تخشى الولايات المتحدة اتساع نطاق الحرب بين إيران وإسرائيل٬ حيث لا تستطيع إدارة بايدن ترك إسرائيل وحدها إذا ما تعرضت لهجوم عنيف من إيران وأصبحت الحرب مفتوحة٬ وستكون مجبرة على الدفاع عنها والغرق في مستنقع حرب جديدة بالشرق الأوسط الذي سعت الإدارة الأمريكية للانسحاب تدريجياً منه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول٬ 2024 وصب اهتمام تركيزها على مناطق أخرى مثل شرق آسيا حيث يتسع التهديد الصيني٬ وشرق أوروبا؛ حيث يستمر التهديد الروسي٬ وبالتالي اختلال موازين القوة لصالح روسيا والصين على حساب واشنطن.
ما الأسباب التي تدفع الغرب لعدم تأييد إسرائيل في شن هجوم على إيران؟
بعد أن شنَّت إيران الهجوم مباشرة من أراضيها على إسرائيل والذي لم يحدث من قبل في المواجهات بين الطرفين٬ أثار ذلك مخاوف شديدة لدى أمريكا والغرب عموماً بشأن التدهور السريع للوضع في الشرق الأوسط، فيما تتبنى كل من إسرائيل وإيران "سياسة حافة الهاوية".
ويرى خبراء أن الغرب يستحيل أن يتقبل فكرة توسيع الحرب في المنطقة حتى لو كان هذا الخيار يتعلق برغبة إسرائيل في "الدفاع عن نفسها وردع خصومها"٬ لأن توسيعها للحرب في ظل انشغال الغرب بحرب روسيا وأوكرانيا٬ وتضخم تهديدات الصين في شرق آسيا٬ وتأثير حرب حرب جديدة في الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي وارتفاع أسعار النفط٬ وتزامن ذلك كله مع بدء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة٬ يعني كارثة سياسية واستراتيجية كبيرة.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ظل يردد الرئيس الأمريكي أنه يريد "منع نشوب حرب شاملة في الشرق الأوسط". لكنه يوم السبت 13 أبريل/نيسان واجه التصعيد الذي حاول تفاديه بسبب تهور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك بعد أن أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ، وهي المرة الأولى التي تهاجم فيها طهران إسرائيل هجوماً مباشراً، رداً على اغتيال إسرائيل عدداً من قادة الحرس الثوري في مبنى تابع للسفارة الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل/نيسان 2024 دون مشاورة الأمريكيين.
وبإطلاقها هذا الوابل من الصواريخ والمسيرات، أزاحت إيران غطاء حرب الظل بينها وبين إسرائيل التي استمرت لسنوات طويلة. وهذا الهجوم المباشر يضع إسرائيل في مواجهة تحدي الرد العسكري، ويدفع إدارة بايدن إلى البحث عن طريقة لتجنب التصعيد الذي كانت تخشاه في المنطقة، كما تقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
تقول الصحيفة الأمريكية إن إدارة بايدن تأمل حالياً أن يؤدي "الضغط السياسي الدولي" على إيران و"الإقناع الهادئ" لإسرائيل، التي يزداد اعتمادها في حفظ أمنها على الحماية الدفاعية الجوية والصاروخية الأمريكية، إلى تخفيف التوترات بينهما.
ولكن حتى لو كان من الممكن تجنب التصعيد في الساعات والأيام المقبلة، فسيتعين على الولايات المتحدة وحليفتها الأولى في الشرق الأوسط التعامل مع منطقة مضطربة تزداد حاجتها لتدخل سياسي وعسكري أمريكي رغم آمال البيت الأبيض في تحويل انتباهه إلى آسيا، حيث يتعاظم نفوذ الصين وأخطارها.
وقال نورمان رول، الذي كان يرأس شؤون إيران في الاستخبارات الأمريكية: "الشرق الأوسط يتغير، الخط الأحمر بألا تهاجم إسرائيل وإيران بعضهما بصورة مباشرة انمحى الآن. وكل دولة ستدّعي الآن أنها تستطيع اللجوء إلى هذا الخيار رداً على التهديدات الأمنية، رغم أن أي هجمات مستقبلية قد لا تكون بهذا النطاق".
هل ستتورط الولايات المتحدة في حرب إسرائيلية إيرانية؟
نتيجة الحرب سوف تعتمد إلى حد كبير على مقدار الدعم الذي قد تكون الولايات المتحدة، الحليف الأكثر أهمية لإسرائيل، على استعداد لتقديمه. وقد استنفدت مواردها بالفعل بسبب الحرب في أوكرانيا، إلى درجة أن المسؤولين الإسرائيليين اشتكوا من أنهم لا يتلقون الأسلحة المطلوبة من الولايات المتحدة، كما أن بايدن يكره الخوض في صراع في الشرق الأوسط، وخاصة في عام الانتخابات.
وقالت الولايات المتحدة صراحة إنها لن تنضم إلى إسرائيل في أي هجوم مباشر على إيران. لكن عموماً لا أحد يستطيع التنبؤ بالحروب ومآلاتها ومفاجآتها٬ ولا يوجد شك لدى إسرائيل في دفاع أمريكا عنها لو تعرضت لهجوم قوي وحقيقي من إيران أو غيرها.
وفي وقت مبكر من الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة٬ شعرت إدارة بايدن بالقلق من أن إسرائيل كانت على وشك توسيع الحرب إلى لبنان. وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، نجح الرئيس الأمريكي بايدن في إقناع نتنياهو بتعليق خطط توجيه ضربة استباقية ضد حزب الله في لبنان. لكن ما لم يقدره بايدن ولا المؤسسة في واشنطن بشكل كامل هو أن نتنياهو سعى، منذ أواخر التسعينيات، إلى جر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران٬ كما تقول مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
لدى نتنياهو مصلحة في إطالة أمد الحرب المستمرة مع غزة منذ اللحظة التي تنتهي فيها، ومن المرجح أن تنتهي مسيرته السياسية أيضاً – وقد يتبع ذلك حكم بالسجن قريباً إذا استمرت محاكمته بالفساد والتقصير في الفشل الذريع الذي وقع بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول. وعلى نحو مماثل، فإن الزعيم الإسرائيلي المتطرف لديه أيضاً رغبة طويلة الأمد في توسيع الصراع للتعامل مع ما يعتبره التهديد الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل: إيران.
إن صراعاً عسكرياً مع إيران يجذب الولايات المتحدة٬ من شأنه أن يحقق عدة أهداف إسرائيلية. فهو من شأنه أن يضعف برنامج إيران النووي فضلاً عن جيشها التقليدي، وبذلك يستعيد توازناً إقليمياً أكثر ملاءمة لإسرائيل بينما يمنع أيضاً التقارب أو عقد أي صفقة بين الولايات المتحدة وإيران الذي يعتبره الإسرائيليون بمثابة تخلي واشنطن عن إسرائيل. ومن شأن هذا الصراع أن يضعف أيضاً شركاء إيران الإقليميين أو حلفائها، من حزب الله إلى الميليشيات العراقية إلى الحوثيين في اليمن، وجميعهم يعتمدون على الأسلحة الإيرانية والسخاء المالي.
لكن الحرب الأوسع لن تعزز الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، والدخول في صراع آخر في الشرق الأوسط يمكن أن يلحق ضرراً جسيماً ببايدن في عام الانتخابات ناهيك عن الضرر الأكبر الذي سيقع على أمريكا واقتصادها وسمعتها. والسؤال إذن هو ما إذا كانت واشنطن ستستخدم النفوذ الذي اكتسبته من خلال مساعدة إسرائيل في إسقاط الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية لمنع المزيد من التصعيد ودع نتنياهو المتهور.
هل يتخلى بايدن عن نتنياهو أم يتورط بحرب كارثية في المنطقة؟
لكن إذا كان بايدن يرغب حقاً في إعطاء الأولوية لمنع الحرب، فسوف يحتاج إلى وضع خطوط حمراء أقوى وأكثر وضوحاً وصرامة لنتنياهو. ويجب على بايدن أن يعلن بوضوح أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي تصعيد إضافي بعد الآن. وعليه أن يشير إلى إسرائيل بأن المساعدات العسكرية الأمريكية لم تعد من الممكن أن تكون غير مشروطة٬ كما تقول مجلة فورين بوليسي.
وينبغي لبايدن وإدارته أن يأخذوا صفحة من كتاب قواعد اللعبة التي يمارسها بوش الأب، الذي رفض خلال حرب الخليج الأولى تزويد إسرائيل برموز IFF (تعريف "الصديق أو العدو" للتمييز بين الطائرات المعادية والصديقة) وبالتالي منع إسرائيل من مهاجمة العراق وتفكيك تحالف بوش المناهض لصدام.
إن نتنياهو٬ الذي يتطلع إلى إطالة أمد الحرب وتوسيعها من أجل تجنب عقوبة السجن التي من المحتمل أن تنتظره في نهاية حياته السياسية٬ تجاهل باستمرار المقاومة الناعمة والخاصة من بايدن في الأشهر السبعة الماضية وقد يفعل ذلك مرة أخرى٬ وحتى الآن، لم يواجه أي عواقب لتحديه واشنطن.
وهذا هو الفشل الحتمي لنهج بايدن٬ كما تقول "فورين بوليسي"٬ حيث إن سياسة العناق تجاه إسرائيل وانفصاله عن طريقة تعامل الرؤساء الأمريكيين السابقين مع إسرائيل سيقوده لمزيد من الفشل. ولكن في حين أن أكثر من 33 ألف فلسطيني من الضحايا الأبرياء دفعوا ثمن عناق بايدن-نتنياهو٬ فإن الشعب الأمريكي والجنود الأمريكيين – يمكن أن ينتهي بهم الأمر إلى دفع ثمن هذا العناق٬ حيث قد يحصل نتنياهو أخيراً على الحرب التي رفضتها ثلاث إدارات أمريكية قبل هذه الإدارة الضعيفة.