أمضت حكومة الحرب الإسرائيلية اليومين الماضيين وقتها في مناقشة كيفية الرد على أول هجوم مباشر لإيران على إسرائيل وقع يوم 14 من أبريل/نيسان 2024، وذلك بعدما كانت تل أبيب قد قصفت مبنى تابعاً للسفارة الإيرانية في دمشق، وقتل في تلك الغارة عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني مطلع أبريل/نيسان الجاري.
وتضمن الهجوم الإيراني أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار، تم اعتراض معظمها بمساعدة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن. ويرى الإسرائيليون أنه يجب على الدولة أن تتخذ نوعاً من الإجراءات لتثبت لإيران أن مثل هذا الهجوم غير المسبوق والاستعراض للقوة لا يمكن أن يمر دون عواقب، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يؤخذ في الاعتبار عدم الغرق بحرب مفتوحة٬ حيث تهدد طهران بأنها ستضرب مرة أخرى "بقوة أكبر" إذا ردت إسرائيل؛ لذلك فإن جميع الخيارات الإسرائيلية لا تخلو من المخاطر الكبيرة.
ما سيناريوهات الرد الإسرائيلي على إيران؟
الدمار الذي خلفته الضربات الإيرانية كان من الممكن أن يكون أسوأ بكثير لولا مساعدة أمريكا وبريطانيا والأردن وفرنسا لإسرائيل، لكن من وجهة نظر نتنياهو وقادة الجيش، فإن هناك خطاً أحمر كبيراً تم تجاوزه فيما يتعلق بنظريات الأمن والردع الإسرائيلية.
الأسئلة المهمة حول الرد هي كيف ومتى٬ ففي حين أن تصريحات غالانت وغانتس أشارت ضمناً إلى أن الرد الإسرائيلي المباشر على طهران ليس وشيكاً، فإن نتنياهو لم يتخذ قراراً رسمياً بعد. وقد أوضح المتحدث العسكري الرئيسي، دانييل هاغاري، أن إسرائيل تبقي خياراتها مفتوحة. وقال للصحفيين يوم الأحد: "خلال الساعات القليلة الماضية، وافقنا على خطط عملياتية للعمل الهجومي والدفاعي".
وأفادت القناة 12 الإسرائيلية، الإثنين 15 أبريل/نيسان 2024، بأن مجلس وزراء الحرب ناقش مجموعة من خيارات الرد على إيران في اجتماعه الإثنين، بهدف إيذاء طهران لكن دون التسبب في حرب شاملة. وفي تقرير لم تذكر مصدره، قالت القناة إن نية إسرائيل هي الشروع في عمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة، التي قالت إنها لن تشترك مع إسرائيل في أي هجوم مباشر على إيران.
ورجحت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، الإثنين 15 أبريل/نيسان، رداً إسرائيلياً سريعاً على إيران، فيما قال موقع "واللا" الإسرائيلي، إن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أكد لنظيره الأمريكي لويد أوستن ضرورة الرد على طهران. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين وغربيين (لم تسمّهم) قولهم إنهم يتوقعون أن "ترد إسرائيل بسرعة على الهجوم الإيراني".
ونقل الموقع عن مسؤول أمريكي ومصدر آخر مطلع، لم يسمهما، قولهما إن "غالانت قال لأوستن في مكالمة هاتفية، الأحد 14 أبريل/نيسان 2024، إنه ليس أمام إسرائيل خيار سوى الرد على الهجوم غير المسبوق الذي شنته إيران بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل". وأضاف غالانت خلال الاتصال أن إسرائيل أيضاً "لن تكون قادرة على قبول وضع، ترد فيه إيران بهجوم من أراضيها على إسرائيل في كل مرة تقوم فيها تل أبيب بهجمات في سوريا".
– قصف منشأة إيرانية
من جانبها٬ نقلت شبكة "CNN" الأمريكية، الإثنين 15 أبريل/نيسان، عن مسؤولين إسرائيليين، قولهم إن حكومة الحرب تجري نقاشاً ساخناً حول كيفية وتوقيت الرد على الهجوم الإيراني، مؤكدين أنها لا تزال مصممة على ذلك. وقالت المصادر إن غانتس يعتقد أنه كلما تأخرت تل أبيب في الرد على الهجوم الإيراني، أصبح من الصعب حشد الدعم الدولي لمثل هذا الهجوم. وقد حذرت العديد من الدول "إسرائيل" بالفعل من تصعيد الوضع بشكل أكبر من خلال الرد العسكري.
بشأن الخيارات العسكرية التي يتم النظر فيها، بحسب مصادر CNN، فإن حكومة الحرب الإسرائيلية تدرس الهجوم على منشأة إيرانية كرسالة لكنه سيتجنب التسبب في وقوع إصابات. لكن المسؤولين الإسرائيليين يدركون أن ذلك سيكون أمراً صعباً، ومن هنا يأتي الجدل الدائر، ولا يزال توقيت القرار غير واضح، بحسب الشبكة الأمريكية.
– قصف مواقع عسكرية تقليدية أو مصانع طائرات مسيّرة
في السياق٬ قالت المحللة الإسرائيلية، سيما شاين، والتي كانت تعمل رئيسة لقسم البحث والتقييم في جهاز الموساد، وتدير حالياً برنامجاً حول إيران في معهد دراسات الأمن القومي ومقره تل أبيب، إن رد الدولة العبرية المحتمل "سيكون وفقاً لنفس المعايير: على المواقع العسكرية، وليس المدنية والاقتصادية"، حسبما صرحت لوكالة الأنباء الفرنسية.
وقال الخبير الأمني الفرنسي ستيفان أودراند إنه حتى مع إسقاط إسرائيل وحلفائها معظم الصواريخ والمسيّرات، فإن هذا الحدث "يعيد كتابة العلاقات" بين الخصمين. ورأى أودراند أنه لاحتواء خطر التصعيد، "يجب على الإسرائيليين أن يكتفوا بضربات على مواقع تقليدية، على مواقع أُطلقت منها صواريخ، على مصانع طائرات مسيّرة".
– استهداف مواقع إيرانية بالمنطقة أو ضرب الحلفاء
ويرجح خبراء آخرون أن يكون الرد الإسرائيلي على إيران خارج إيران نفسها٬ بضرب أهداف لها في سوريا على سبيل المثال٬ أو استهداف مواقع لحلفائها في المنطقة؛ حيث قال الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د.عمر الرداد، في تصريح لفرانس برس: "أعتقد أن الرد الإسرائيلي سيكون عبر مواصلة ضرب أهداف عسكرية، بما فيها تلك التابعة للميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا ولبنان والعراق، بالإضافة إلى عمليات نوعية داخل إيران. وربما تكون هذه العمليات أوسع من العمليات السابقة، وأن تكون عملية كبيرة على غرار ما فعلته إيران"، مضيفاً أن "حكومات غربية وأوساط الرأي العام أصبحت تتقبل شن عمليات ضد إيران"٬ على حد تعبيره.
ما هي القضايا التي يجب على إسرائيل التفكير بها قبل الرد على إيران؟
هناك ثلاثة عوامل رئيسية يجب على إسرائيل أن تدرسها قبل أن ترد، وفقاً لراز زيميت، الباحث في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي الذي يركز على إيران.
يقول زيميت لصحيفة الغارديان البريطانية:
- أولاً، كيف سترد إيران، لأنها أوضحت تماماً أن الانتقام الإسرائيلي سيقابل برد فعل أكثر قسوة.
- ثانياً، الموقف الأمريكي.. بايدن غير مهتم بالتصعيد الآن ويريد إنهاء هذه الجولة من القتال بسبب الانتخابات،
- ثالثاً، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحاول إسرائيل تجنب فتح جبهات جديدة حتى تتمكن من التركيز على قتال حماس والجهاد في غزة. يجب أخذ ذلك كله بعين الحسبان قبل اتخاذ أي قرار حول الرد.
لكن ضرب أهداف داخل إيران قد يشعل حرباً شاملة
تقول صحيفة الغارديان٬ من شبه المؤكد أن أي هجوم مباشر على أهداف عسكرية أو بنية تحتية داخل إيران سيؤدي إلى حرب شاملة، على الرغم من أن بعض الشخصيات المتشددة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قد تنظر إلى التطورات التي جرت نهاية هذا الأسبوع باعتبارها فرصة سانحة لملاحقة المنشآت النووية الإيرانية.
كما أن الإجراءات السرية التي استخدمتها إسرائيل بالفعل ضد إيران عدة مرات ـ الهجمات السيبرانية، أو ضرب الأصول الإيرانية في دول ثالثة مثل سوريا، أو عدم إعلان المسؤولية عن هجوم على موقع لتصنيع الطائرات بدون طيار على سبيل المثال- من بين الأوراق أيضاً.
وسيكون من الصعب على طهران إلقاء اللوم مباشرة على تل أبيب في مثل هذا الهجوم، لأن ذلك يعني الاعتراف بأن البلاد عرضة للعمليات الإسرائيلية على أراضيها.
هل إسرائيل مستعدة بالفعل للحرب مع إيران، في ظل انشغالها بغزة؟
المحللون والضباط العسكريون السابقون واثقون من أن إسرائيل ستخرج في وضع أفضل من إيران إذا ذهب الجانبان إلى الحرب: فقد استعدت البلاد لسيناريو متعدد الجبهات لسنوات. ومع ذلك، فمن المؤكد أن صراعاً أوسع يشارك فيه حزب الله في لبنان سيكون التهديد الأكثر خطورة الذي يواجه إسرائيل منذ حرب يوم الغفران عام 1973.
وتتطلب الحرب الإقليمية كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة وصواريخ الدفاع الجوي، مع ظهور بعض التقارير التي تفيد بوجود نقص بالفعل في الذخائر بسبب الحرب في غزة. وبدون التحذير المسبق الذي تم تقديمه بشأن ضربات نهاية هذا الأسبوع، فمن المرجح أن يتم التغلب على نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطور متعدد الطبقات.
كما ستتوقف الحياة الطبيعية في إسرائيل: 75% من الجيش يتكون من جنود احتياط. ومن المرجح أن تتأثر البنية التحتية الرئيسية مثل محطات الطاقة وإمدادات المياه والنقل، وسيكون التأثير على الاقتصاد القوي هائلاً.
وما استعدادات إيران نفسها للحرب؟
تعد إيران واحدة من أكثر الدول عسكرة في المنطقة، حيث يبلغ عدد جيشها الدائم ما لا يقل عن 580 ألف جندي ومخزون من 3000 صاروخ باليستي، وفقاً للتقديرات الغربية. ومع ذلك، أوضح المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، خلال الأشهر الستة الأخيرة من الحرب في غزة، أن إيران لا ترغب في الانجرار إلى صراع أوسع. ويعاني اقتصاد إيران وشعبها بالفعل من العقوبات واسعة النطاق التي فرضتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
السؤال الأكبر: هل ستتورط الولايات المتحدة في حرب إسرائيلية إيرانية؟
نتيجة الحرب سوف تعتمد إلى حد كبير على مقدار الدعم الذي قد تكون الولايات المتحدة، الحليف الأكثر أهمية لإسرائيل، على استعداد لتقديمه. وقد استنفدت مواردها بالفعل بسبب الحرب في أوكرانيا، إلى درجة أن المسؤولين الإسرائيليين اشتكوا من أنهم لا يتلقون الأسلحة المطلوبة من الولايات المتحدة، كما أن بايدن يكره الخوض في صراع في الشرق الأوسط، وخاصة في عام الانتخابات. وقالت الولايات المتحدة صراحة إنها لن تنضم إلى إسرائيل في أي هجوم مباشر على إيران. لكن عموماً لا أحد يستطيع التنبؤ بالحروب ومآلاتها ومفاجآتها٬ ولا يوجد شك لدى إسرائيل في دفاع أمريكا عنها لو تعرضت لهجوم قوي وحقيقي من إيران أو غيرها.