- العلاقة بين أمريكا وإسرائيل تقارن بعلاقة واشنطن مع بريطانيا
- الواقع أنها علاقة أحادية الاتجاه، فهي تقوض مكانة أمريكا
- البيت الأبيض يكتفي بالتلميحات والانتقادات دون أفعال حقيقية
- حرب غزة أثبتت أن تجاهل الشعب الفلسطيني استراتيجية حمقاء
- دعم واشنطن لإسرائيل أدى لتداعيات إقليمية كارثية ولاعلاقة له بمصالحها
- لقد ساعدت هذه السياسة إيران
- السياسة الأمريكية شجّعت التطرف الإسرائيلي
إسرائيل ليست أعظم استثمار أمريكي في الشرق الأوسط كما يقول الرئيس جو بايدن بل قد تكون أكبر عبء استراتيجي عليها، هكذا يصف جون هوفمان، محلل السياسة الخارجية في "معهد كاتو" البحثي الأمريكي، العلاقة بين أمريكا وإسرائيل في مقال نُشر بمجلة The Foreign Policy الأمريكية.
وبينما صرَّح الرئيس الأمريكي جو بايدن في أواخر أكتوبر/تشرين الماضي، بأنه "لا عودة إلى الوضع الذي كان قائماً في [الشرق الأوسط] قبل السادس من أكتوبر/تشرين الأول"، لكن جون هوفمان، يذهب في المقال، إلى أن حقيقة الأمر هي أن بايدن يأبى التخلي عن "الوضع القائم"، خاصة ما يسمى بعلاقة واشنطن الخاصة مع إسرائيل.
العلاقة بين أمريكا وإسرائيل تقارن بعلاقة واشنطن مع بريطانيا
وأشار هوفمان إلى أن الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل كان عنصراً مطَّرداً في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ إنشاء الدولة في عام 1948. وقد صاغ الرئيس الأمريكي جون كينيدي مصطلح "علاقة خاصة" في عام 1962، لوصف العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، وقال إن "علاقة واشنطن بدولة إسرائيل يكاد لا يضاهيها إلا علاقة التوافق بين الولايات المتحدة وبريطانيا في كثير من الشؤون العالمية".
وقال بايدن في عام 2013، إن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل "ليست مجرد التزام أخلاقي طويل الأمد، بل إنها التزام استراتيجي"، وقال في مناسبة أخرى: "لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع واحدة".
ويقوم جوهر العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على ما تقدمه واشنطن من مساعدات لا نظير لها لحليفتها، فإسرائيل أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية، إذ تلقت أكثر من 300 مليار دولار من الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، ولا تزال واشنطن تزوِّدها بما يقرب من 3.8 مليار دولار سنوياً، علاوة على صفقات أسلحة أخرى واتفاقات أمنية. وتحظى إسرائيل ومؤيدوها بنفوذ كبير في واشنطن، وتستحوذ رغباتها على اهتمام الحزبين الديمقراطي والجمهوري بوسائل مختلفة، منها الضغط والتأثير المباشر وغير المباشر.
الواقع أنها علاقة أحادية الاتجاه، فهي تقوض مكانة أمريكا
ومع ذلك، يشكِّك هوفمان في جدوى ما تحصل عليه واشنطن مقابل العلاقة بين أمريكا وإسرائيل التي يراها "أحادية الاتجاه".
فعلى الرغم من أن مؤيدي الدعم الأمريكي الراسخ للدولة العبرية يرون أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل أمر بالغ الأهمية لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، يذهب هوفمان إلى أن الأشهر الخمسة الماضية من الحرب في غزة أوضحت الآثار السلبية العديدة لهذه العلاقة، وخاصة ما أدى إليه لدعم واشنطن الوثيق لإسرائيل منذ بداية الحرب من تقويض لمكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، والإضرار بصورتها العالمية، فضلاً عن أن الحرب أبرزت بشدةٍ أوجه الإخفاق الأساسية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
بناء على ذلك، يجادل هوفمان بأن الوقت قد حان لإعادة تقييم العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ومكانتها المركزية بالنسبة لواشنطن.
لم تُظهر إسرائيل أي بوادر على استراتيجية سياسية طويلة المدى في غزة تتجاوز التدمير المنهجي للقطاع، وقتل سكانه. وتذهب الشواهد إلى أن الحرب متجهة إلى مزيد من التفاقم، فإسرائيل عازمة على التوغل في رفح، التي بات يمكث فيها أكثر من 1.5 مليون فلسطيني. مع ذلك، بدا بايدن إما لا يستطيع وإما لا يريد استغلال "العلاقة الخاصة" مع إسرائيل للدفع نحو استراتيجية أخرى، أو حتى الضغط على نتنياهو، الذي تفاخر من قبل ببراعته في التلاعب بالولايات المتحدة.
البيت الأبيض يكتفي بالتلميحات والانتقادات دون أفعال حقيقية
بدأ البيت الأبيض بتسريب التقارير عن "إحباط" بايدن المتزايد من نتنياهو، وأصبحت الإدارة الأمريكية أكثر صراحة في دعمها لوقفٍ مؤقت للقتال، ولكن الخطاب الخالي من الأفعال وتغيير السياسات لن يحقق أي شيء. والأفعال الرمزية؛ مثل الأمر التنفيذي الذي أصدرته الولايات المتحدة منذ أسابيع بفرض عقوبات على بؤرتين استيطانيتين إسرائيليتين في الضفة الغربية المحتلة، أو قرار بايدن بالعودة إلى ترسيخ الموقف القائل بأن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي "يتعارض مع القانون الدولي"، كل ذلك لن يوقف المذبحة الجارية في غزة، ولن يُبرِّئ واشنطن من تواطئها، ولن يعفيها من واجب الإسهام في تمهيد الطريق للاستقرار في المستقبل.
يُذكر أن إسرائيل ردَّت رداً مباشراً على هذه القرارات الرمزية من الإدارة الأمريكية بأن صرَّحت ببناء 3400 منزل جديد في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، ولم تفعل الولايات المتحدة شيئاً يُذكر لمعاقبتها على هذه الخطوة أو إيقاف المضي قدماً فيها. والخطة التي أعلن عنها نتنياهو منذ أيام بشأن إدارة الأوضاع بعد الحرب لا تنطوي إلا على مزيد من الاحتلال العسكري المطول في غزة والضفة الغربية، وهو ما يعني استمرار الاضطرابات في المستقبل.
حرب غزة أثبتت أن تجاهل الشعب الفلسطيني استراتيجية حمقاء
تصايَح نتنياهو مراراً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول بأنه "فخور" لأنه منع قيام دولة فلسطينية، وأكَّد أنه وحده القادر على الاستمرار في ذلك. وعلى النقيض من خطة نتنياهو، فإن رؤية إدارة بايدن المعلنة لما بعد الحرب تتضمن "مساراً" نحو إقامة دولة فلسطينية.
إلا أنه من الجدير بالذكر أن رؤية الإدارة الأمريكية لا تنطوي على خطط ملموسة، فضلاً عن نية للتنفيذ من الولايات المتحدة أو إسرائيل.
كان ينبغي للحرب في غزة أن تُثبت أن محاولة تجاهل مستقبل الشعب الفلسطيني ليست إلا استراتيجية حمقاء، لكن نتنياهو -وبالتبعية بايدن- لم يَريَا فيها إلا سبيلاً للإمعان في ترسيخ الوضع الراهن.
دعم واشنطن لإسرائيل أدى لتداعيات إقليمية كارثية ولاعلاقة له بمصالحها
يأتي ذلك على الرغم من أن دعم واشنطن الثابت لإسرائيل في حربها على غزة أسفر حتى الآن عن تداعيات إقليمية كارثية، وأشعل بؤر التوتر من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر على نحو يخاطر بجرِّ المنطقة والولايات المتحدة إلى حرب واسعة النطاق. كما أن دعم واشنطن المستمر للحملة الإسرائيلية الوحشية على غزة قد لطَّخ الصورة المزعومة لواشنطن عن قيادة لواء القيم الليبرالية، وجعل ادعاءاتها بشأن "النظام الدولي الليبرالي" الذي تقوده الولايات المتحدة أقرب إلى نكتة سخيفة.
من المفترض أن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة هي العمل على حماية الشعب الأمريكي وأمنه ورخائه، والحيلولة دون ظهور قوة إقليمية مهيمنة تعارض هذه المصالح، مع التمسَّك بالقيم التي تدعي واشنطن أنها تدافع عنها. ومع ذلك، فإن الدعم غير المحسوب لإسرائيل لا يسفر عن تقدم في أيٍّ من هذه الأمور، بل أعاقت العلل الناشئة عن "العلاقة الخاصة" مع إسرائيل قدرةَ واشنطن على المناورة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وكبحت قدرة القادة الأمريكيين على التفكير بلا غشاوة في قضايا المنطقة. ويكفي الإشارة إلى الضرر الذي أحدثه بايدن بسمعة بلاده حين صرَّح في أواخر عام 2023، بأنه "لو لم تكن إسرائيل، فلن يكون هناك أمان ليهودي في العالم".
لقد ساعدت هذه السياسة إيران
ومن جهة أخرى، أضرَّت العلاقة بين أمريكا وإسرائيل بقدرة واشنطن على التعامل دبلوماسياً مع إيران، ودفعتها دفعاً نحو استخدام القوة العسكرية هناك، وضغطت إسرائيل مراراً على الولايات المتحدة خلال الشهور الماضية للدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، على الرغم من أن هذا التدخل سيكون مصيبة على المصالح الأمريكية والاستقرار الإقليمي. وإن التدريبات العسكرية رفيعة المستوى بين إسرائيل والولايات المتحدة، والهجوم الإسرائيلي الأخير على خطوط أنابيب الغاز الرئيسية في إيران، والتصعيد المستمر بين الجماعات المدعومة من إيران والولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كل ذلك يخاطر بوقوع كارثة في المنطقة.
إن تحالف واشنطن مع إسرائيل يجب أن يكون مثل تحالفها مع أي دولة أخرى، أي أن يكون مدفوعاً بالسعي نحو المصالح الأمريكية الملموسة، ففي حين أن علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها المقربين، مثل فرنسا وكوريا الجنوبية، تتخللها المناقشات والخلافات وعوامل الشد والجذب الطبيعية في الدبلوماسية، فإن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل التي توصف بالخاصة، فتحت الباب أمام صعود أسوأ الجهات الفاعلة في السياسة الإسرائيلية، وشجعت الاستمرار في سياسات مدمرة، وأضرَّت بمصالح البلدين على المدى الطويل.
السياسة الأمريكية شجّعت التطرف الإسرائيلي
لقد أدى دعم واشنطن للسياسات الإسرائيلية جراء ما يوصف بـ"العلاقة بين أمريكا وإسرائيل ذات الطبيعة الخاصة" إلى حماية تل أبيب من دفع أثمان هذه السياسات، ولو اضطرت إسرائيل مثلاً أن تتحمل العواقب الكاملة لسياساتها في الضفة الغربية المحتلة، لكان من الصعب عليها أن تستمر في برنامجها المناصر للمستوطنين.
يخلص هوفمان من ذلك إلى أن الوقت قد حان لجعل "العلاقة الخاصة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل "علاقة طبيعية"، وأن يكون التعامل معها مثل التعامل مع أي دولة أجنبية أخرى، وبدلاً من تمكين السياسة الإسرائيلية وحمايتها ودعمها، يجب على الولايات المتحدة أن تعيد توجيه علاقتها مع إسرائيل على أساس المصالح الأمريكية الحقيقية.
ويستلزم ذلك أن تضع واشنطن حداً لتغافلِها عن إضرار إسرائيل بالمصالح الأمريكية، والعمل على تقديم كميات هائلة من المساعدات للفلسطينيين في غزة، والضغط من أجل نهاية سريعة لهذه الحرب الكارثية، والتوصل إلى حل سياسي دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. والإدارة الأمريكية هنا واقعة بين خيارين: إما الاستمرار في اتباع حكومة نتنياهو نحو الهاوية، وإما الضغط عليها بقوة لتغيير مسارها.