من العناق إلى ما يشبه الفراق.. كيف تغيرت العلاقة بين نتنياهو وبايدن بسبب إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي على دخول رفح؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/10 الساعة 09:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/10 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء زيارته لإسرائيل في 18 أكتوبر /تشرين الأول 2022- رويترز

حطت طائرة الرئيس الأمريكي جو بايدن في مطار بن غوريون في تل أبيب بعد أيام من زلزال السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي أصاب الجيش الإسرائيلي وسمعته في مقتل، لكي يواسي صديقه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على ما حدث في الهجوم الذي شنته فصائل المقاومة صبيحة يوم السبت السابع من أكتوبر.

المشهد الذي تعانق فيه نتنياهو وبايدن ظل راسخاً في أذهان الكثيرين على أن العلاقة بين الرجلين ستستمر بقوتها، وأن الدعم السياسي من قبل زعيم البيت الأبيض لن يتغير، إلا أن الأشهر التي تلت ذلك قالت عكس ذلك في العديد من المواقف، حتى التي لم تخرج إلى العلن، حتى تحول العناق إلى ما يشبه الفراق بين الرجلين، بسبب العملية الأخيرة التي ينوي نتنياهو القيام بها في مدينة رفح، آخر معقل للمدنيين بقطاع غزة لجأوا إليه بعدما تدمر القطاع بالكامل على يد جيش الاحتلال.

فعلى مدار 7 أشهر وهي تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر وسقوط نحو 35 ألف شهيد جلهم من الأطفال والنساء، مرت العلاقة بين بايدن ونتنياهو -وليس هنا بالضرورة العلاقة بين الدولة الأمريكية، وإسرائيل- بمراحل شد وجذب كان آخرها إصرار نتنياهو على المضي قدماً في عملية رفح التي أزعجت بايدن وعلى إثرها اتخذ قراراً بتجميد صفقة أسلحة هجومية كانت تنوي واشنطن تزويد جيش الاحتلال بها، على الرغم من تصريحات مسؤولين أمريكيين بمن فيهم بايدن نفسه بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل سيبقى راسخاً.

فماذا حدث ولماذا تغيرت المصالح وماذا دار بين كل منها، وما هي مصالح كل طرف التي سيطالها التضرر نظراً لموقف الشخص الآخر؟ 

في هذا التقرير سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات.

العلاقة بين بايدن ونتنياهو قديمة!

بحسب تقرير لوكالة إ ف ب الفرنسية، فإن بايدن لم يخف تأييده لإسرائيل خلال مسيرته الطويلة. جمعته أيضاً علاقة وثيقة بنتنياهو، وكتب له ذات مرة "أحبك". لكن يبدو أن صفحة الغرام طويت، مع تلويح الرئيس الأمريكي للمرة الأولى، بتعليق بلاده بعض الدعم العسكري لإسرائيل، والذي يوازي ثلاثة مليارات دولار سنوياً، لدفعها الى الامتناع عن شنّ هجوم واسع على رفح.

يجد بايدن نفسه في وضع محرج: انتقادات متزايدة في الداخل على خلفية الدعم غير المحدود لإسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر، وأذن صمّاء يديرها نتنياهو لدعواته المتزايدة إلى عدم مهاجمة رفح المكتظة بنحو 1,4 مليون فلسطيني، وفق الأمم المتحدة، نزحت غالبيتهم جراء الحرب المدمّرة للقطاع.

رأى مسؤولو إدارة بايدن في تهديدات نتنياهو منذ أشهر باجتياح رفح، خطاباً للاستهلاك أكثر منه للتطبيق. لكن في مباحثاتهم الأخيرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومنها زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى دولة الاحتلال الأسبوع الماضي، لمسوا جدية نتنياهو في المضي بهذا الهجوم رغم التحذيرات الأمريكية والدولية.

وللمرة الأولى منذ بدء الحرب، كشف بايدن في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأربعاء، أنه سيمتنع عن تزويد إسرائيل بالقنابل وقذائف المدفعية بحال مضت في خططها بشأن رفح، بعدما أكدت إدارته أنها علّقت شحنة تتضمن آلاف القنابل الثقيلة لسلاح الجو.

الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أرشيفية/رويترز

وأكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي أن بايدن أكد موقفه بشأن رفح مراراً وتكراراً، معتبراً أن الهجوم البري على المدينة بات "خياراً على إسرائيل أن تتخذه… وهو (خيار) نأمل في ألا تقدم عليه".

في المقابل، يشدد نتنياهو على أنه لا مفر من الدخول الى رفح لتحقيق أحد أهدافه المعلنة، وهو "القضاء" على حركة حماس بعد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

وفي ردّ ضمني على بايدن، أكد نتنياهو الخميس أن إسرائيل مستعدة "للوقوف وحدها" في حربها على غزة. وقال: "إذا اضطررنا للوقوف وحدنا، سنقف لوحدنا".

من جهته، قال السفير الإسرائيلي لدى واشنطن مايكل هرتسوغ إن التهديد بحجب المساعدات العسكرية عن الدولة العبرية هو أمر "غير مقبول" و"يبعث برسالة خاطئة" إلى أعدائها، رغم إبدائه "تقديره الكامل" لبايدن.

كما اتهم دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والمنافس الجمهوري للرئيس الحالي في الانتخابات المقبلة، بايدن بـ"الوقوف بجانب" حماس.

ميدان معتاد لنتنياهو 

لكن علاقة ترامب بنتنياهو لم تكن دائماً في أفضل حال، خصوصاً مع مسارعة رئيس الوزراء الى تهنئة بايدن على فوزه بانتخابات 2020 على حساب ترامب الذي رفض الإقرار بالهزيمة.

بالنسبة إلى الزعيم اليميني، وهو الأطول خدمة كرئيس للوزراء في تاريخ إسرائيل، الخلافات مع واشنطن حيث أقام فترة طويلة، ليست أمراً غير مألوف. فهو اختلف بشكل حاد مع آخر اثنين من الرؤساء الديمقراطيين، أي بيل كلينتون وباراك أوباما.

وقام بالضغط علناً الى جانب خصوم أوباما من الجمهوريين، ضد اعتماد الرئيس السابق الدبلوماسية للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني.

ورغم أن ذلك أثار امتعاضاً في أوساط العديد من الديمقراطيين، احتفظ شخص واحد بمكانة خاصة لنتنياهو وإسرائيل: بايدن، نائب أوباما خلال ولايتيه الرئاسيتين.

ارتكز موقف بايدن على تاريخ علاقته بالدولة العبرية، والعناية التي يوليها للعلاقات الشخصية في السياسة.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي/رويترز

في خطاب أدلى به عام 2010، تطرّق بايدن إلى علاقته بإسرائيل، وإعجابه بها "الذي بدأ في صميمي وانتقل إلى قلبي". تحدث أيضاً عن سفره، وهو سيناتور في مطلع مسيرته، إلى إسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973، ولقائه رئيسة الوزراء غولدا مئير، مؤكداً أنها أيضاً… قامت بمعانقته.

غالباً ما وصف بايدن نتنياهو بـ"الصديق الشخصي والمقرب"، وهما التقيا قبل عقود حين كان رئيس الوزراء دبلوماسياً إسرائيلياً شاباً في واشنطن.

وفي إحدى المناسبات، كشف بايدن أنه قدم لنتنياهو صورة كتب عليها "لا أتفق مع أي شي تقوله، لكنني أحبك".

هذا التوجه الذي كان يسلكه الرئيس الأمريكي تجاه نتنياهو يبدو أنه تغير منذ فترة، وبالتحديد منذ الرابع من أبريل/نيسان، بعد وقت قصير من مقتل سبعة من موظفي الإغاثة التابعين لمنظمة ورلد سنترال كيتشن في قصف جوي إسرائيلي، حين أجرى بايدن اتصالاً بنتنياهو مفاده أنه إما أن يحمي المدنيين وموظفي الإغاثة أو ستتغير السياسة الأمريكية.

وتعرض بايدن لضغوط من الحلفاء الدوليين ومن كثيرين من أعضاء الحزب الديمقراطي في الداخل كي يجعل تقديم مليارات الدولارات من المساعدات لإسرائيل مشروطاً في ظل عدد الشهداء الهائل الناجم عن الهجوم المستمر على غزة. وقال المسؤول إنه من بين مكالمات صعبة كثيرة بين الزعيمين، شكلت مكالمة الرابع من أبريل/نيسان نقطة تحول. فقبل ذلك، لم يهدد بايدن بوقف المساعدات على الرغم من المحادثات التي تزداد توتراً.

ووقف بايدن شحن الأسلحة لا يضاهي مطلقاً الحظر الذي فرضه الرئيس رونالد ريجان عام 1982 على بيع القنابل العنقودية لإسرائيل، لكنه يمثل نقطة تحول في العلاقات المتوترة بين إسرائيل وحليفتها الأكثر موثوقية وأكبر مقدم مساعدات لها.

وقال بروس ريدل الذي عمل 30 عاماً في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) والخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد بروكنغز حالياً لوكالة رويترز: "هذا ليس وقفاً لجميع مبيعات الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل، لكنه تعزيز للضغط بأن الولايات المتحدة لا تريد حقاً عملية رفح".

وقال مسؤول أمريكي ثان إن الإدارة كانت تنوي إبقاء وقف الأسلحة طي الكتمان؛ لكنها تحدثت عنه بعد أن سرب الإسرائيليون الخبر.

ويقول بعض المؤيدين إن إفشاء هذه الخطوة قد يصب في مصلحة بايدن.

تحدي بايدن

وقال جيرمي بن عامي، رئيس منظمة (جيه ستريت) اليهودية الليبرالية: "شهور وشهور مرت من النقاش حول 'ما الرسائل التي تنقلها هذه الحكومة إلى الحكومة الإسرائيلية' و'إلى أي مدى يأخذون الأمر على محمل الجد'".

وأضاف بن عامي: "حقيقة أن هذا أصبح معلناً هي جزء من الرسالة… إنها رسالة إلى العالم مفادها… لا ضمان مطلق للمساعدات الأمريكية".

يعتبر بايدن قدرته على التفاوض مع الزعماء الأجانب، حتى الذين يختلف معهم كثيراً مثل نتنياهو، من العلامات المميزة لرئاسته. وقالت إدارته إنها تبقي نتنياهو اليميني المتطرف على مقربة منها؛ لأنها بهذه الطريقة تتمتع بنفوذ أكبر على الزعيم الإسرائيلي.

نتنياهو بايدن اتصال
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

ووضع تحدي نتنياهو المعلن لنصيحة بايدن فيما يتعلق برفح صورة الرئيس الأمريكي كخبير في السياسة الخارجية موضع اختبار كما فاقم الضغوط عليه في الداخل.

وبعد أن حثه بايدن يوم الإثنين على عدم مهاجمة رفح، رفض نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي قبلته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبدأ في قصف رفح. وقال مسؤول أمريكي ثالث لرويترز حينها إن الإسرائيليين لا يتفاوضون بنية حسنة فيما يبدو على اتفاق وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الرهائن.

"تعارض تام"

ويرى محللون أن تاريخ العلاقة الشخصية بين بايدن ونتنياهو، لن ينعكس بالضرورة على مصالحهما السياسية فكلاهما تتناقض مصالحه مع الآخر، فبايدن قاب قوسين أو أدنى من الدخول في الماراثون الانتخابي، أمام الرئيس السابق دونالد ترامب الذي تتزايد حظوظه يوماً بعد يوم، أما رئيس الوزراء الإسرائيلي فهو يدرك تماماً أن اليوم التالي لوقف الحرب سيكون بداية محاكمته السياسية وربما الجنائية على ما وقع يوم السابع من أكتوبر؛ مما يعني تضارب المصالح بين الرجلين.

وتقول مديرة الأمن القومي والسياسة الدولية في "المركز الأمريكي للتقدم" أليسون ماكمانوس إن مصالحهما حالياً "على تعارضٍ تام".

وتوضح: "هذه ليست بالضرورة صداقة شخصية ستطغى بشكل ما على المصالح السياسية القوية لكل من الزعيمين".

وتضيف: "هذه لحظة أعتقد أن بايدن يفكر فيها بأن العناق لم يفلح، والكلمات القوية الصارمة لم تفلح… حجب الأسلحة هو أكبر أداة تأثير في حوزة الولايات المتحدة".

لكنها تشير إلى أن بايدن الذي اعتبر الهجوم الإسرائيلي الواسع في رفح "خطاً أحمر" للولايات المتحدة لم يتمّ تجاوزه بعد، "ترك الباب مفتوحاً أمام نتنياهو للتراجع عن رفح".

خلاصة القول أن العلاقة بين مؤسسات الدولة الأمريكية وبين إسرائيل هي علاقة راسخة قائمة على دعم إسرائيل اللامحدود؛ لكن دون أن يضر ذلك بالمصالح الأمريكية العليا، وفي بعض الأحيان دون أن تتعرض مصالح الرئيس الحاكم في ذلك الوقت إذا كان ذلك قرب الانتخابات الرئاسية.

تحميل المزيد