فاجأت حركة حماس "إسرائيل"، مساء الإثنين 6 مايو/أيار 2024، بإعلان موافقتها على مقترح البلدين الوسيطين قطر ومصر بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة٬ والذي أكدت الحركة أنه حصل على ضمان أمريكي أيضاً٬ مما وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موقف صعب٬ وهو ما دفعه لرفض المقترح وإعلان "استمرار العملية العسكرية في رفح" واقتحام معبر رفح صباح اليوم التالي بشكل استعراضي.
وهذا ما أكده موقع "أكسيوس" الأمريكي، الثلاثاء 7 مايو/أيار 2024، الذي نقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إدارة بايدن كانت على علم بالمقترح الذي وافقت عليه حماس، لكنها لم تطلع تل أبيب على ذلك، قبل إعلان الحركة قبولها به.
وقال الموقع الأمريكي: "إن هذا السلوك خلق خيبة أمل عميقة وشكاً بين كبار المسؤولين الإسرائيليين بشأن الدور الأمريكي في محادثات صفقة تبادل الأسرى، وقد يؤثر سلباً على سير المفاوضات". فيما رد مسؤول أمريكي كبير بأن الدبلوماسيين الأمريكيين يتواصلون مع نظرائهم الإسرائيليين، ولم تكن هناك أي مفاجآت. وأوضح المسؤول الأمريكي أن "هذه عملية صعبة للغاية، حيث تتم المفاوضات من خلال وسطاء في الدوحة والقاهرة".
وقال مصدر إسرائيلي مطلع على المفاوضات إن الولايات المتحدة دعت الإسرائيليين إلى القاهرة خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنهم اختاروا عدم إرسال فريق. فيما اعترف أحد المسؤولين بأن إسرائيل أخطأت بعدم إرسال وفد للمشاركة في المحادثات.
المسؤولون زعموا أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز، ومسؤولين آخرين في إدارة بايدن الذين شاركوا في المفاوضات كانوا على علم بالاقتراح الجديد لكنهم لم يخبروا إسرائيل. كما أشاروا أيضاً إلى أن اللمسات الأخيرة على الاقتراح تم إجراؤها صباح الإثنين 6 مايو/أيار 2024، في الدوحة بعلم إدارة بايدن٬ مما وضع إسرائيل في حرج كبير.
يديعوت أحرونوت: "السنوار خلط الأوراق ورمى الكرة في ملعب نتنياهو"
تقول صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن التغيير الكبير بالنسبة لحماس الآن الالتزام أمام الجميع بإعلان نهاية الحرب٬ حيث تضع البنود التي وافقت عليه الحركة إسرائيل على أعتاب وقف طويل لإطلاق النار٬ مما يضع نتنياهو في مأزق سياسي صعب.
وتزعم الصحيفة العبرية أنه برغم أن المقترح مصري قطري لم يكن مقبولاً لدى إسرائيل مسبقاً، إلا أن رد حماس الإيجابي على هذا الاقتراح يخلط الأوراق من جديد ويرمي الكرة في ملعب إسرائيل. والآن يتعين على الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو أن تقرر ما إذا كانت تنوي العدول عن موقفها تحت الضغوط الأمريكية والرد بشكل إيجابي على الاقتراح والموافقة على إنهاء الحرب٬ أو استمرار الرد بشكل سلبي٬ وهو ما يعني أن العالم سينظر إلى إسرائيل أنها رفضت إمكانية إنهاء الحرب وتريد التصعيد فقط.
ويبدو أن حماس نجحت في ذلك٬ حيث لم يصدر الإعلان باسم "مصدر" في حماس، بل من خلال إعلان رسمي ورد فيه أن رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية اتصل هاتفياً برئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن الرحمن آل ثاني، ووزير المخابرات المصري كمال عباس، وأبلغهما أن الحركة تقبل اقتراحهما بوقف إطلاق النار. وقال مسؤول مصري كبير إن وفداً من الحركة سيصل على الأرجح إلى القاهرة الثلاثاء لاستكمال المباحثات الخاصة بالصفقة٬ حيث سترسل إسرائيل وفدها للقاهرة أيضاً، بحسب ما أعلن مكتب نتنياهو.
نتنياهو بين خيارين أحلاهما مرّ
وترى يديعوت أحرونوت أنه إذا استمر تعنّت نتنياهو حول الصفقة المصرية القطرية التي كانت واشنطن على علم بها، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى استقالة الوزيرين غانتس وآيزنكوت من الحكومة، وسيعطي الضغط الشعبي الإسرائيلي زخماً واسع النطاق، والذي من المحتمل أن يشمل مجموعات جديدة من بين الإسرائيليين غير أهالي الأسرى في غزة أو المتضامنين معهم.
ومن ناحية أخرى، إذا قال نتنياهو على مضض "نعم" للمقترح المصري القطري، فإنه سيضطر إلى وقف العملية في رفح، وقد سبق أن هدد عدد من وزرائه -وعلى رأسهم سموتريش وبن غفير بالطبع – بأن قبول مقترح الوسطاء يعني أن الحكومة الإسرائيلية ستنهار.
وبهذا المعنى فإن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، الرجل الذي عرف كيف يتعامل مع نتنياهو، وضع نتنياهو في أعقد وضع سياسي عرفه على الإطلاق٬ كما تقول الصحيفة العبرية.
وتضيف يديعوت أن "السنوار، ومعه هنية والآخرون، أجروا حساباتهم وأدركوا أن الاقتراح الجديد الذي طرح على طاولتهم لا يوفر لهم الشرط المسبق -أي التوقف التام للحرب في المرحلة الأولى- ولكنه في المقابل، هو يمهد الطريق لمثل هذا التوقف في أقل من شهر ونصف بقليل. وإذا استوفى الجانبان الشروط وتم إطلاق سراح المختطفين بالمعدل المحدد في الاتفاق، فسيكون لدينا وقف دائم لإطلاق النار. وبأبسط الكلمات: بقاء حكم حماس في غزة. هذا ما أرادته الحركة منذ اليوم الأول".
بالتالي٬ إذا أجبرت إسرائيل بالرد بإيجاب على المقترح المصري القطري، فإن حماس ستخرج منتصرة من هذه الحرب، ليس فقط في العالم العربي، بل حتى هنا في إسرائيل. كما أنها ستكون قد نجحت بتغيير نظرة العالم إلى الفلسطينيين، وجعل من دولة إسرائيل مصابة بـ"الجذام" في عيون الكثيرين. وكما ذكرنا، الكرة الآن في ملعب إسرائيل، وسيبقى أن نرى كيف سيكون رد فعل نتنياهو٬ تقول الصحيفة العبرية.
نتنياهو يحاول "حفظ ماء وجهه" بدخول رفح واستعراض القوة
يقول محللون لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن الإجراءات الإسرائيلية المتمثلة في الهجوم المحدود على رفح يمكن أن تزيد الضغط على حماس للتوصل إلى اتفاق أو قد تكون بهدف تخريب المحادثات. حيث لا يزال الهجوم الإسرائيلي يركز على المناطق الحدودية في رفح٬ لكنه يمكن أن ينذر بما سيأتي لاحقاً.
وقال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إنه "من المحتمل أن حماس اعتقدت أن تعجيل نتنياهو بعملية إسرائيلية واسعة النطاق في رفح سيكون لصالحها، لأنه سيعزل إسرائيل عالمياً وتعميق الانقسام بين الولايات المتحدة وإسرائيل"٬ على حد وصفه.
وفي الوقت نفسه، يقول ألترمان: ربما يكون نتنياهو يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف من خلال العملية في رفح٬ من خلال اعتقاده أن ذلك سيدفع حماس إلى الاستسلام، وإظهار الجمهور الإسرائيلي أنه ضرب رفح كما وعد حلفاءه المتطرفين أيضاً وبذلك يكون حفظ ماء وجهه٬ والثالث هو الحصول على الفضل من بايدن والإدارة الأمريكية لعدم شن هجوم واسع النطاق على رفح تخشى واشنطن أن يؤدي إلى كارثة إنسانية". وأضاف ألترمان: "هناك أسرار هنا لا أعرفها٬ وفي الوقت نفسه، ربما لا يعرف أي طرف نقطة الانهيار لدى الآخر"٬ بحسب تعبيره.
من جهته٬ قال خالد الجندي، الباحث في معهد الشرق الأوسط ومستشار سابق للسلطة الفلسطينية خلال مفاوضات السلام٬ إنه يشك في أن نتنياهو يريد بالفعل اتفاق وقف إطلاق النار بسبب سياساته الداخلية. وقال لصحيفة نيويورك تايمز: "لا أعتقد أن التحركات داخل رفح٬ بما في ذلك أوامر الإخلاء للمدنيين، هي مجرد تكتيك للتفاوض. نتنياهو يحتاج إلى عملية في رفح للبقاء في السلطة واسترضاء المتطرفين في ائتلافه الحاكم". وأضاف: "خلاصة القول، لن يكسب نتنياهو الكثير من اتفاق وقف إطلاق النار وسيخسر الكثير بمجرد انتهاء الحرب".
وبطبيعة الحال، فإن انعدام الثقة على الجانبين يجعل التوصل إلى اتفاق أمراً بعيد المنال. وبينما يبدو أن الجانبين متصالحان بشأن المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، لا يزال هناك عدد من الاختلافات الأخرى وفقاً لأشخاص مطلعين عليهما. لكن الخلاف الأساسي هو ما إذا كان الاتفاق سينهي الحرب بشكل كامل في نهاية المطاف أم لا.