مَن الأقوى، المقاتلة الروسية سوخوي 27، أم الأمريكية إف 15؟ سؤال يشغل خبراء وهواة الطيران حول العالم منذ سنوات، فالطائرتان هما من أقوى طائرات الجيل الرابع، وأكثرهما أهمية، وعلى أساسهما بنيت أقوى مقاتلات الجيل الرابع ونصف في العالم.
وبالنظر للنجاح الكبير للمقاتلتين، فإن سوخوي 27 ومشتقاتها سوخوي 30 و35 و34، هم عماد القوة الجوية الروسية، حيث تراجعت أهمية الميغ 29 بالنسبة لموسكو، كما أن المقاتلة الشبحية سوخوي 57 لم تدخل الخدمة بعد بشكل فعلي، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فرغم امتلاكها لمقاتلتين شبحيتين هما إف 22 وإف 35، فلقد قررت إنتاج نسخة جديدة من الإف 15 تدعى F-15 EX، في مؤشر على الأهمية البالغة بالنسبة لأمريكا لهذه المقاتلة التي تعود جذورها لنصف قرن مضى، رغم افتقادها للقدرات الشبحية.
وبات السؤال بشأن "مَن الأقوى، الروسية سوخوي 27، أم الأمريكية إف 15؟" له أهمية عسكرية كبرى الآن، لأن المقاتلتين ومشتقاتهما إضافة لكونهما يشكلان عماد القوة الجوية لأمريكا وروسيا، فلقد بات هناك احتمال أن تتواجه هاتان المقاتلان في سماء أوكرانيا.
فرغم أن الدول الغربية وعدت كييف بأن تنال مقاتلات من طراز إف 16 الأمريكية الصنع، ولكن لا يمكن استبعاد أن تصل المقاتلة الأمريكية إف 15 لأيدي الأوكرانيين في نهاية المطاف، خاصة أن أمريكا لديها 212 طائرة من الجيل القديم من هذه المقاتلة المعروفة باسم إف 15 إيغيل، ذات القدرات الدفاعية (تفقد قدرات القصف بشكل كبير)، وهي اقتربت من نهاية عمرها الافتراضي، ومن المتوقع إحالتها للتقاعد، ولذا قد تقدمها واشنطن بدلاً من تكهينها لكييف، لتتواجه مع طائرات سوخوي 27 الروسية ومشتقاتها الأكثر تقدماً سوخوي 30 و35 و34.
عائلة سوخوي 27 خلبت ألباب الغرب بمناورة أجرتها في عقر داره
كانت شركة سوخوي في العهد السوفييتي مؤسسة مرموقة دوماً، ومفضلة من قِبل الحزب الشيوعي، ولكنها واجهت منافسة كبيرة من شركة ميغ التي تفوقت في فترة الخمسينيات والستينيات عبر سلسلة من المقاتلات الناجحة مثل ميغ 15، ونسختها المطورة ميغ 17، ثم أسطورة المقاتلات فوق صوتية وأيقونة الحرب الباردة ميغ 21 التي أحرجت فانتوم الأمريكية الأحدث، تلاها ميغ 25 (Mikoyan-Gurevich MiG-25) نجمة الأرقام القياسية التي كانت تصل لسرعة 3.2 ماخ، وظهرت لأول مرة في سماء سيناء، حيث طاردها الإسرائيليون دون جدوى، ثم تألقت بأيدي العراقيين في الحربين ضد إيران وأمريكا، والتي دفعت الأمريكيين لتطوير الطائرة الشهيرة إف 15.
ولكن جاءت سوخوي 27 (فلانكر)، لتحسم التفوق لصالح سوخوي وتجعل شركة ميغ تنزوي في المرتبة الثانية بفارق كبير.
فعائلة فلانكر الروسية (الاسم يطلق من قِبل حلف الناتو)، تُعد من أشهر عائلات المقاتلات في العالم وتكاد تكون الأشهر في تاريخ الطائرات الروسية الأسرع من الصوت بعد مقاتلة الحرب الباردة السوفيتية الأسطورية ميغ 21، التي تُعد الطائرة الأسرع من الصوت الأكثر إنتاجاً في التاريخ.
بدأت عائلة فلانكر، في نهاية العهد السوفييتي كردٍّ على المقاتلة الأمريكية الشهيرة إف 15، التي شكلت قفزة كبيرة لصالح الأمريكيين.
ودخلت أولى طائرات عائلة فلانكر وهي سوخوي 27، الخدمة عام 1985 كمقاتلة تفوق جوي صافية دون قدرات قصف مع قدرة على العمل لمسافات بعيدة نسبياً، مقارنة بالمقاتلات السوفييتية الأخرى، خاصةً أختها الصغرى ميغ 29.
واكتسبت سوخوي 27 شهرة كبيرة في الغرب، بقدرتها الاستثنائية على المناورة التي تفوق منافستها الغربيات، ومنها مناورة الكوبرا الشهيرة التي أدتها بمعرض باريس في واقعة شهيرة عام 1989، حيث أبهرت الطائرة متابعيها الغربيين عندما انقلبت على عقبيها ليدور أنفها دورة شبه كاملة ويرتفع لأعلى كأنها تقف في السماء، بزاوية 120 درجة، وهي مناورة كان يُنظر إليها على أنها مستحيلة، ويُفترض نظرياً أنها تعطيها أفضلية في أي قتال جوي قريب، رغم أن هذه المناورة لم تختبر عملياً بعد.
كانت سوخوي 27 طائرة قتال جوي صافٍ، ولكن سرعان ما طوَّر الروس منها متغيرات عدة متعددة المهام لها قدرات قصف بحمولة ذخائر نحو 8 أطنان، إضافة إلى قدراتها القتالية، ومنها سوخوي 30 وسوخوي 33 (المخصصة لحاملات الطائرات) وسوخوي 35، حيث أثبت تصميم الطائرة مرونته، وقدرته على تحدي الزمن، إضافة للمقاتلة القاذفة سوخوي 34 التي تصل حمولتها إلى 14 طناً.
وأصبحت النسخ الحديثة تضاهي المقاتلات الغربية الأحدث عمراً من الجيل الرابع والنصف مثل الأوروبية يوروفايتر تايفون والفرنسية رافال، (وهو أمر حققته إف 15 الأمريكية الأقدم في التصميم من السوخوي).
حرب أوكرانيا أثرت على سمعة السوخوي
وهناك العديد من الدول التي تمتلك نسخاً متنوعة من عائلة فلانكر، مثل إندونيسيا وإثيوبيا، وفيتنام والجزائر، وماليزيا.
ولكن أبرز المالكين لعائلة فلانكر الهند التي تمتلك نحو 270 مقاتلة من المقاتلة سوخوي 30، تعد العمود الفقري لقواتها الجوية، عبر نسخ أكثر عدداً وتطوراً من تلك التي تمتلكها روسيا، لأنها مزودة بتقنيات فرنسية وإسرائيلية تجعلها أكثر تطوراً من نظيراتها الروسية.
أما سوخوي 27 (SU 27)، وهي النسخة الأقدم من العائلة، فهي مملوكة بشكل أساسي لروسيا والصين وفيتنام وإندونيسيا وإثيوبيا، وكازاخستان.
وكان هناك إعجاب بين خبراء وهواة الطيران على مستوى العالم بعائلة فلانكر، ولكن حرب أوكرانيا وأداء القوات الجوية الروسية المرتبك فيها أثر على سمعة طائرات سوخوي، والتي لم تنل أي صفقة جديدة منذ بداية الحرب إلا من إيران الدولة المعاقبة غربياً، وبالتالي ليس لها مجال للحصول على الطائرات المتقدمة إلا من روسيا أو الصين.
ولكن تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية يرفض هذا التشكيك، قائلاً "إياك أن تقول إن الروس لا يستطيعون إتقان القوة الجوية. إذ ورثوا بقايا البنية التحتية والصناعية الجوية الخاصة بالاتحاد السوفييتي، ونجحت قاعدة الصناعات الدفاعية التابعة للقوات الجوية الروسية في إتقان بعض جوانب هذه الصناعة -والبناء على نجاحاتها.
وليست كل الأسلحة الروسية اليوم مذهلة أو فعالة، لكن الروس لطالما تعاملوا مع الحرب بمنظور "الجيد بما فيه الكفاية". ويعني هذا أن معداتهم ومشغليهم يجب أن يكونوا جيدين بما يكفي لمساواة منافسيهم أو التغلب عليهم، وتُعد مقاتلة سوخوي سو-27 مثالاً عملياً ممتازاً على هذه النظرية.
إذ إنها مقاتلة تفوَّق جوي عالية المناورة من إنتاج مكتب تصميم سوخوي العسكري الروسي الناجح. وليست هذه الطائرة مجرد مقاتلة تفوّق جوي أساسية روسية، بل هي واحدة من أنجح طائرات التصدير التي تُنتجها روسيا (هي والنسخ المتطورة المشتقة منها مثل سوخوي 30 و35). وتتمتع الطائرة الحربية بمحرك نفاث مزدوج أيضاً. كما تستطيع بلوغ سرعة طيران قصوى تصل إلى 2.35 ماخ، ويبلغ مداها 3,529 كلم.
قدرات سوخوي 27 تضمن لها البقاء أمام خصوم أقوياء
تأتي مقاتلة سو-27 مجهزةً بمدفع جي إس إتش-301 و150 طلقة ذخيرة لتعبئة المدفع. كما تحتوي على 10 نقاط تعليق لحمل مختلف أنواع الصواريخ والقذائف والقنابل. وتستطيع المقاتلة حمل صواريخ جو-جو مثل آر-27، وصواريخ جو-جو للاشتباك القريب، وقنابل جو-أرض بمختلف الأوزان، والقنابل العنقودية، القنابل الحارقة، والصواريخ غير الموجهة.
وجرى استعراض قدرات جميع هذه الأسلحة بكفاءة مدمرة خلال مختلف الحملات العسكرية الأخيرة التي شنّتها روسيا، وأبرزها في سوريا وأوكرانيا اليوم.
لكن الروس أضافوا إلى آلات القتل هذه ما هو أكثر من مجرد ذخيرة فتاكة؛ إذ تتمتع الطائرات الحربية بمجموعة من الأسلحة المضادة الدفاعية التي تضمن بقاء سوخوي 27 في المعركة لفترةٍ أطول من خصومها. علاوةً على أن قدرات سو-27 تُتيح توفير الحماية الجماعية أثناء تحليقها مع طائرات حربية روسية أخرى.
ولهذا تستطيع تلك الطائرات تعزيز بقاء الأنظمة القتالية المهمة التي ترافقها في أي مهمة. وتلعب أنظمة مثل أجهزة استقبال تحذير الرادار، وتدابير "النافذة" المضادة لتشتيت الصواريخ المعادية، وتقنية التشويش متعدد الأوضاع دوراً في بقاء هذه الطائرات داخل سماء المعركة.
وحطمت سو-27 عدة أرقام قياسية للطيران منذ دخولها الأجواء المعادية للمرة الأولى مع تقديمها رسمياً عام 1985.
مزاعم عن أن تصميم سوخوي 27 مقتبَس من الإف 15
أدت كل هذه الحقائق إلى إثارة جدلٍ حاد في أوساط الطيران العسكري حول هوية الطائرة الأفضل بين سو-27 وبين إف-15 الأمريكية.
ووفقاً لموقع EurAsian Times الهندي، جاءت الكثير من أجزاء مقاتلات سو-27 "مبنيةً على التقنية الأمريكية التي أدت لتطوير مقاتلة إف-15″، ولهذا فإن الكثير من الأرقام القياسية التي حطمتها سو-27 كانت نتيجةً للسرقة التقنية التي ارتكبها الروس بحق الولايات المتحدة.
قال فيكتور ليتوفكين، المحلل العسكري في تاس، لروسيا بيوند في عام 2020: "في أوائل الثمانينيات، حصل عملاء استخباراتنا بطريقة ما على مخططات الطائرة F-15 Eagle، التي صممتها شركة ماكدونيل دوغلاس، وسلموها إلى مكتب تصميم سوخوي. و"لقد استخدمها المهندسون السوفييت لإنشاء أول نموذج أولي للمقاتلة الجديدة".
ولتمديد قدرات وعمر طائرات Su-27 الحالية، والتي دخلت الإنتاج التسلسلي خلال الحقبة السوفيتية، أطلقت روسيا برنامج تحديث منتصف العمر لـ 27SM في عام 2003.
خارجياً، تبدو طائرات Su-27SM مشابهة تماماً للإصدار الأقدم من طائرات Su-27. ومع ذلك، كشفت مقاطع الفيديو الأخيرة من قمرة القيادة أن العديد من الأدوات التناظرية وأجهزة قياس البخار القديمة قد تم استبدالها بشاشات متعددة الوظائف.
ويقال إن نظام التحكم في إطلاق النار الجديد مشتق من النظام المستخدم في الطائرات المقاتلة المتقدمة Su-30MK2. وهي تشتمل على نظام رادار ونظام رؤية كهروضوئية محسّن قليلاً، بما في ذلك البحث والتتبع بالأشعة تحت الحمراء، وكمبيوتر مهام أكثر تقدماً.
معركة لا يجب أن يتمناها أي أمريكي.. من يتفوق سوخوي 27 أم إف 15؟
الجدل بشأن مَن الأقوى سوخوي أم إف 15؟ سؤال ملح بالنظر إلى التدهور في طبيعة العلاقات الروسية الأمريكية، وتحول هذا الجدل الأكاديمي الذي كان مثيراً للاهتمام إلى أحد الجوانب المرعبة للحرب الأوكرانية.
لأنه من المحتمل أن نجد مقاتلات إف-15 الأمريكية تنافس مقاتلات سو-27 فوق الحقول الأوكرانية ذات يوم. ولهذا من المفهوم أن العديدين يرغبون في معرفة الطائرة الحربية الأفضل من بينهما، حسب المجلة الأمريكية.
وتشتهر الإف 15 بين الطائرات الغربية بقوة محركيها، وتحقق نسبة دفع للوزن حوالي 1.19. بحسب المصادر المفتوحة، ومع ذلك تتفوق عليها سوخوي 27، بمعدل دفع للوزن أكبر يبلغ 1.23.
ويعني ارتفاع معدل الدفع للوزن أن الطائرة خفيفة نسبياً بالنسبة لكمية الدفع التي تنتجها محركاتها.
وفي عام 1986، حطمت نسخةٌ أقدم من سو-27 جميع الأرقام القياسية لزمن الصعود التي سجلتها إف-15. وكل هذا يعني أنه في حال مواجهة سو-27 الروسية لمقاتلة إف-15 الأمريكية، فمن المحتمل أن تنجح المقاتلة الروسية في التفوق على الأمريكية، ما سيكون له تداعيات حقيقية على المعركة الشاملة بين الناتو والقوات الروسية.