أقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن أخيراً على تهديد رئيس الوزراء نتنياهو بالقول إن على إسرائيل تغيير مسارها وإلا فستواجه عواقب من الولايات المتحدة، ولكن ما هي هذه العواقب التي وردت في مكالمة بايدن ونتنياهو، وكيف سيتعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي مع هذا التهديد.
بعد أن انتهت مكالمة بايدن ونتنياهو، أعرب مساعدو الرئيس الأمريكي عن تفاؤلهم بأن الإسرائيليين استوعبوا الرسالة وأنه قد لا توجد حاجة لتنفيذ هذا التهديد في النهاية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وخلال مكالمة بايدن ونتنياهو، حدد الرئيس الأمريكي ما أراد من إسرائيل أن تلتزم به حتى لا تخسر دعمه للحرب على حماس. ووفقاً لأشخاص مطلعين على المكالمة، لم يرفض نتنياهو مطالب بايدن بل تعهد بزيادة حجم المساعدات الإنسانية لغزة في ظرف ساعات، وقال إنه سيلبي مطالب بايدن الأخرى في الأيام المقبلة.
تهديد بايدن كان حاداً ولكن غير محدد
على أنه يظل من غير المؤكد إن كان ذلك سيكون كافياً لتجنب انهيار العلاقات الذي لم يرده بايدن في المقام الأول.
وأكد مسؤولو الإدارة أن تهديد الرئيس الأمريكي ليس تهديداً أجوف، وأنه كان "شديد الحدة"، مثلما وصفه أحدهم، في توضيح ما يريده لنتنياهو.
وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون إن بايدن لم يهدد بالحد من إمدادات الأسلحة الأمريكية خلال المكالمة أو قطعها، مثلما طالبه بعض الديمقراطيين بأن يفعل، ولم يحدد موعداً نهائياً لتلتزم إسرائيل بمطالبه. وظل جزء "وإلا" غير واضح وغير محدد.
مكالمة بايدن ونتنياهو هدفها دفع الأخير للتغلب على المتطرفين في حكومته
وقال مايكل أورين، وهو نائب وزير سابق في عهد نتنياهو وسفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة: "الرئيس بايدن بتلويحه بتغيير محتمل في سياسة الولايات المتحدة مع إسرائيل، يقدم لرئيس الوزراء نتنياهو فرصة للتغلب على المتطرفين اليمينيين في حكومته وتأمين موافقتها على زيادة المساعدات الإنسانية لغزة".
على أن هذا لا يضمن حدوث صدام حاد بين الطرفين. إذ يختلف منظور كل منهما وأهدافه وضغوطه السياسية في الحرب على حماس اختلافاً كبيراً.
فبايدن مستعد لإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، في حين أن لنتنياهو مصلحة في تمديدها.
لكن المسؤولين في البيت الأبيض يأملون في أن الرئيس ربما اكتسب بعض المساحة للمناورة. ويوم الجمعة 5 أبريل/نيسان، رحب المسؤولون بالإعلانات الإسرائيلية الأولية عن المساعدات الإنسانية واعتبروها دليلاً على نجاح مساعي بايدن.
الجمهوريون يتهمونه بالتخلي عن إسرائيل، وديمقراطيون يطالبونه بقيود على تصدير الأسلحة
على أن بعض المنتقدين الجمهوريين اتهموه بالتخلي عن إسرائيل. وكتب رئيس مجلس النواب مايك جونسون على الشبكات الاجتماعية: "هذا التحذير (الذي ورد في مكالمة بايدن ونتنياهو) يفترض أن يُوجّه لحماس، وليس إسرائيل. على بايدن ألا يقوض حليفتنا التي تواجه تهديداً وجودياً بربط دعمنا لها بشروط".
وعلى الجانب الآخر، لم يكن بعض الديمقراطيين مقتنعين بأن بايدن فعل ما يكفي. إذ أشاد السيناتور تيم كين من فرجينيا بالرئيس لإقناعه الإسرائيليين بتسهيل إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية، "لكن هذا حل واضح كان يفترض أن يحدث قبل أشهر"، حسب قوله.
وأضاف أن "النهج الحالي غير ناجح". وعلى إدارة بايدن "إعطاء الأولوية لإمداد إسرائيل بالأسلحة الدفاعية وحجب القنابل والأسلحة الهجومية الأخرى التي قد تقتل وتجرح المدنيين والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية".
وكان لافتاً في هذا الصدد، توقيع النائبة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة والحليف الرئيسي لجو بايدن، رسالة يوم الجمعة مع العشرات من الديمقراطيين في الكونغرس إلى الرئيس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، تدعو إلى وقف عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل.
وكان الدافع وراء تهديد بايدن لنتنياهو مقتل سبعة من عمال الإغاثة في المطبخ المركز العالمي هذا الأسبوع، الحادث الذي قال جون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي، إنه "صدم" الرئيس.
وخلال مكالمة بايدن ونتنياهو، أطلع الأخير الرئيس الأمريكي، على النتائج العامة للتحقيق الإسرائيلي في الحادث. وحذر بايدن، نتنياهو من أن إسرائيل يتعين عليها اتخاذ خطوات لمعالجة الأضرار التي تلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وإلا فستتخذ واشنطن إجراءات- لم تحددها- رداً على ذلك.
وأعلنت إسرائيل أيضاً، أنها ستفتح ميناء أسدود ومعبر إيرز لزيادة تدفق المساعدات إلى غزة، وقال بايدن للصحفيين عند سؤاله عما إذا كان قد هدد بوقف الدعم العسكري لإسرائيل: "طلبت منهم أن يفعلوا ما يفعلونه".
وقال بريان كاتوليس، الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "ربما يمثل هذا الحادث ومكالمة بايدن ونتنياهو تحولاً مهماً في ترتيب الأولويات، لترتفع أولوية حماية المدنيين والمساعدات الإنسانية. لكن يبقى أن نرى التأثير الذي سيحدثه هذا التحول. علينا أن نرى كيف سيتطور كل هذا في الأسابيع القليلة المقبلة".
لا تحركات ملموسة لتنفيذ هذه التهديدات وإليك خطة نتنياهو المتوقعة للتغلب على ضغوط بايدن
وقال خالد الجندي، المستشار السابق للقيادة الفلسطينية في محادثات سلام سابقة مع الإسرائيليين، إن تحول بايدن ملحوظ وإن كان متأخراً. وقال: "لهجة بيان الرئاسة الأمريكية بشأن مكالمة بايدن ونتنياهو بالتأكيد أكثر اقتضاباً وصرامة مما سمعناه من قبل. فربط السياسة الأمريكية بتغيير إسرائيل لمسارها يختلف تماماً عما نسمعه على الدوام من مسؤولي إدارة بايدن بأنه لا يصح أن نملي على دولة ذات سيادة ما عليها أن تفعل".
وأضاف: "حسناً، يبدو أنهم يملون عليهم ما عليهم أن يفعلوه الآن. لكن جانب "وإلا" ليس واضحاً. هل سيحجبون المساعدات العسكرية فعلاً؟ أشك. هل سيطالبون بقرار أكثر قوة لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن؟ ربما".
ويرى فرانك لوينشتاين، المبعوث الخاص السابق للسلام في الشرق الأوسط في عهد الرئيس باراك أوباما، أن التحركات المعلنة حتى الآن، "في الواقع خطوات محدودة جداً لن تغير بشكل ملموس الظروف المروعة التي يعيشها المدنيون في غزة".
وأضاف: "سيعتاد نتنياهو على أن يعلن الحد الأدنى من الخطوات اللازمة لتجنب عواقب وخيمة، ثم يتوانى في التنفيذ بعد أن تهدأ حدة الموقف".