قال الكاتب والدبلوماسي الإسرائيلي السابق، ألون بينكاس، في مقالٍ نشرته صحيفة "هآرتس" Haaretz إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التقى "إخوانه في الحزب الجمهوري" الأمريكي في لقاء عبر الفيديو، وادعى أن الإسرائيليين متحدون على دعمه. وفي الوقت الذي تقول الولايات المتحدة إنها تسير في خطواتها لإنهاء الحرب وإتمام صفقة لتبادل الأسرى، ينشغل نتنياهو بتهميش بايدن، لإقناع "زملائه" من الجمهوريين في واشنطن بأنه حليفهم، واكتساب ودِّ المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب.
مسيرة نتنياهو في "التمثيليات الدرامية" الأمريكية
تحدث بينكاس عن الكلمة التي ألقاها نتنياهو، ومشاركة ترامب بمكالمة فيديو في اللقاء، وقال إن كلمة نتنياهو لم تخرج عن المعهود في خطاباته من شكوى وادعاءٍ للصلاح ورثاءٍ للذات، فقد اشتكى من أن الرئيس الأمريكي (الديمقراطي) جو بايدن يمنعه من بلوغ النصر الكامل بمعارضته الهجوم على رفح، إلا أن الكاتب الإسرائيلي يقول إن بايدن لم يفعل ذلك، ولم يمنع نتنياهو من أن يأمر الجيش الإسرائيلي بشن الهجمات في جميع أنحاء غزة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بل أعطاه الدعم الكامل.
وأشار بينكاس إلى ما وصفه بالألم المصطنع الذي أبداه نتنياهو خلال حديثه عن الخطاب النقدي الذي ألقاه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور (اليهودي) تشاك شومر، الأسبوع الماضي، وانتقد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته، إذ قال نتنياهو: "لقد كان خطاباً مشيناً وغير لائق"، وزعم أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية تحاول "إسقاطه" من منصبه، بدلاً من مساعدته في "تفكيك" حماس، ومن ثم يجب على النواب الجمهوريين أن يؤازروه في "معارضة موقف الإدارة الأمريكية" الحالية.
ولفت الكاتب الإسرائيلي إلى تناقض نتنياهو الذي يدعي "الصلاح والبراءة"، في حين أنه هو الرجل نفسه الذي أوصى في مناقشة لمجلس النواب الأمريكي عام 2002 بأن تغزو الولايات المتحدة العراق لتمكين الديمقراطية في الشرق الأوسط، ثم دعا بعد ذلك إلى محاربة إيران على أساس مزاعم مماثلة.
أمَّا أبرز مشهد فيما يصفه بينكاس بـ"مسيرة نتنياهو في التمثيليات الدرامية"، فكان الخطاب الذي ألقاه أمام الكونغرس في عام 2015، للاحتجاج على الاتفاق النووي الأمريكي مع إيران، وهو الخطاب الذي ألقاه آنذاك من خلف ظهر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ونائبه بايدن.
وسخر بينكاس من أن نتنياهو لم يكتفِ في كلمته بالانتقادات والشكاوى، بل حرص على تزويد "زملائه الجمهوريين" ببيانات علمية واستطلاعات رأي موثوقة، زاعماً أن "سياسته تحظى بالإجماع بين الإسرائيليين". ومع ذلك أشار بينكاس إلى أن هناك إجماعاً بين الإسرائيليين على تدمير حماس، لكنه استنكر الزعم بأن الإسرائيليين مجمعون على قدرة نتنياهو على فعل ذلك، لا سيما إذا كانت نسبة تأييده قد انحدرت إلى 19%.
تدهور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
يرى بينكاس أن نتنياهو كان يدرك أن "اجتماع الاتحاد" مع زملائه من أنصار ترامب سيثير حفيظة البيت الأبيض، لذا تواصل مع الديمقراطيين طالباً السماح له بإلقاء خطاب أمامهم أيضاً، لكن السيناتور شومر رفض الطلب الغريب، وقال إن الشأن الإسرائيلي ليس قضية حزبية.
وتطرق كذلك إلى التصريحات التي أطلقها ترامب قبل يوم من خطاب نتنياهو، وقوله إن "اليهود الذين يصوتون للديمقراطيين يمقتون إسرائيل، ويكرهون دينهم". وقال بينكاس إن مزاعم ترامب تنطوي على اتهام لليهود الأمريكيين بازدواج الولاء، وهو اتهام لا أساس له من الصحة، لكنه يتفق مع آراء نتنياهو، الذي يعارض بتأييده وتقاربه مع الحزب الجمهوري 75% من اليهود الأمريكيين، الذين دأبوا على التصويت للديمقراطيين منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
يرى بينكاس أن خطاب شومر، الذي أشاد به الرئيس بايدن، وردَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي عليه، إنما هي حلقات في سلسلة مستمرة من التدهور المؤذي للعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة منذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية.
وذهب بينكاس إلى أن "الأمريكيين صاروا يرون نتنياهو حليفاً لا يمكن الاعتماد عليه، بل إن سيرته الشخصية والسياسية تدل على أنه شخص متلاعب مولع بالمراوغة والخداع، ولا يكترث بقيود الحقائق ولا الاعتبارات الوطنية، وهو ليس بالرجل الذي يضع سياسات وينفذها، بل الحريص على حراسة التداعي القائم، لاستجلاب الدعم بالتخويف دائماً من مغبة الانهيار الكامل، وهو رجل تقادم الزمن على تصوراته الجيوسياسية، ولا يأخذ في الاعتبار الفرص السانحة والتحديات الجديدة، وهو الرجل الذي تسبب منذ يناير/كانون الثاني 2023، في تقويض كبير لهيكلِ "القيم المشتركة" لدى إسرائيل، وتسبَّب بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول في تآكل التحالف القائم على المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
"نتنياهو لا يريد التحلي بالشجاعة وتحمل مسؤولية الفشل"
يرى الكاتب الإسرائيلي أن أسوأ ما يراه الأمريكيون حالياً في سيرة نتنياهو أنه ليس بالرجل القوي في الحفاظ على الأمن القومي، كما كان يزعم، ولم يكن كذلك أبداً. والدليل على ذلك أن إيران على أعتاب التحول إلى دولة نووية، ولديها كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب اللازم لذلك، ونتنياهو ليس بالرجل القوي في الحفاظ على الأمن الداخلي لإسرائيل، والدليل على ذلك ما وقع في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي لم يكلف نفسه حتى الآن عناء تحمل المسؤولية عنه، ولا الامتثال للمحاسبة على التقصير الذي أفضى إليه.
أشار بينكاس إلى أن نتنياهو لام الجيش الإسرائيلي والشاباك على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو الآن يحاول افتعال مواجهة مع الولايات المتحدة، ليدفع عن نفسه الحساب على ما فعل، ويصوِّر للناس أن الرئيس الأمريكي هو من يمنعه من تحقيق "النصر الحاسم".
في المقابل، سلَّط الكاتب الإسرائيلي الضوء على اجتماع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في زيارته الجارية إلى المنطقة، بستةٍ من وزراء الخارجية العرب، والنقاش معهم بشأن خطة إقليمية تستند إلى "مبادرة السلام العربية" التي كانت السعودية أول من تقدم بها عام 2002، وقد أضافت إليها الإدارة الأمريكية بعض العناصر من "خطة بايدن" سعياً إلى الاستقرار في الشرق الأوسط.
يرى بينكاس أن الإدارة الأمريكية ليست فقط قلقة من الأضرار الإنسانية التي ستُحدثها العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، ولا غياب خطة إسرائيلية للسيطرة على الأوضاع المضطربة في غزة خلال الأشهر المقبلة، وإنما متخوفة كذلك من مسألة عسكرية محضة، وهي أنه إذا كان مركز ثقل حماس في جنوب غزة -كما تزعم الحكومة الإسرائيلية الآن- فلماذا أصرت إسرائيل على عملية برية بهذه الكثافة الكبيرة في شمال القطاع؟.