ورد بمقترح الوسطاء (قطر، ومصر) لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ذكر الممر الفاصل بين شمال وجنوب القطاع، وحلّ في المرحلة الأولى منه، ليعكس بذلك أهمية ممر نتساريم بالنسبة للمقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً، في وقت صعّدت فيه الفصائل من هجماتها عليه.
آخر الهجمات جرت يوم الثلاثاء 7 مايو/أيار 2024، إذ قامت فصائل المقاومة باستهداف مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في "محور نتساريم"، بعد رفض الاحتلال مقترح وقف إطلاق النار، عقب موافقة حركة "حماس" عليه.
ممر نتساريم في مفاوضات الاتفاق
ممر نتساريم الذي أقامه ويسيطر عليه جيش الاحتلال، جاء من أبرز نقاط التفاوض، إذ طالبت حركة "حماس" بانسحاب الجيش الإسرائيلي منه، ومن البؤر الاستيطانية المقامة عليه، وهي منشأتان أقامهما على الممر، وسبق أن رصدتهما "عربي بوست" في تقرير سابق منذ إنشائهما.
يتألف مقترح الوسطاء الذي وافقت عليه "حماس" ورفضه الاحتلال، من 3 مراحل، تلخصت المرحلة الأولى منه بـ"انسحاب جيش الاحتلال من محور نتساريم كاملاً، والسماح بحرية عودة النازحين، في كل مناطق القطاع".
في المقابل يعد الجيش الإسرائيلي بناء الممر والسيطرة عليه إنجازاً سجله خلال عدوانه على غزة، ويريد أن يستمر باحتلاله للموقع لفترة طويلة، بحسب ما أكدته صحيفة "هآرتس" العبرية.
كذلك أثار إعلان الجيش الأمريكي الجمعة 3 مايو/أيار 2024، تعليق أعمال بناء الرصيف البحري في غزة مؤقتاً، بسبب سوء الأحوال الجوية، ومواصلة أعمال التجميع في ميناء أسدود الإسرائيلي بدلاً من القيام بها قبالة شاطئ غزة، تساؤلات عن دوافع ذلك، لا سيما أنه يأتي في وقت صعّدت فيه المقاومة الفلسطينية من هجماتها على محور نتساريم عسكرياً، ومن مطالبها سياسياً من انسحاب جيش الاحتلال منه كمطلب رئيسي للتوصل إلى اتفاق.
لكن، ما هو "ممر نتساريم" أولاً، وأين يقع، ولماذا أقامه الاحتلال؟ في هذا التقرير إجابة على ذلك، يتلوها حديث خبراء تحدث إليهم "عربي بوست" عن أهمية هذا الممر الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي وارتباطه بالرصيف البحري الذي يبنيه الجيش الأمريكي بالقرب منه.
أين يقع ممر نتساريم، وما الغرض منه؟
يمتد "ممر نتساريم" أو "الطريق 794″، لمسافة تزيد عن 6 كيلومترات، من الخط الفاصل بين غزة ومستوطنات الغلاف شرق القطاع ليصل إلى الساحل غرباً.
بدأ إنشاء الممر، بإقامة طريق يقسم قطاع غزة إلى قسمين، من شرق منطقة جحر الديك إلى غرب منطقة البيدر الساحلية.
تقع هذه المنطقة غرب مدينة غزة، في المنطقة الشرقية التي تعلو شرق وادي غزة، الذي بدوره يفصل القطاع جغرافياً عن بعضه، ليرسم بذلك الاحتلال خطاً عسكرياً يفصل شمال غزة عن جنوبها، بعد عمليات التهجير القسري التي قام بها في شمال القطاع.
أجبر الاحتلال الأهالي في شمال غزة إلى النزوح باتجاه الجنوب، بعد تنفيذه أحزمة نارية واجتياحاً برياً، ما تسبب بارتكابه مجازر كبيرة ومتعددة بحق المدنيين منذ بداية الحرب، وتقديمه إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب حرب إبادة جماعية.
في نهاية ممر نتساريم من جهة الشاطئ، يقع اللسان البحري الذي أقامه الجيش الأمريكي ومؤسسة "المطبخ العالمي" منذ 1 أبريل/نيسان 2024، وفي 28 من الشهر ذاته، أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي عبر حسابه في "إكس"، مشاركة الجيش الإسرائيلي في عمليات الرصيف البحري العائم الذي كان من المزمع ربطه باللسان البحري، لإيصال المساعدات الإنسانية بحراً إلى شمال غزة.
أنشأ الجيش الإسرائيلي ممر نتساريم في الأول من مارس/آذار 2024، ليشق طريقاً حديثاً، على حساب البنى والمباني السكنية والأراضي الفلسطينية، بعد قصفها وتدميرها.
عن أهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي من إقامة ممر نتساريم، يمكن تلخيصها بالتالي:
- مراقبة القطاع والإشراف على العمليات العسكرية فيه.
- عزل شمال قطاع غزة عن جنوبه.
- منع عودة مئات آلاف النازحين إلى مدينة غزة وشمال القطاع.
- التحكم بالمساعدات القادمة بحراً عن طريق الرصيف البحري الذي يتم إنشاؤه على طرف الممر من جهة الساحل.
- لإجراء تفتيش مكثف لسكان غزة عبر نقطتيه على شارعي صلاح الدين والرشيد.
هيئة البث الإسرائيلية الرسمية ذكرت يوم الخميس 21 مارس/آذار 2024، في خبر مقتضب أن المنشأة الواقعة عند شارع الرشيد، مصممة لإجراء "تفتيش مكثف لسكان غزة"، وقالت إن حجمها يساوي حجم ملعبي كرة قدم.
بحسب صحيفة "هآرتس"، يصف جيش الاحتلال ممر نتساريم بأنه "إنجاز طويل الأجل، وأنه شُيِّد ليبقى".
تصعيد المقاومة في ممر نتساريم
كثّفت المقاومة الفلسطينية مؤخراً استهداف محور نتساريم، بالتوازي مع معارك تخوضها في محاور عدة وسط وشمال القطاع، ومؤخراً في رفح، منذ اجتياح الاحتلال لمعبر رفح 6 مايو/أيار 2024.
تعرض ممر نتساريم لاستهداف مختلف الفصائل الفلسطينية:
كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، أعلنت مراراً استهدافها قوات الاحتلال المتمركزة في محور نتساريم، بمنظومة صواريخ "رجوم" قصيرة المدى، من عيار 114 ملليمتراً، وقذائف هاون من العيار الثقيل.
كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة "فتح"، أعلنت كذلك أنها قصفت في أواخر أبريل/نيسان 2024، قوات الاحتلال، بمحور نتساريم، برشقات صاروخية مركزة من أكثر من محور.
سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، قالت إن مقاتليها قصفوا بقذائف الهاون مقر الجيش الإسرائيلي في محيط مستشفى الصداقة التركي على خط الإمداد لممر نتساريم.
كتائب المجاهدين، الجناح العسكري لحركة "المجاهدين الفلسطينية"، أكدت كذلك استهدافها قوات الاحتلال المتمركزة في محور نتساريم بالصواريخ.
أهمية ممر نتساريم وعلاقته بالرصيف البحري
الخبير العسكري والعقيد الركن السابق حاتم الفلاحي، تحدث لـ"عربي بوست"، عن أهمية ممر نتساريم، وأسباب تصدره المشهدين العسكري والسياسي مؤخراً.
أوضح الفلاحي أن "محور نتساريم وجد للعديد من الأهداف، أولها أنه يؤمن الاندفاع إلى عمق الموضع الدفاعي بالنسبة لجيش الاحتلال، خلال 7 دقائق، ما يعني أنه وجد لتسريع دخول القطاعات الآلية والمدرعة والدعم اللوجستي إلى عمق الموضع الدفاعي".
وقال إن الجيش الإسرائيلي يعتبر هذا المحور أنه "يؤمن موطأ قدم عملياتية في داخل قطاع غزة، ويمنع التواصل ما بين الشمال والجنوب، ويقطع وصول التعزيزات ما بين فصائل المقاومة".
إضافة إلى ذلك، يريد الاحتلال أن يتحكم من خلال ممر نتساريم بحركة المدنيين خلال الفترة القادمة.
أما عن علاقة الهجوم على ممر نتساريم وتعليق الجيش الأمريكي عمليات بناء الرصيف البحري قبالة شواطئ غزة لبضع أيام، فقال الفلاحي إن "محور نتساريم وجد لغرض إدامة الاتصال بالرصيف العائم، الذي سيكون على شاطئ البحر بالقرب من منطقة الشيخ عجلين، لكن من لا يستطيع تأمين ممر نتساريم لا يمكنه توفير ذلك للرصيف البحري".
وأعلن الجيش الأمريكي الجمعة 3 مايو/أيار 2024، أنه علق مؤقتاً أعمال بناء الرصيف البحري لتوصيل المساعدات إلى قطاع غزة بسبب سوء الأحوال الجوية، وسيواصل بدلاً من ذلك أعمال التجميع في ميناء أسدود الإسرائيلي.
وقال الخبير العسكري الفلاحي إن "إيقاف العمل على الرصيف يعد إنجازاً كبيراً جداً للمقاومة، لأنها استطاعت من خلال العمليات العسكرية والقصف المدفعي الذي يجري بالهاون وقف العمل على الرصيف العائم، الذي لن يلبي إلا حاجة قليلة جداً من احتياجات مدينة غزة".
أشار كذلك إلى أنه "كان أحرى بالقوات الأمريكية أن تقوم بإنزال المساعدات على البر من الجانب الإسرائيلي، ثم تقوم بنقلها عن طريق البر إلى الداخل في قطاع غزة، وهذا ما يثير تساؤلات عن الأسباب وراء الإصرار على إقامة الرصيف البحري، وهو ليس بعيداً عن ميناء أسدود".
شدد أيضاً على أن هناك "علامات الاستفهام فيما يخص الاتفاق الذي جرى بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لإنشاء الرصيف بحري العائم في هذه المنطقة تحديداً".
حقل غاز قبالة غزة
باعتقاده، رأى الفلاحي أن من التفسيرات، ما ذهب إلى "اتهام للولايات المتحدة الأمريكية بأن هذا الرصيف وجد لأغراض منها السيطرة على حقل الغاز المتواجد في هذه المنطقة".
عن السبب الأمريكي المعلن لتجميد العمل على الرصيف البحري المتمثل بسوء الطقس، قال الفلاحي: "نعم، قد تكون الأحوال الجوية سبباً، ولكن لن يكون ذلك مؤثراً بشكل كبير جداً، لأن الأحوال الجوية لن تستمر لفترة طويلة في مسألة إيقاف العمل، وقد تستمر ليوم أو يومين، ثم تعود للعمل مرة أخرى، إلا أن الأحوال الجوية في أسدود لا تختلف عن منطقة الرصيف البحري في غزة".
أما بما يتعلق بالتفاوض السياسي، قال إنه "بقرب التوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل، قد يجعل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية تعدل عن مسألة إكمال هذا الرصيف، لأن الاتفاق سيحل الكثير من المشاكل المتواجدة داخل قطاع غزة".
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون، 7 مايو/أيار 2024، "انتهاء العمل في بناء الرصيف البحري في ميناء أسدود، لكن يتبقى نقله إلى موقعه قبالة سواحل قطاع غزة".
اللواء المتقاعد والخبير العسكري مأمون أبو نوار، وافق ما ذهب إليه الفلاحي بما يتعلق بسوء الأحوال الجوية وعلاقتها بتعليق العمل على الرصيف البحري، لا سيما أن الجيش الأمريكي استكمل بناءه من ميناء أسدود.
وقال لـ"عربي بوست"، إن "سرعة الرياح كانت شديدة عندما جاء الإعلان الأمريكي بالتعليق، ما يعيق عمليات شبك قطع الرصيف ببعضها، وربطه بالكامل بالميناء، وذلك يتطلب عمل بعض الغواصين أسفل منه، للتأكد على أمنه واستقراره في الوضع المناسب".
لكنه رأى أن التهديد المستمر لممر نتساريم المقام قرب الرصيف البحري، مهم لأن الاحتلال يسعى إلى توسيعه، ما يؤثر على المجهود الحربي للمقاومة، إلى جانب أنها تريد ضمان عودة النازحين إلى مناطقهم في شمال غزة، وعدم فصل شمال القطاع عن جنوبه.
وأفاد بأنه حتى في حال نجاح استمرار ممر نتساريم والمنطقة العازلة التي يقوم الاحتلال بإقامتها على طول الشريط الحدودي، إلا أنها ستكون عرضة للصواريخ وهاون المقاومة باستمرار، كما يحدث في مناطق الغلاف قبل وأثناء الحرب الحالية.
ولفت إلى أهمية استخدام الصواريخ والهاون على ممر نتساريم، مشيراً إلى أن المقاومة تمتلك بالفعل أسلحة فعالة مثل قذائف الياسين والكورنيت والعبوات الناسفة وغيرها، إلى جانب أن قذائف الهاون لها ميزة خاصة، بكونها بديلاً لسلاح المدفعية خلال المسافات القصيرة.
خلفية تاريخية عن نتساريم
كان الاحتلال الإسرائيلي يقيم مستوطنة في هذه المنطقة، تحمل اسم الممر الحالي ذاته، أي "مستوطنة نتساريم"، وذلك قبل الحسم العسكري عام 2007، وسيطرة حركة حماس على حكم القطاع، بعد تحريره من الاحتلال الذي انسحب من قطاع غزة بالكامل.
وسبق أن أنشأ الاحتلال الإسرائيلي مستوطنة نتساريم عام 1977، على مسافة 5 كيلومترات من مدينة غزة، بمساحة تقدّر بـ2325 دونماً (الدونم يساوي ألف متر مربع).
بلغ إجمالي مساحة مستوطنة نتساريم لتأمين المستوطنين فيها، نحو 4300 دونم.
لكن في 15 أغسطس/آب 2005، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بإجلاء المستوطنين من مستوطنة نتساريم، قبل الحسم العسكري في غزة بعامين.
وأطلق الاحتلال الإسرائيلي على الممر الذي أقامه من جحر الديك وحتى البيدر، من شرق القطاع إلى غربه بالكامل، اسم "محور نتساريم" بالمسمى ذاته الذي حملته مستوطنة نتساريم، التي كانت مقامة بالقرب من المحور ذاته.
وأقام الاحتلال الإسرائيلي وحدات سكنية جلبها إلى محور نتساريم بعد إقامته، ومراحيض وحمامات، وكتب جنوده عبارة "مرحباً بكم في قاعدة نتساريم" على حاجز خرساني عند البؤرة الاستيطانية على الطريق الساحلي، على شارع الرشيد.
يذكر أنه صباح الثلاثاء، 7 مايو/أيار 2024، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي "السيطرة العملياتية" على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بمصر.
جاء ذلك بعد إعلان الجيش الإسرائيلي صباح الإثنين، 6 مايو/أيار 2024، بدء عملية عسكرية في مدينة رفح جنوبي القطاع، زعم أنها "محدودة النطاق"، موجهاً تحذيرات إلى 100 ألف فلسطيني بـ"إخلاء" شرق المدينة قسراً، والتوجه إلى منطقة المواصي جنوب غرب القطاع، وذلك عقب رفض حكومة بنيامين نتنياهو مقترح الوسطاء لوقف إطلاق النار.
يُشار إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة خلَّف منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكثر من 34 ألف شهيد فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء، وعشرات آلاف الجرحى، وحوالي 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة الكثيرين، وسط دعوى قضائية في محكمة العدل الدولية بارتكاب جيش الاحتلال جريمة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.