل لم توضح كيف ستحافظ على سلامة سكان رفح الذين تم إجلاؤهم وكيف ستوفر الغذاء والماء والدواء لهم. وفي هذا الإطار تسعى تل أبيب إلى إعادة فتح معبر رفح لإدخال شاحنات المساعدات، وفي الوقت نفسه تواصل جرائمها بحق المدنيين في رفح، كما فعلت في مذابح الخيام الأحد والثلاثاء هذا الأسبوع.
فقد دفع جيش الاحتلال، الأربعاء، بأرتال من مدرعاته ودباباته لتنفيذ هجمات في أنحاء رفح، وسط تصريحات بأن الحرب قد تستمر لنهاية العام الجاري وبداية عام 2025. وكانت دبابات الاحتلال قد تقدمت إلى قلب مدينة رفح للمرة الأولى، الثلاثاء، على الرغم من قرار محكمة العدل الدولية الذي يأمر إسرائيل بوقف الهجوم على المدينة فوراً.
ونقلت رويترز عن سكان في رفح أن الدبابات الإسرائيلية توغلت في تل السلطان غرب المدينة وفي يبنا وقرب الشابورة في الوسط، لكنها سرعان ما تقهقرت إلى المنطقة العازلة قرب الحدود مع مصر بدلاً من البقاء في مواقعها.
ماذا "تشترط" مصر؟
أما عن مصر، فقد أعلنت إغلاق معبر رفح من جانبها بعد أن اقتحم جيش الاحتلال المعبر من الجانب الفلسطيني، وأعلنت القاهرة أنها لن تعيد فتح المعبر إلا إذا انسحبت منه تل أبيب وعادت السيطرة فيه إلى الفلسطينيين بموجب "اتفاقية المعبر" لعام 2005.
وبحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي، فإن نقطة الخلاف الرئيسية الآن بين الجانبين المصري والإسرائيلي هي كيفية إعادة المعبر دون وجود عسكري إسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه. إذ تصر مصر على أن معبر رفح هو معبر مصري فلسطيني وأن مصر ستعيد إدخال المساعدات من خلال آلية يتم الاتفاق عليها بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.
الرئاسة المصرية كانت قد أصدرت بياناً، الجمعة 24 مايو/أيار، جاء فيه أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي جو بايدن "اتفقا على ضرورة إيصال كميات من المساعدات الإنسانية والوقود لتسليمها إلى الأمم المتحدة في معبر كرم أبو سالم وذلك بصورة مؤقتة".
معبر كرم أبو سالم تسيطر عليه قوات الاحتلال منذ ما قبل اندلاع الحرب على غزة، ويبدو أن هذه الخطوة من الجانب المصري قد جاءت بضغوط أمريكية. الواقع أن هذا ما كشف عنه تقرير أكسيوس الذي نقل عن مسؤول أمريكي أن بايدن أبلغ السيسي بأن واشنطن "ستنتقد القاهرة علناً إذا لم يتم استئناف عبور الشاحنات إلى غزة عبر معبر رفح".
وبحسب تقرير سابق لوكالة أنباء العالم العربي، يدور نقاش حول هذه النقطة (كيفية إعادة معبر رفح) بقيادة واشنطن والقاهرة مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس بشأن المعابر الفلسطينية التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي بهدف تسهيل دخول البضائع والمساعدات الإنسانية إلى القطاع.
حماس تريد وقف الحرب على غزة
من جانبها، أكدت حماس على موقفها فيما يتعلق بمسألة معبر رفح وهو حتمية الانسحاب الإسرائيلي منه. كان إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية قد أكد هذا الموقف وعلى التواصل مع مصر في هذا الشأن: "نحن متوافقون على ضرورة أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من المعبر فوراً، كما أنه لا يحق للعدو التدخل في كيفية إدارة المعبر، بل هو شأن فلسطيني داخلي، ونحن سنديره وفق الأصول المعمول بها".
والجمعة 31 مايو/أيار، أعاد هنيه التأكيد على مواقف الحركة، مشيراً إلى أنه تم إبلاغ مجدداً بأن حماس لن تتنازل عن مطالبها: "من بين هذه المطالب الوقف الدائم للحرب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي الشامل من قطاع غزة، ورفع الحصار عن القطاع وإعادة إعماره".
ماذا يريد جو بايدن؟
تشير التحركات الأمريكية المكثفة في هذه المرحلة إلى أن الهدف الرئيسي لجو بايدن فيما يحدث في فلسطين هو العمل على إدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات إلى قطاع غزة للتخفيف من وطأة الكارثة الإنسانية، ليس حباً في الفلسطينيين بطبيعة الحال، وإنما لتخفيف الضغوط الهائلة التي يتعرض لها في توقيت انتخابي صعب للغاية.
ولا شك أن تحول رصيف غزة البحري العائم إلى مثار انتقاد وتندر بعدما انهارت أجزاء منه وتسبب في جنوح أربع سفن للبحرية الأمريكية وإصابة بحارة أمريكيين، قد زاد من تركيز بايدن على محاولات إعادة فتح معبر رفح. إذ ضربت سلسلة من المشاكل الأمنية واللوجستية والطقسية خطة تقديم المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة، من خلال رصيف غزة البحري الذي بناه الجيش الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية.
في هذا الإطار، أجرى بايدن اتصالاً بنظيره المصري حذره من "انتقاد مصر على الملأ" إذا لم تعِد فتح معبر رفح لتدخل شاحنات المساعدات، وسيرسل هذا الأسبوع وفداً أمريكياً إلى العاصمة المصرية ليعقد اجتماعاً ثلاثياً، بحضور وفد إسرائيلي وآخر مصري، بهدف التوصل إلى خطة قابلة للتنفيذ تؤدي إلى إعادة فتح معبر رفح، بحسب تقرير أكسيوس.
الهدف من هذا الاجتماع تمرير خطة إعادة فتح المعبر وتهدئة الأجواء المتوترة للغاية بين القاهرة وتل أبيب، وكلتا النقطتين تمثلان "أولويات قصوى" لإدارة جو بايدن. وفي الوقت نفسه، ترى واشنطن في القاهرة "لاعباً رئيسياً" في أي "خطة بعد الحرب" لفرض الاستقرار وإعادة تعمير قطاع غزة".
لهذا سيقود تيري وولف، مدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، وفداً خلال الأيام القادمة إلى القاهرة، وهي الخطوة التي تم الاتفاق عليها خلال مكالمة الجمعة الماضية بين بايدن والسيسي.
نقل أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن القضية الرئيسية في هذه الاجتماعات الثلاثية ستكون الاتفاق على خطة لكيفية إعادة معبر رفح دون أن يكون هناك وجود عسكري إسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه، وقدمت إسرائيل بالفعل "خطتها" لمصر في هذا الشأن. لكن إدارة بايدن تريد من مصر مناقشة "إمكانية تشكيل قوة انتقالية تتولى الأمن في قطاع غزة في اليوم التالي للحرب. وتريد واشنطن من القاهرة أن تتولى الدور الأكبر في قوة أمنية مع دول عربية أخرى".
قصة "اليوم التالي للحرب في غزة"
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن صرح في اليوم نفسه بأن إسرائيل بحاجة إلى وضع خطة لما بعد الحرب على غزة، محذراً "وإلا فإن المجال سيكون مفتوحاً أمام الفوضى وعودة حماس إلى القطاع".
لهذا الغرض نقل أكسيوس عن مسؤول رفيع في إدارة بايدن قوله: "الوفد الذي سيسافر إلى القاهرة وفد عسكري وأمني ومن الخارجية مهمته متابعة ما تم في المكالمة بين الرئيس بايدن والرئيس السيسي وإجراء مناقشات أعمق بشأن معبر رفح وأمن الحدود"، مضيفاً أن "وفداً أوسع وأعلى رتبةً سيسافر بعد ذلك إلى القاهرة لمواصلة تلك المناقشات. هذه التفاصيل لا تزال قيد البحث".
لكن الحقائق على الأرض تشير إلى أن إدارة بايدن تستبق الأحداث. فإسرائيل نفسها لا تتوقع أن تنتهي الحرب قريباً. إذ قال تساحي هنغبي مستشار الأمن القومي لنتنياهو إن "الحرب ستستمر طوال عام 2024 على الأقل"، في الوقت الذي تتواصل خسائر جيش الاحتلال في جباليا، التي أعلن انسحابه منها وفي رفح وباقي أنحاء القطاع.
وفي الوقت نفسه، لم يحقق جيش الاحتلال أياً من أهدافه العسكرية رغم التدمير غير المسبوق وارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء المدنيين، ثلثهم من الأطفال؛ فلم يتمكّن من القضاء على المقاومة ولا تحرير الأسرى، وهي أهداف الحرب المعلنة، ما يطرح سؤالاً منطقياً بشأن هذه "الترتيبات" التي تسعى إدارة بايدن إلى التوصل إليها لما بعد الحرب.
فالمقاومة الفلسطينية في القطاع تتصدى لقوات الاحتلال بقذائف مضادة للدبابات وقنابل مورتر وتفجر عبوات ناسفة عن بعد، والأربعاء أعلن جيش الاحتلال أن ثلاثة من جنوده قُتلوا وثلاثة آخرين أُصيبوا بجروح خطيرة في معارك في رفح دون ذكر مزيد من التفاصيل، علماً بأن جيش الاحتلال لا يعترف إلى بالحد الأدنى من قتلاه، بحسب التقارير الإسرائيلية نفسها.
وفي الوقت نفسه، أعلنت تل أبيب أنها سلّمت أحدث مقترحاتها لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن إلى الوسطاء، بعد قرار مجلس الحرب استئناف مفاوضات الهدنة.
هذه هي أبرز نقاط الخلاف بشأن معبر رفح بين ما تريده إسرائيل وما تشترطه مصر وموقف حماس، وسعي بايدن للتوصل إلى أي خطة لإدخال المساعدات إلى غزة لأغراض انتخابية.