تحول رصيف غزة البحري العائم إلى مثار انتقاد وتندر بعدما انهارت أجزاء منه وتسبب في جنوح أربع سفن للبحرية الأمريكية وإصابة بحارة أمريكيين، فما قصة هذا الرصيف، وماذا أصابه، وما مصيره، وهل ماتت الفكرة، أم أن واشنطن مصرة عليها؟
وضربت سلسلة من المشاكل الأمنية واللوجستية والطقسية خطة تقديم المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة من خلال رصيف غزة البحري الذي بناه الجيش الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتدبرس "AP" الأمريكية,
منظمات الإغاثة تنتقد رصيف غزة البحري
يواجه المشروع، الذي تفكّك بسبب الرياح القوية والبحار الكثيفة بعد أكثر من أسبوع بقليل من تشغيله، انتقادات بأنه لم يرق إلى مستوى تكاليفه البالغة 320 مليون دولار.
ومع ذلك، يقول المسؤولون الأمريكيون إن الجسر الفولاذي المتصل بالشاطئ في غزة والرصيف العائم يتم إصلاحه وإعادة تجميعه في ميناء في جنوب إسرائيل، ثم سيتم إعادة تثبيته والعمل مرة أخرى الأسبوع المقبل.
في حين أشارت تقديرات البنتاغون المبكرة إلى أن الرصيف يمكن أن يسلم ما يصل إلى 150 شاحنة من المساعدات يومياً عندما تكون عملية تشغيله كاملة، فإن ذلك لم يحدث حتى الآن، بل تحول الرصيف لمشكلة للبحرية الأمريكية.
وأعاق سوء الأحوال الجوية الحصول على المساعدات إلى غزة من الرصيف، في حين أن الهجوم الإسرائيلي في مدينة رفح الجنوبية جعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل في بعض الأحيان، الحصول على المساعدات إلى المنطقة عن طريق الطرق البرية.
كانت لدى جماعات الإغاثة ردود فعل مختلطة، بين الترحيب بأي قدر من المساعدات للفلسطينيين الجائعين الذين حاصرتهم الحرب الإسرائيلية منذ نحو ثمانية أشهر وبين شجب الرصيف باعتباره إلهاء خفف الضغط عن إسرائيل الذي كان يهدف لفتح المزيد من المعابر الحدودية، والتي هي أكثر فاعلية بكثير.
وقال بوب كيتشن، وهو مسؤول كبير في لجنة الإنقاذ الدولية، إنه "عرض جانبي".
وقالت إدارة بايدن منذ البداية إن الرصيف لم يكن من المفترض أن يكون حلاً شاملاً وأن أي مبلغ من المساعدات يساعد.
ورحبت الأمم المتحدة بتوصيل المساعدات عبر رصيف غزة البحري، ولكنها قالت إن الطرق البرية "أكثر أهمية".
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: "لم يقل أحد في البداية إنه سيكون الدواء الشافي لجميع مشاكل المساعدة الإنسانية التي لا تزال موجودة في غزة". و"أعتقد أنه في بعض الأحيان لأن الجيش الأمريكي جيد فإن كل ما يلمسونه سيتحول إلى الذهب في لحظة"، حسب تعبيره.
وأضاف: "كنا نعلم أن هذه ستكون أشياء صعبة". "وقد أثبتت أنها أشياء صعبة".
قبل الحرب، كانت غزة تحصل على حوالي 500 شاحنة من المساعدات في المتوسط كل يوم.
وتقول وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية إنها تحتاج إلى تدفق مستمر من 600 شاحنة يومياً لتخفيف أزمة الغذاء وإعادة الناس من حافة المجاعة.
كانت المساعدات التي تم جلبها من خلال الرصيف كافية لإطعام الآلاف لمدة شهر، ولكن بيانات الأمم المتحدة تظهر أنها بالكاد أحدثت تغييراً يذكر في الحاجة الإجمالية لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
تقرير وكالة أسوشيتدبرس عرض الجدول الزمني للرصيف، والمشاكل التي واجهها وما قد يأتي بعد ذلك:
بايدن أعلن عن الرصيف في خطاب للاتحاد
في 7 مارس/آذار: أعلن الرئيس جو بايدن عن خطة يقوم بموجبها الجيش الأمريكي ببناء رصيف قبالة ساحل غزة وذلك خلال خطابه عن حالة الاتحاد.
وقال: "الليلة، أوجه الجيش الأمريكي لقيادة بعثة طوارئ لإنشاء رصيف غزة البحري مؤقت في البحر الأبيض المتوسط على ساحل غزة يمكنه استقبال شحنات كبيرة تحمل الطعام والماء والدواء والملاجئ المؤقتة".
ولكن حتى في تلك اللحظات القليلة الأولى، أشار إلى أن رصيف غزة البحري سيزيد من كمية المساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزة، ولكن إسرائيل "يجب أن تقوم بدورها" والسماح بإدخال مزيد من المساعدات.
وحسب تصريحات مسؤولين أمريكيين لوسائل الإعلام في ذلك الوقت، فإن الولايات المتحدة نسقت إقامة المشروع مع إسرائيل ومنظمة الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة، كما أوصلت رسائل إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأهميته.
تعليقاً على قرار بايدن، أكدت حركة حماس على حق الشعب الفلسطيني في وصول المساعدات التي يحتاجها، لكنها اعتبرت أن الميناء العائم ليس بديلاً عن فتح المعابر البرية، وشددت على رفض أي وجود عسكري لأي قوة كانت على الأرض الفلسطينية.
بينما باركت إسرائيل الخطوة الأمريكية، وأكدت أن إقامة الميناء العائم بقطاع غزة تجري بتنسيق بين الطرفين، أما منظمة الأمم المتحدة فقد اعتبرت على لسان المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك أن توصيل المساعدات براً أكثر فعالية من حيث الكلفة والكمية.
كما انتقد المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري مقترح بايدن، مشيراً إلى تناقض موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم من جهة أخرى الأسلحة والذخائر والدعم المالي لإسرائيل لتقصف سكان غزة.
في 8 مارس/آذار: قال الجنرال بات رايدر، المتحدث باسم البنتاغون، للصحفيين إن الأمر سيستغرق "ما يصل إلى 60 يوماً" لنشر القوات وبناء المشروع.
في 12مارس/آذار: غادرت أربع سفن من الجيش الأمريكي محملة بأطنان من المعدات وقطاعات الرصيف الفولاذي قاعدة لانغلي-أوستيس في ولاية فرجينيا واتجهت إلى المحيط الأطلسي في رحلة قُدر أن تستغرق شهراً إلى غزة.
وقال الضابط الأمريكي المتخصص في اللوجستيات، سام ميلر، إن بناء رصيف غزة البحري وتشغيله سيعتمدان بشكل كبير على الطقس وأحوال البحار التي يواجهانها.
أواخر مارس/آذار: ضربت اضطرابات البحار والطقس القاسي سفن الجيش الأمريكي أثناء عبورها المحيط الأطلسي، مما أبطأ وتيرتها.
ما هي فكرة الرصيف البحري؟
تقوم الفكرة على بناء منصة مصنوعة من صنادل متصلة راسية في قاع البحر، قبالة ساحل غزة، هذه المنصة مهمتها استقبال سفن الشحن الضخمة القادمة من قبرص على بُعد حوالي 200 ميل بحري.
يتم تفريغ الشحنات على هذه المنصة ثم إلى شاحنات الجيش المنتظرة التي تتحرك على المنصة لتنقل المساعدات إلى قوارب عسكرية أصغر.
تبحر القوارب مسافة حوالي 3 أميال إلى الرصيف العائم والجسر الذي قامت القوات الإسرائيلية بدفعه إلى الساحل وتثبيته على الشاطئ.
تنطلق شاحنات المساعدات من السفن وتهبط على الجسر المكون من مسارين والذي يبلغ طوله 1800 قدم.
تتوجه الشاحنات إلى الشاطئ، حيث يتم تفريغها في منطقة تؤمنها القوات الإسرائيلية.
تشكل مكونات الميناء العائم حلقات وصل ضمن ممر بحري ينطلق من جزيرة قبرص باتجاه شاطئ غزة، حيث تشحن المساعدات الموجهة إلى القطاع على متن سفن تنطلق من ميناء لارنكا البحري في قبرص بعد تفتيشها.
وتتولى لجنة إسرائيلية تفتيش حمولة السفن في ميناء لارنكا قبل نقلها باتجاه غزة، كما تخضع للتفتيش الإسرائيلي على الأرض أيضاً كما هو الحال مع المساعدات القادمة عبر البر.
وتشرف خلايا تنسيق على عملية نقل وتوزيع المساعدات، وتضم إضافة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، قبرص والأمم المتحدة ومنظمات إنسانية.
بدء عملية البناء
في 1 أبريل/نيسان: قُتل سبعة من عمال إغاثة المطبخ المركزي العالمي في غارة جوية إسرائيلية أثناء سفرهم في مركبات تحمل علامة واضحة في مهمة تسليم أذنت بها إسرائيل.
أججت الجريمة المخاوف المستمرة بشأن أمن عمال الإغاثة ودفعت وكالات الإغاثة إلى إيقاف تسليم المساعدات الإنسانية في غزة.
في 19 أبريل/نيسان: أكد المسؤولون الأمريكيون أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة وافق على المساعدة في تسليم المساعدات المقدمة إلى غزة عبر الرصيف البحري بمجرد الانتهاء من البناء.
في 25 أبريل/نيسان: بدأ البناء الرئيسي لمرفق الميناء على الشاطئ بالقرب من مدينة غزة في التبلور. الموقع البري هو المكان الذي سيتم فيه تسليم المساعدات من الجسر وإعطاؤها لوكالات المعونة.
في 30 أبريل/نيسان: تظهر صور الأقمار الصناعية سفناً أمريكية تعمل على تجميع الرصيف والجسر على بعد حوالي 11 كيلومتراً (6.8 ميل) من الميناء على الشاطئ.
افتتاح الرصيف ثم انهياره
في 9 مايو/أيار: كانت السفينة الأمريكية ساغامور هي أول سفينة محملة بالمساعدات تغادر قبرص وتتوجه نحو غزة وفي نهاية المطاف إلى الرصيف. تم بناء محطة أمن وتفتيش متقنة في قبرص لفحص المساعدات القادمة من عدد من البلدان.
في 16 مايو/أيار: بعد الوقت المستهدف البالغ 60 يوماً، تم الانتهاء من بناء وتجميع الرصيف قبالة ساحل غزة والجسر المرتبط بالشاطئ بعد أكثر من أسبوع من تقلب الطقس والتأخيرات الأخرى.
في 17 مايو/أيار: بدأ تشغيل الرصيف رسمياً بعد نحو شهرين من انطلاق عملية البناء التي تولاها الجيش الأمريكي. أول شاحنات تحمل مساعدات لقطاع غزة تصل إلى رصيف غزة البحري المبني حديثاً ومنه إلى المنطقة الآمنة على الشاطئ، حيث سيتم تفريغها وتوزيع البضائع على وكالات الإغاثة للتسليم بالشاحنات إلى غزة.
تطلبت عملية بناء ميناء غزة العائم الاستعانة بأكثر من ألف جندي أميركي، واستغرقت نحو شهرين، وكلفت حوالي 320 مليون دولار. ويتكون الميناء من جزأين:
في 18 مايو/أيار: اجتاحت حشود من الفلسطينيين اليائسين قافلة من شاحنات المساعدات القادمة من رصيف غزة، وجردوا الشحنة من 11 مركبة من أصل 16 مركبة قبل أن تصل إلى مستودع الأمم المتحدة للتوزيع.
وفي ذات اليوم مع وصول أول شحنة مساعدات عبر رصيف غزة العائم، جددت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رفضها أي وجود عسكري لأي قوة كانت على الأراضي الفلسطينية.
بدوره، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، في تصريحات للجزيرة، إن الرصيف الأمريكي لا يلبي احتياجات سكان القطاع من الغذاء.
وأضاف الثوابتة أن السكان يحتاجون ما لا يقل عن 7 ملايين وجبة غذاء يومياً، ولا يمكن للرصيف أن يوفر هذا القدر من الغذاء.
من ناحية أخرى، قال منسق اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي للجزيرة إن الولايات المتحدة أرسلت رسائل بطرق غير مباشرة لحركة حماس بشأن الرصيف البحري قبالة ساحل غزة، وأوضحت لها ماهيته وطريقة عمله.
بين 19-20 مايو/أيار: يصل أول طعام من الرصيف يضم عدداً محدوداً من البسكويت عالي التغذية إلى المحتاجين في وسط غزة، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي.
تعلق منظمات الإغاثة عمليات التسليم من الرصيف لمدة يومين بينما تعمل الولايات المتحدة مع إسرائيل لفتح طرق برية بديلة من الرصيف وتحسين الأمن.
في 24 مايو/أيار: حتى ذلك اليوم تم تسليم أكثر قليلاً من 1000 طن متري من المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الذي بنته الولايات المتحدة، وتقول الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في وقت لاحق إنه تم توزيعها جميعاً داخل غزة.
في 25 مايو/أيار: الرياح العاتية والبحار الشديدة تلحق الضرر بالرصيف وتتسبب في جنوح أربع سفن أمريكية؛ مما أصاب ثلاثة من أفراد الخدمة، أحدهم في حالة حرجة.
جنحت سفينتان منها في غزة بالقرب من قاعدة الرصيف، بينما جنحت سفينتان بالقرب من عسقلان في إسرائيل.
في 28 مايو/أيار: قالت المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ إن أجزاء كبيرة من الجسر يتم سحبها من الشاطئ ونقلها إلى ميناء إسرائيلي للإصلاحات. ولكن لا تزال قاعدة الجسر على شاطئ غزة.
كما تقول إن المساعدات في قبرص يتم تحميلها على السفن وستكون جاهزة للتفريغ على الرصيف بمجرد عودته إلى مكانها.
في 29 مايو/أيار: عادت سفينتان من سفن الجيش الأمريكي التي جنحت في الطقس السيئ إلى البحر ويتم تحرير السفينتين الأخريين بالقرب من الرصيف، بمساعدة البحرية الإسرائيلية.
ما مصير رصيف غزة البحري؟
في الأيام المقبلة، سيتم إعادة تجميع أجزاء الجسر، وبحلول منتصف الأسبوع المقبل سيتم نقلها إلى شاطئ غزة، حيث سيتم ربط الجسر مرة أخرى بالشاطئ، كما تقول البنتاغون.
قال سابرينا سينغ، يوم الثلاثاء: "عندما نتمكن من إعادة تثبيت الرصيف مرة أخرى، سنتمكن من رؤية تدفق المساعدات في تيار ثابت جداً". "سنستمر في تشغيل هذا الرصيف المؤقت لأطول فترة ممكنة".