أعلنت إيران وفاة رئيسها إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان في تحطم المروحية، الإثنين 20 مايو/أيار 2024، فكيف قد يؤثر ذلك على سياسات البلاد؟
الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين عبد اللهيان لعبا دوراً محورياً في ملفات إيران الخارجية؛ من الملف النووي إلى العلاقات مع الدول العربية والحرب على غزة، ومن المتوقع أن يكون لغيابهما المفاجئ تأثير على تلك الملفات، والسؤال: ماذا قد تكون طبيعة ذلك التأثير وحجمه؟
كانت السلطات الإيرانية قد أعلنت عن عقد اجتماع استثنائي في أعقاب تأكد وفاة رئيسي ومرافقيه، وبخاصة عبد اللهيان. وحضر الاجتماع محمد مخبر، النائب الأول لرئيسي، ممثلاً للسلطة التنفيذية، حيث تولى منصب الرئيس مؤقتاً، بحسب الدستور الإيراني.
كما أعلنت وزارة الخارجية عن تولي علي باقري، أحد مساعدي عبد اللهيان، منصب وزير الخارجية أيضاً بشكل مؤقت. تترقب إيران الآن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال 50 يوماً بحد أقصى، بحسب المادة 131 من الدستور.
تعيين خليفة رئيسي وعبد اللهيان
منذ الإعلان عن انقطاع الاتصال مع المروحية التي كانت تقل رئيسي ومرافقيه في منطقة وعرة ووسط ظروف طقس سيئ، منذ ظهر الأحد 19 مايو/أيار، سارعت وسائل الإعلام العالمية عموماً، والغربية خصوصاً، إلى تغطية الحدث، مع التركيز على التأثير المتوقع على ملفات طهران الخارجية في حالة وقوع المحظور ووفاة رئيسي وعبد اللهيان.
"يأتي تحطم المروحية التي تقل رئيس إيران ووزير الخارجية في توقيت غاية في الدقة بالنسبة للشرق الأوسط ولإيران داخلياً"، هكذا بدأت شبكة CNN الأمريكية تغطيتها للحادث المأساوي.
لكن ما إن تأكدت أنباء مقتل رئيسي وعبد اللهيان ومرافقيهما في الحادث، تحركت إيران بسرعة لافتة لطمأنة الداخل والخارج معاً على أن "استشهاد" رئيسي ومرافقيه لن يكون له تأثير على "مجريات الأمور" داخلياً وخارجياً". وتم تعيين محمد مخبر رئيساً مؤقتاً وعلي باقري وزيراً مؤقتاً للخارجية.
أعلنت إيران الحداد الرسمي، وخرج المتحدث باسم هيئة صيانة الدستور ليؤكد على أن انتخاب رئيس جديد سيتم خلال 50 يوماً بحد أقصى، طبقاً للدستور. الأمور إذاً تبدو "طبيعية" من الناحية الشكلية على الأقل؛ توفي الرئيس فتولى نائبه الأول المسؤولية مباشرة وتوفي وزير الخارجية فتولى أحد مساعديه المنصب.
الزعيم الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أعلن الحداد العام لمدة خمسة أيام وكلف النائب الأول للرئيس محمد مخبر بأعمال الرئاسة. إذ قال خامنئي في بيان نقلته وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا): "أعلن الحداد العام لمدة خمسة أيام وأقدم تعازي للشعب الإيراني العزيز"، وأضاف: "سيتولى مخبر إدارة السلطة التنفيذية وهو ملزم بالترتيب مع رئيسي السلطتين التشريعية والقضائية لانتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يوماً".
ويُنظر إلى مخبر، شأنه شأن رئيسي، على أنه مقرب من خامنئي الذي يملك القول الفصل في جميع شؤون الدولة. وأصبح مخبر النائب الأول للرئيس في عام 2021 عندما انتخب رئيسي.
إيران في عهدة رئيسي.. علاقات أفضل مع العرب
منذ تولى رئيسي المنصب عام 2021، شهدت ملفات السياسة الخارجية في إيران تحولات لافتة في التناول والنتائج أيضاً. فقد أعطت طهران أولوية لإصلاح علاقاتها مع الدول العربية، وركزت على التموضع على رأس ما يوصف بأنه محور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال السنوات الثلاث التي قضاها رئيسي في المنصب، وقعت إيران والسعودية اتفاقاً لتطبيع العلاقات الثنائية بوساطة صينية؛ إذ أعلنت طهران والرياض، في مارس/آذار 2023، عن استئناف العلاقات بينهما بعد قطيعة استمرت 6 سنوات، وهددت الاستقرار والأمن في الخليج، وساعدت في تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط من اليمن إلى سوريا. وجاء الإعلان عن الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بعد محادثات سرية استضافتها بكين بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين.
وبشكل عام شهدت فترة حكم رئيسي، الذي تبنى سياسة "تطوير العلاقات مع دول الجوار"، سلسلة من الأحداث والتطورات داخلياً وخارجياً. وجاءت الانتخابات التشريعية في مارس/آذار الماضي، والتي حقق فيها تيار رئيسي المحافظ فوزاً لافتاً في أول انتخابات وطنية منذ احتجاجات "النقاب" عام 2022، لتعزز كثيراً من موقفه وتضعه على خطى الفوز بفترة رئاسية ثانية، لكن حادث تحطم المروحية أنهى حياته قبل أن يكمل فترته الأولى بعام واحد.
وكان التقارب مع السعودية توجهاً معلناً من جانب إبراهيم رئيسي، حيث اعتبر في أغسطس/آب 2022 أن مسألة إعادة بناء وتعزيز علاقات بلاده مع الرياض "تخدم أمن المنطقة". وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عقد الرئيس الإيراني الراحل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اجتماعاً ثنائياً على هامش قمة مشتركة لقادة دول الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في الرياض.
في الوقت نفسه، شهدت العلاقات الإيرانية المصرية تقارباً في الفترة الأخيرة، حيث التقى رئيسي، في الرياض أيضاً، نظيره المصري عبد الفتاح السيسي. وفي ديسمبر/كانون الثاني الماضي، بحث الرئيسان في اتصال هاتفي تطورات الأوضاع في قطاع غزة، فضلاً عن متابعة النقاش بشأن مسار تناول القضايا العالقة بين البلدين.
وعلى هامش فعاليات الدورة الـ15 لمؤتمر القمة الإسلامي في جامبيا، بحث وزيرا خارجية البلدين مسار العلاقات الثنائية بين مصر وإيران، على ضوء الاتصالات واللقاءات السابقة بين الوزيرين وتوجيهات قيادتي البلدين خلال الفترة الماضية، حيث اتفقا على مواصلة التشاور بهدف معالجة كافة الموضوعات والمسائل العالقة.
التوجه نحو الشرق.. الصين وروسيا
شهدت إيران أيضاً خلال السنوات الثلاث الماضية تحولاً لافتاً نحو الشرق، حيث تم التوسع في العلاقات الثنائية مع كل من الصين وروسيا. ووقَّعت طهران مع موسكو اتفاقيات ثنائية متعددة ليرتفع التبادل التجاري بينهما إلى مستويات غير مسبوقة. وتتهم تقارير غربية إيران بتزويد روسيا بالمسيرات والصواريخ الباليستية لتوظيفها في الحرب الأوكرانية، لكن رئيسي نفسه كان قد نفى تلك التقارير.
كما شهدت الفترة ذاتها تصعيداً غير مسبوق في العداء مع إسرائيل، حيث أطلقت إيران للمرة الأولى ضربات جوية مباشرة إلى عمق الأراضي الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، رداً على ضربة إسرائيلية استهدفت مبنى تابعاً للقنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق قتلت عدداً من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني.
فعلى الرغم من "حرب الظل" المشتعلة بين تل أبيب وطهران على مدى العقود الماضية، إلا أن استهداف القنصلية الإيرانية والرد بضربات جوية في العمق الإسرائيلي كان تصعيداً غير مسبوق في العداء بين الطرفين، بحسب توصيف تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية، جاء فيه أن قرار الضربة الجوية نحو إسرائيل اتخذه "رئيسي والمرشد علي خامنئي"، بينما وصف عبد اللهيان الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني بأنه "ألعاب أطفال"، إشارة إلى عدم وقوع ضحايا أو خسائر مادية ملموسة في إيران.
الملف النووي
عندما تولى رئيسي منصب الرئاسة في إيران، كانت المفاوضات النووية متوقفة تماماً والعلاقات بين طهران وواشنطن في خانة "مستوى الحرب"، خصوصاً بعد اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، بضربة صاروخية أمريكية في بغداد أمر بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
بعد تولي جو بايدن المسؤولية، استؤنفت المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية بمشاركة أمريكية، وإن بشكل غير مباشر. عقدت جولات متعددة في بروكسيل لم تؤدّ إلى إعادة إحياء الاتفاق الأصلي (الموقع عام 2015) والذي كان ترامب قد انسحب منه، ولا إلى توقيع اتفاق آخر أكثر شمولاً كما كانت تريد واشنطن.
لكن إيران، في عهد رئيسي ووزير خارجيته عبد اللهيان، عادت لتنشيط برنامجها النووي بوتيرة أسرع، وتقوم الآن بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 60%، وهي نسبة قريبة من النسبة المطلوبة لإنتاج أسلحة نووية، وهي 90%، حسبما تفيد التقارير الغربية. وعطلت إيران كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بموجب بنود الاتفاق النووي لعام 2015.
أجريت عشرات الجولات من المفاوضات النووية لكنها لم تؤدّ إلى نتيجة ملموسة حتى الآن، وتقول إيران إنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، على عكس التقارير الغربية التي تتهمها بذلك منذ عام 2003.
إذ اتخذ رئيسي موقفاً متشدداً في المفاوضات النووية، انطلاقاً من رؤيته لأن طهران قادرة على تحمل العقوبات الأمريكية من جهة، وأنه لا يمكن الوثوق مرة أخرى بواشنطن بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 والذي فرض قيوداً كاسحة على البرنامج النووي الإيراني.
لكن طهران وواشنطن توصلتا إلى بعض الصفقات الجانبية، أبرزها صفقة تبادل السجناء والإفراج عن أكثر من 6 ميليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة بسبب العقوبات الأمريكية.
كيف سينعكس الغياب على سياسات إيران؟
على الرغم من تعيين خليفة لرئيسي ولعبد اللهيان بمجرد التأكد من وفاتهما في حادث المروحية، وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية الإيرانية يرسم خطوطها العريضة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، وعلى الرغم من أن محمد مخبر (خليفة رئيسي) مقرب هو الآخر من المرشد، إلا أنه لا يمكن الجزم بما إذا كانت وفاة رئيسي وعبد اللهيان لن يكون لها أي انعكاس على أي من تلك الملفات.
فالسمات الشخصية لرئيسي وعبد اللهيان كان لها دور كبير في طريقة تنفيذ السياسات المتفق عليها مع المرشد الأعلى، كما أن ظروف البلاد العامة تلعب دوراً أيضاً في هذا الشأن. الآن وبعيداً عن مستوى العلاقات الخارجية، فإن معظم المختصين بالشأن الإيراني يرون أن إيران قد تشهد حراكاً سياسياً جديداً خاصة مع تنظيم انتخابات لاختيار رئيس جديد، بحسب تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ويرى هؤلاء أن الحراك ربما يشهد عودة لمحاولات السياسيين الإصلاحيين في إيران للمشهد من جديد، بعد أن كانوا قد تم تحييدهم من قبل الجناح المتشدد في السياسة الإيرانية. فهل سيكون لتلك العودة للإصلاحيين تأثير ما على السياسة الإيرانية خلال الفترة المؤقتة (أقصاها 50 يوماً)؟ وهل يمكن حتى أن يحظى مرشح من التيار الإصلاحي بفرصة للفوز، حتى وإن كان ذلك يبدو سيناريو مستبعداً الآن؟
بعض وسائل الإعلام الغربية سارعت إلى طرح تساؤلات كثيرة، وبعضها حتى نشر سيناريوهات لا توجد عليها مؤشرات على أقل تقدير حتى الآن، ومنها على سبيل المثال مجلة الإيكونوميست البريطانية التي زعمت أن "وفاة رئيس إيران سيشعل صراعاً على السلطة بين رجال الدين (الملالي) والجيش".
تقرير المجلة البريطانية ركز على أن رئيسي كان يتم إعداده لما هو أبعد من منصب الرئيس، أي أن يخلف المرشد الأعلى علي خامنئي، الرجل الكبير في السن والمريض بشدة (بحسب المجلة)، لكن وفاة رئيسي خلطت الأوراق وفتحت الباب على مصراعيه أمام صراع على السلطة.
إبراهيم رئيسي في سطور
الرئيس الإيراني الراحل حقوقي ورجل دين وُلد في 14 ديسمبر/كانون الأول عام 1960 بمدينة مشهد الإيرانية. وفي عام 1981، تولى منصب النائب العام لمدينة كرج بمحافظة البرز وتدرج في المناصب ليتولى منصب وكيل النائب العام للعاصمة طهران وهو في سن 25 عاماً.
وفي عام 1988 عُيّن من قِبَل الإمام الخميني عضواً في لجنة من 4 أشخاص للبت بأحكام الإعدام بحق المعارضين في السجون. وبعد وفاة الخميني تدرج رئيسي بسرعة في مناصب الدولة خلال فترة المرشد الإيراني علي خامنئي وتولى منصب المدعي العام لطهران بين عامي 1989 و1994. وفي عام 1994 عين رئيساً لهيئة الرقابة الحكومية وبقي 10 سنوات في هذا المنصب.
وتم تعيين رئيسي نائباً أول لرئيس السلطة القضائية في عام 2004. وفي 2014 عيّن رئيسي مدعياً عاماً لإيران، وتم تعيينه من قِبَل خامنئي عام 2016 رئيساً لمؤسسة "مرقد الإمام الرضا ومجمعه".
خسر رئيسي الانتخابات الرئاسية كمرشح لحزب المحافظين، أمام الرئيس الأسبق حسن روحاني في انتخابات 19 مايو/أيار عام 2017. وتم تعيينه في منصب رئاسة السلطة القضائية الشاغرة في مارس/آذار 2019، بعد إقالة رئيس السلطة القضائية صادق أمولي لاريجاني من قبل خامنئي وتعيينه رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام.
وفي الانتخابات التي أجريت في إيران في 18 يونيو/حزيران 2021، فاز رئيسي بفارق كبير، حيث حصل على 62 بالمئة من الأصوات، وأصبح الرئيس الثامن للبلاد.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على رئيسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لعضويته في اللجنة التي كانت تبت بأحكام الإعدام للمعارضين 1988 ولادعاءات أمريكية بدور رئيسي في قمع المتظاهرين عام 2009.