- مذبحة مستشفى الشفاء تتزامن مع اغتيالات لقادة شرطة غزة
- القصة بدأت بمحاولة إسرائيل والوكالات الأممية إيجاد بديل لحكومة غزة
- منظمات أممية تعقد اتفاقاً مع شرطة غزة لتأمين المساعدات بموافقة إسرائيلية مشروطة
- إسرائيل وظفت الاتفاق الذي عُقد بوساطة المنظمات الأممية ككمين لشرطة غز
- هي تتوهم أنها تستطيع إيجاد بديل لحماس أو السلطة
- التجويع كأداة حرب
لم تكن جرائم مثل مذبحة مستشفى الشفاء واغتيال قادة شرطة غزة والعاملين في توزيع وتأمين المساعدات، مجرد انتقام أو قتل عشوائي من قِبل إسرائيل، بل كانت نتيجة كمين مُحكم ضمن خطة شاملة ينفذها جيش الاحتلال في غزة، لها أهداف متعلقة بمرحلة ما بعد الحرب.
هذا ما كشفت عنه مصادر مطلعة لـ"عربي بوست"، إضافة إلى تقارير إعلامية غربية وإسرائيلية.
مذبحة مستشفى الشفاء تتزامن مع اغتيالات لقادة شرطة غزة
واغتالت إسرائيل مؤخراً مسؤول عمليات الشرطة، العميد فائق المبحوح، والمقدم رائد البنا، مدير مباحث شمال غزة والمسؤول عن تأمين المساعدات إلى شمال غزة، إضافة إلى رئيس شرطة مدينة النصيرات، المقدم محمد البيومي.
وبالتزامن مع ذلك اقتحمت قوات الاحتلال، الإثنين الماضي، مستشفى الشفاء، مما أدى إلى سقوط 250 شخصاً بين شهيد ومصاب وسط تقارير عن إعدام أطفال ميدانياً، وتأكد استشهاد مسؤول للدفاع المدني خلال الاقتحام؛ ليصبح رابع مسؤول في حكومة غزة يتم اغتياله خلال الأيام الماضية.
كما أفادت تقارير من غزة، مساء الثلاثاء 19 مارس/آذار، بأن سلاح الجو الإسرائيلي قصف المكان الذي كانت تقف فيه الشاحنات برفقة حراس أمن من "العشائر" واللجان الشعبية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 20 منهم، حسبما ذكر موقع Mekomit الإسرائيلي.
وأحدثت عملية اغتيال المبحوح بالتحديد دوياً كبيراً بالنظر للوحشية الكبيرة التي صاحبتها، حيث، أرسل جيش الاحتلال فرقة عسكرية لاقتحام بيته، وحين لم تجده نكل أعضاء الفرقة بزوجته وأطفاله، قبل أن تقوم بمحاصرته مع أخيه وعدد من أبناء أخيه قرب مستشفى الشفاء، وهناك هاجمتهم قوات الاحتلال وطلبت منهم تسليم أنفسهم، فسلم نافذ نفسه، في حين رفض فائق تسليم نفسه، واشتبك مع قوات الاحتلال بسلاحه الشخصي إلى أن استُشهد.
ما يحدث ليست أعمال قتل عشوائية، ولكن عملية مقصودة تم استدراج قادة الأجهزة الأمنية وأعضاء لجان الإغاثة واللجان الشعبية بعدما أوهمتهم إسرائيل عبر منظمات أممية أنها ليس عندها مشكلة في قيامهم بتأمين وصول المساعدات لسكان شمال قطاع غزة تحديداً.
يأتي ذلك في وقت قال فيه الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيف بوريل، إن إسرائيل "تستخدم المجاعة كسلاح" ضد سكان غزة، بينما يحذّر البيت الأبيض من أن غزة "تقترب من حالة المجاعة".
القصة بدأت بمحاولة إسرائيل والوكالات الأممية إيجاد بديل لحكومة غزة
ويقول مصدر غزاوي مطلع لـ"عربي بوست" إن بداية القصة تعود لنحو قبل أسبوعين، كانت هناك مشكلة كبيرة أن شاحنات المساعدات التي تنطلق من جنوب قطاع غزة، القادمة من مصر عبر معبر رفح، لا تستطيع الوصول لشمال ووسط القطاع، بسبب تدافع السكان الجوعي في جنوب القطاع عليها أو تعرضها للنهب على يد مخربين أو لصوص.
وكانت قوة شرطة غزة وغيرها من مؤسسات حكومة غزة، وكذلك العاملون بالإغاثة لا يستطيعون تأمين وتوزيع المساعدات بسبب استهدافهم من قِبل الاحتلال.
وقال هذا المصدر "بالتزامن مع ذلك تواصلت مؤسسات أممية مثل الأونروا وأوتشا مع أعيان ومخاتير عشائر وعائلات؛ ليتولوا عملية تأمين توزيع المساعدات، بعيداً عن حكومة حماس، ولقد رفضوا ذلك بشكل قاطع، وهو ما أكده وعدة مصادر أخرى من غزة، وورد في تقارير سابقة لـ"عربي بوست".
لأن الهدف بالنسبة للمخاتير والأعيان كان واضحاً خلق سلطة بديلة أو موازية لحماس، وهو ما تأكد من خلال اتصال أجراه غسان العليان منسق الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية مع أحد المخاتير، لأداء نفس الدور، ولكنه رفض.
وأوضح مصدر غزاوي آخر، مطلع بدوره على تفاصيل هذه الاتصالات لـ"عربي بوست"، أن الزعماء أو المخاتير شددوا على أنهم لن يكون أي بديل لحكومة غزة أو تنظيم فلسطيني، كما أكد المصدر الأول أن حتى قيادات فتح بغزة رفضت هذا الدور.
وقال المصدر إن هذا الرفض نابع من حقيقة أن حماس قوية وموجودة على الأرض وممسكة بزمام الأمور، وخسائرها ليست بالحجم الذي تروّج له إسرائيل، كما أن المخاتير يرفضون أي سلوك يبدو أن فيه تجاوزاً للمقاومة وشقاً للصف الفلسطيني وتعاوناً مع الاحتلال؛ لأن هذا أمر مرفوض من قِبلهم ومن قِبل عشائرهم وعائلاتهم وسيجلب العار لهم.
وهذا ينطبق حتى على العائلات التي كان لديها خصومة قديمة مع حماس، حسبما أكد المصدران، خاصة أن سياسة حماس مع العشائر خلال السنوات الماضية قد أزالت هذه الخلافات، وفقاً للمصدرين ولتقرير مجلة العالم الثالث العلمية.
وفي هذا الإطار يقول موقع Mekomit الإسرائيلي إن سلطات الاحتلال قد اكتشفت أن أوهامها حول "الحكم العشائري" -الذي تراهن عليه بأن يحل محل حكم حماس من جهة، ويمنع عودة السلطة الفلسطينية من جهة أخرى- لا أساس له من الصحة، تماماً مثل الفشل الذريع في الترويج لـ"الجمعيات القروية" في الضفة الغربية في الثمانينيات، كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية.
منظمات أممية تعقد اتفاقاً مع شرطة غزة لتأمين المساعدات بموافقة إسرائيلية مشروطة
ونتيجة لإخفاق فكرة توظيف الأعيان لحماية المساعدات بعيداً عن شرطة غزة، حدث اجتماع بين ممثلي وكالات أممية مثل "الأونروا" وممثلي العشائر وشرطة غزة وحكومتها قبل نحو أسبوعين، وتم الاتفاق خلاله على حل بموافقة إسرائيلية وهي قيام شرطة غزة بالتعاون مع لجان الطوارئ الحكومية التي شكلتها حماس مع حكومة غزة واللجان الشعبية التي تضم ممثلي العشائر بعملية تأمين توصيل المساعدات، حسب المصدر.
شرطان إسرائيليان
الأول: ألا ترتدي شرطة غزة الزي الرسمي.
والثاني: ألا يتم استخدام سيارات شرطة غزة في عملية تأمين المساعدات.
ولكن الاتفاق لم يمنع شرطة غزة من القيام بهذه المهمة، باستخدام أسلحتها، على أن يشمل الاتفاق جنوب قطاع غزة من الحدود المصرية حتى منطقة جنوب وادي غزة، حسب المصدر، وليس مدينة غزة نفسها.
ولقد عُقد اجتماع آخر، السبت الماضي 16 مارس/آذار، بين ممثلي الوكالات الأممية، في إطار الاتفاق الأول، بعدما بدأت قوات الشرطة ولجان الطوارئ واللجان الشعبية في تنفيذ الاتفاق داخل مدينة غزة أي شمال وادي غزة، بناء على فهمهم للحاجة الماسة لضرورة تحركهم لمنع المجاعة.
وعندها بدأت قوات الاحتلال في استهدافهم، كما اقتحمت مستشفى الشفاء واستهدفت القادة الأمنيين، إضافة للجان الطوارئ واللجان الشعبية.
إسرائيل وظفت الاتفاق الذي عُقد بوساطة المنظمات الأممية ككمين لشرطة غز
ويرى المصدر الغزاوي الأول في حديثه مع "عربي بوست" أن الاحتلال له أهداف من هذا الاستهداف العسكري الذي ركز على شرطة غزة.
أولاً: أتاح الاتفاق، الذي عُقد بوساطة أممية، تحرك شرطة غزة واللجان الحكومية الفرصة له لاستهدافهم بعد خرجوا للعلن، وذلك بهدف تدمير الحكومة التي تديرها حماس، وهو الهدف الأساسي له.
ثانياً: يريد الاحتلال الانتقام من إفشال العشائر لمشروعه لإيجاد سلطة بديلة لحماس.
ثالثاً: أن الاحتلال سمح بوصول المساعدات لشمال غزة وتأمينها من قِبل الشرطة واللجان الحكومية والشعبية، حتى وادي غزة، ولكنه يريد للمساعدات أن تصل للشمال دون أن يوزعها أحد، بل ليتكالب عليها السكان لإحداث حالة من الفوضى وفقدان الثقة في حكومة غزة، وتدمير الروابط الاجتماعية بين السكان.
ويبدو أن نجاح مسؤول عمليات الشرطة العميد فائق المبحوح وجهاز الشرطة في غزة في تأمين أول شحن مساعدات للقطاع، دون حدوث عنف أو فوضى، أظهر قوة شرطة غزة، وأن الهدف الإسرائيلي بعيد المنال، لذلك قامت إسرائيل باغتياله هو وغيره من قادة الأجهزة الأمنية.
ولفت إلى أن استهداف الشرطة الفلسطينية، إضافة لكونه مخالفة لروح الاتفاق الذي توسطت فيه الوكالات الأممية بغطاء أمريكي في الأغلب، فإنه مخالف للقوانين والشرائع، لأن شرطة غزة هي شرطة مدنية مكلفة بحفظ الأمن وليس القتال أو المشاركة في عملية المقاومة، وهي منفصلة تماماً عن كتائب عز الدين القسام وغيرها من فصائل المقاومة، موضحاً أن نحو نصف أعضائها ليسوا محسوبين على حماس بل هم مواطنون فلسطينيون عاديون انضموا للشرطة، بينهم بعض الفتحاويين لافتاً في هذا الإطار إلى ان المبحوح كان عضواً سابقاً في "القسام" واعتُقل لسنوات لدى الاحتلال، وعندما انضم لشرطة غزة أنهى علاقته بالقسام تماماً.
وقال إن عملية اقتحام مستشفى الشفاء جاءت لاستهداف مجموعة من الكوادر الطبية والإدارية المهمة لنشر الفوضى في غزة.
وقال إن إسرائيل غاضبة من استمرار وجود حماس في شمال القطاع، ونجاح حكومة غزة في إدارة تدفق المساعدات عندما يتسنى لها ذلك فور تخفيف القصف، إضافة لفشل محاولات استقطاب المخاتير والأعيان.
ويعني هذا ببساطة أن كل الحديث عن تدمير حماس وإنهاء إدارتها للقطاع بعيد تماماً عن الواقع، مما يعني فشل أهداف الحرب حتى في شمال قطاع غزة، الذي يفترض أن إسرائيل قد أنهت المهمة به.
هي تتوهم أنها تستطيع إيجاد بديل لحماس أو السلطة
ويعلق موقع Mekomit على ذلك قائلاً إن إسرائيل ليست مستعدة لأن تتولى حماس، حتى إذا كانت بزي مدني، مسؤولية إدارة هذه الأزمة الإنسانية، لأن ذلك سيُنظر إليه على أنه "انتصار" للحركة الفلسطينية، ومن شأنه أن ينتقص من هدف "القضاء على حماس" -وهو الهدف الأول الواضح للحرب.
ويُعَد اغتيال رؤساء "لجان الطوارئ" التابعة لحماس في رفح، وهي لجان مدنية أكثر منها عسكرية، جزءاً من هذا المفهوم.
ويبدو أن هناك من يتخيل في الجيش الإسرائيلي أن القضاء على البنية التحتية المدنية لحماس من شأنه أن يجعل خيار الحكم الإسرائيلي العسكري أكثر قبولاً، ولكن يبدو أنهم واهمون، حسب الموقع.
علاوة على ذلك، نتنياهو على الأقل ليس مستعداً لتحميل فتح أو السلطة الفلسطينية المسؤولية عن هذه المهمة الهائلة، لأن فتح، مثل حماس، سوف تطالب أيضاً بمطالب سياسية نيابة عن الشعب الفلسطيني، ولن تكتفي بمجرد إصلاح الدمار الذي زرعته إسرائيل.
التجويع كأداة حرب
ويبدو أن إسرائيل تواصل خطتها لإيجاد سلطة بديلة لحماس رغم فشل محاولاتها حتى الآن، حسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية التي قالت إن مسؤولين إسرائيليين وعرباً يعملون بهدوء على تطوير خطة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى إنشاء سلطة حكم بقيادة فلسطينية هناك، وأن مسؤولاً دفاعياً إسرائيلياً كبيراً أجرى محادثات مع مصر والإمارات والأردن، لبناء دعم إقليمي لجهود ناشئة لتجنيد القادة الفلسطينيين ورجال الأعمال الذين ليس لهم صلات بحركة حماس في توزيع المساعدات، وفق المسؤولين.
ويبدو أن الأداة الرئيسية في هذه الحرب استهداف مسؤولي حكومة ومؤسسات غزة واللجان الشعبية المتعاونة معها، مع استخدام سلاح التجويع بهدف "إفراغ" مدينة غزة والمناطق المحيطة بها في القطاع من الفلسطينيين، حسبما ورد في تقرير موقع Mekomit الإسرائيلي.
وسبق أن قال عضو الكنيست داني دانون، قبل شهر تقريباً، إن الفرار الجماعي لمعظم سكان غزة البالغ عددهم 1.1 مليون نسمة ومحيطها هو "الإنجاز الوحيد الذي حققناه في الحرب".
وكأن الهدف إما إيجاد سلطة بديلة لحماس، أو تجويع القطاع ونشر الفوضى به وتفريغ شماله.
ومن المؤكد أن انقطاع الإمدادات الغذائية عن شمال قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي الأخير، بالإضافة إلى العملية في مستشفى الشفاء، يساهمان في هدف دفع سكان غزة إلى الفرار خارج غزة. وسجلت شبكات التلفزيون طوابير من الفلسطينيين الفارين جنوباً.
ومع ذلك يقول الموقع الإسرائيلي، إنه من الصعب أن نصدق أنه حتى في إسرائيل يعتقدون أن المجاعة سوف تطرد جميع الفلسطينيين الذين ظلوا في شمال قطاع غزة، والذين يتراوح عددهم بين 150 و300 ألف نسمة.