يتجه مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة للتصويت على قبول عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، فماذا يعني ذلك؟ وما احتمالات تمرير القرار؟ وما الامتيازات التي سيحصل عليها الفلسطينيون؟
كانت السلطة الفلسطينية قد تقدمت، مطلع أبريل/نيسان الجاري، بطلب إلى مجلس الأمن الدولي للنظر مرة أخرى في طلب كانت السلطة قد قدمته عام 2011 لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لكن المجلس لم يعقد أي جلسة للتصويت على القرار من قبل.
طلب فلسطيني عمره 13 عاماً
كانت البعثة الفلسطينية في الأمم المتّحدة قد نشرت، مساء الثلاثاء 16 أبريل/نيسان، على حسابها في منصة إكس "تويتر سابقاً"، بياناً أصدرته مجموعة الدول العربية في الأمم المتّحدة يطالب مجلس الأمن الدولي "بقبول دولة فلسطين كدولة عضو في الأمم المتّحدة".
وقالت المجموعة العربية في البيان: "إننا ندعو جميع أعضاء المجلس إلى التصويت لصالح مشروع القرار الذي قدّمته الجزائر باسم المجموعة العربية مساء الثلاثاء، وعلى أقلّ تقدير، نناشد أعضاء المجلس عدم عرقلة هذه المبادرة الأساسية".
وكي يتم قبول دولة ما عضواً في الأمم المتحدة لابد من صدور قرار من الجمعية العامة بأغلبية الثلثين، ولكن لا يتم هذا التصويت إلا بعد توصية إيجابية بهذا المعنى صادرة من مجلس الأمن الدولي.
يبلغ عدد أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة 193 دولة، وبحسب السلطة الفلسطينية، هناك 137 دولة حول العالم تعترف بدولة فلسطين، أي أن نصاب أغلبية الثلثين في الجمعية العامة متوفر بالفعل.
وكانت السلطة الفلسطينية قد سعت بالفعل، في عام 2011، للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لكن مجلس الأمن لم يعقد جلسة للبت في الأمر. وفي عام 2012، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإيجاب لصالح قبول فلسطين كعضو مراقب في المنظمة الأممية.
وضع "دولة غير عضو بصفة مراقب" هو الوضع الحالي لفلسطين في الأمم المتحدة، وهو الوضع نفسه الذي تتمتع به الفاتيكان. ويعطي هذا الوضع لأصحابه الحق في المشاركة في جلسات الأمم المتحدة؛ لكن بدون حق التصويت على القرارات.
لكن حصول فلسطين على وضع "دولة غير عضو بصفة مراقب" منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012 سمح للفلسطينيين بالانضمام إلى المنظمات الدولية الأخرى، بما فيها محكمة العدل الدولية، التي تدرس حتى اليوم مدى قانونية "الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات وضم الأراضي الفلسطينية"، إضافة إلى قضية ارتكاب إسرائيل "إبادة جماعية" في غزة، التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام المحكمة خلال الحرب الجارية على قطاع غزة.
ما وضع طلب فلسطين الآن؟
في الثاني من أبريل/نيسان، تقدمت السلطة الفلسطينية رسمياً بطلب إلى مجلس الأمن لإعادة فتح ملف انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. والإثنين 15 أبريل/نيسان، وافق مجلس الأمن على إعادة النظر في الطلب، دون اعتراض من أي من أعضائه (15 عضواً).
ثم تمت إحالة الطلب إلى اللجنة المعنية بتحديد ما إذا كان أصحاب الطلب المقدم (أي الفلسطينيون) مؤهلون للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. ويعني هذا، بموجب القانون الدولي، أن تكون هناك لهذه الدولة حدود معروفة وسكان دائمون يعيشون على هذه الأرض، وأن تكون لديهم حكومة وقدرة على إقامة علاقات دولية.
وفي حالة موافقة اللجنة المعنية على الطلب، يعود الملف إلى مجلس الأمن وتنعقد جلسة للتصويت على القرار. تتطلب الموافقة هنا 9 أعضاء من الأعضاء الخمسة عشر، لكن بشرط ألا يوجد فيتو أو حق النقض. هذا الحق حصري على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين.
وإذا ما تمت الموافقة على طلب العضوية في مجلس الأمن، يتم إحالة القرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت عليه بأغلبية الثلثين.
ما احتمالات الحصول على العضوية؟
نقلت وكالات الأنباء عن دبلوماسيين في الأمم المتحدة أن السلطة الفلسطينية، ومعها المجموعة العربية في الأمم المتحدة، تسعى إلى أن يعقد مجلس الأمن جلسة التصويت، الخميس 18 أبريل/نيسان، على أقرب تقدير. ووزعت الجزائر، العضو بمجلس الأمن، مسودة نص في وقت متأخر من مساء الثلاثاء.
ويوصي مشروع القرار الجزائري الجمعية العامة بقبول "دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة".
وفي الوقت نفسه وبالتزامن مع بيان المجموعة العربية، اتفقت لجنة مجلس الأمن المعنية بقبول الأعضاء الجدد، المؤلفة من جميع أعضاء المجلس، على إصدار تقريرها الثلاثاء بعد اجتماعها مرتين لمناقشة الطلب الفلسطيني.
وذكر التقرير، الذي اطلعت عليه رويترز، أنه "فيما يتعلق بمسألة ما إن كان الطلب يستوفي جميع معايير العضوية.. لم تتمكن اللجنة من تقديم توصية بالإجماع إلى مجلس الأمن"، مضيفاً أنه "تم التعبير عن وجهات نظر متباينة".
وقال دبلوماسيون إنه لا يزال من المتوقع أن تحث السلطة الفلسطينية مجلس الأمن على التصويت على مشروع قرار يوصي بأن تصبح عضواً كامل العضوية في المنظمة الدولية.
ما موقف أصحاب الفيتو؟
الصين وروسيا تعترفان بالفعل بدولة فلسطين وتقيمان علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية. يظل لدينا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا (من أصحاب حق الفيتو). عبرت بريطانيا وفرنسا خلال الفترة الماضية عن التوجه نحو الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، انطلاقاً من مبدأ "حل الدولتين"، بحسب التصريحات الصادرة عن لندن وباريس، وهو الموقف نفسه الذي يتبناه الآن الاتحاد الأوروبي.
في هذا الإطار، قال غيلبرت أشكار أستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في جامعة SOAS بلندن، لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إن طلب فلسطين "يمتلك الآن احتمالات قبول أعلى من أي وقت مضى"، لأن الحكومات الغربية تبحث "النأي بنفسها" عن الحرب الإسرائيلية على غزة.
"من هذا المنطلق رأينا فرنسا، وأعقبتها المملكة المتحدة، تغيران موقفهما مع الوقت، ولمَّحتا إلى إمكانية دعم طلب (السلطة الفلسطينية)، بحسب أشكار، الذي أضاف أن ذلك يجعل من "الفيتو" الأمريكي المحتمل العقبة الوحيدة أمام طلب فلسطين.
أشكار استدرك في تصريحاته للصحيفة أن واشنطن ربما تمتنع عن التصويت، كما فعلت في مارس/آذار الماضي عندما أصدر المجلس قراراً يدعو لوقف إطلاق النار في غزة.
السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، قالت الأربعاء 17 أبريل/ نيسان، إنها لا ترى أن بإمكان مشروع القرار بأن تنال السلطة الفلسطينية عضوية كاملة في المنظمة، أن يساعد على الوصول إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
أدلت توماس غرينفيلد بهذه التصريحات خلال مؤتمر صحفي في سول بعد سؤالها عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لإقرار طلب السلطة الفلسطينية الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وقالت؛ "لا نرى أن الموافقة على قرار في مجلس الأمن سيوصلنا بالضرورة إلى مرحلة يمكننا أن نجد فيها أن حل الدولتين يمضي قدماً".
ورغم ذلك، أضافت غرينفيلد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال بشكل قاطع إن واشنطن تدعم حل الدولتين وتعمل على تحقيق ذلك في أقرب وقت ممكن.
مأزق بايدن مع نتنياهو وإسرائيل
موقف واشنطن المعلن هو "حل الدولتين"، لكن الحليف الاستراتيجي والداعم الأكبر لإسرائيل يواجه الآن موقفاً معقداً للغاية، بحسب تقرير واشنطن بوست. فمبرر الولايات المتحدة منذ عقود لعدم الاعتراف بدولة فلسطينية هو أن هذه المسألة سيتم حسمها عبر المفاوضات المباشرة.
"عملية السلام" التي تقودها وتتوسط فيها واشنطن "خاملة" منذ سنوات، لكن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى اليوم، واجهت إدارة جو بايدن مأزقاً معقداً للغاية. فمن ناحية، تسعى واشنطن لكبح جماح تل أبيب وحكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية لوقف الحرب على غزة، ومن ناحية أخرى عادت القضية الفلسطينية لتحتل صدارة الأجندة الدولية ويطالب الجميع الآن بالتصدي لدولة الاحتلال وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
وفي هذا الإطار، تعمل إدارة بايدن مع حلفائها على وضع خطة لما بعد الحرب على غزة تشمل إطاراً زمنياً محدداً لإقامة دولة فلسطين، بحسب واشنطن بوست.
لكن هناك عقبات كبيرة أمام هذه الخطة، أولها المعارضة المعلنة من جانب حكومة نتنياهو لمبدأ "حل الدولتين"، ويزعم نتنياهو أن الاعتراف بدولة فلسطين سيكون "مكافأة ضخمة" على الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس – يقصد عملية طوفان الأقصى العسكرية. أما حلفاء نتنياهو المتطرفون، خصوصاً وزير المالية سموتريتش، ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير وغيرهما، فهم معارضون لإقامة دولة فلسطينية مهما كانت الصيغة. وحتى معارضو نتنياهو ومنافسوه فيحجمون عن التصريح علناً بموقفهم من "حل الدولتين".
ويرى دونالد روثويل، خبير القانون الدولي في الجامعة الوطنية الأسترالية، أنه بينما "تدعم" الولايات المتحدة حل الدولتين في نهاية الأمر، إلا أن دعم عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة سيسرع من تحول ذلك إلى أمر واقع قبل التوصل لأي "اتفاق سلام".
"ستكون إدارة بايدن في غاية الحذر بشأن دعم عضوية فلسطين الكاملة (في الأمم المتحدة)؛ لأن هذه قضية سياسية معقدة للغاية، وبخاصة في عام الانتخابات (الأمريكية)"، بحسب ما قاله روثويل لواشنطن بوست.
وبشكل عام، لم يمر الصراع في فلسطين منذ تأسيس إسرائيل قبل 76 عاماً بمرحلة أكثر نضجاً للتوصل إلى حل نهائي مثلما يحدث الآن.
"تناقض شرق أوسطي"، فتحتَ هذا العنوان نشرت فورين بوليسي تقريراً يرصد كيف أن المأساة الحالية على أرض فلسطين التاريخية تمثل أكثر "لحظة وضوح" بشأن العناصر الجوهرية الحتمية لبناء تسوية سلمية مستقبلية.
كم دولة تعترف بفلسطين الآن؟
منذ عام 1988، أعلنت 140 دولة عضواً في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، بحسب خطاب مرفق مع الطلب الفلسطيني قدمته الأسبوع الماضي المجموعة العربية في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز.
وفي الشهر الماضي، أعلن قادة إسبانيا وأيرلندا ومالطا وسلوفينيا، في بيان مشترك، أنهم سيعملون على الاعتراف بدولة فلسطين عندما "تكون الظروف مواتية". والثلاثاء 16 أبريل/نيسان، قال وزير خارجية أستراليا، بيني وونغ، إن "المجتمع الدولي يدرس الآن مسألة الدولة الفلسطينية كوسيلة لبناء زخم يقود إلى حل الدولتين".
لكن روثويل قال لواشنطن بوست إنه يشك بأن تعترف أستراليا بدولة فلسطين من خلال موقف فردي، لكن ذلك قد يحدث من خلال "موقف جماعي من دول مواقفها متشابهة وفي توقيت واحد".
ماذا قد يستفيد الفلسطينيون؟
التحول من صفة مراقب إلى دولة تتمتع بعضوية كاملة في الأمم المتحدة سيعني أن فلسطين سيكون لها صوت في الأمم المتحدة ومنظماتها، لكن ذلك سيكون انتصاراً "رمزياً" للسلطة الفلسطينية، بينما إسرائيل تحتل الضفة الغربية والقدس الشرقية، التي أعلنت تل أبيب ضمها بشكل غير قانوني، إضافة إلى قطاع غزة الذي يشهد عدواناً إسرائيلياً مستمراً منذ أكثر من 6 أشهر.
وفي هذا الإطار، لم يتم إحراز أي تقدم يُذكر في سبيل إقامة الدولة الفلسطينية منذ توقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في أوائل التسعينيات، على الرغم من أنه كان من المفترض أن تنتهي مفاوضات الحل النهائي ويعلن قيام دولة فلسطين في مايو/أيار 1999.
المساعي الفلسطينية للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تجددت الآن بعد مرور 6 أشهر على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في وقت تعمل فيه إسرائيل على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وهي واحدة من العقبات الرئيسية التي تقف أمام إقامة الدولة الفلسطينية.