شهقت شولبان أميرخان وخالتها عندما شاهدتا صهرها، نورلان بايونر، يحمله الحراس إلى محكمة الشعب في مقاطعة جيموناي الصينية، الواقعة على الحدود مع كازاخستان في منطقة شينجيانغ ذات الغالبية المسلمة غرب الصين. كان بايونر هزيلاً، وعندما صاحت شولبان مناديةً إياه، لم ترَ أي استجابة على وجهه. كان الرجل يرتجف، وكان بالكاد قادراً على الحفاظ على وضعية الجلوس، حيث قام الحراس بتثبيته في المقعد الموجود في قفص الاتهام في جلسة الاستماع بالمحكمة.
"كان رجلاً محبوباً وقرآناً حياً"
يقول الكاتب في مجلة Foreign Policy الأمريكية دارين بايلر، وهو باحث متخصص في شؤون الأويغور، ومؤلف كتاب "في المعسكرات: مستعمرة العقاب الصينية ذات التقنية العالية"، إن بايونر كان رجلاً أحبه الجميع في مجتمعه، وهو زعيم مسلم نشيطٌ وبليغ قضى 14 شهراً في الاعتقال.
يقول من يعرفوه إن بايونر كان بمثابة قرآن حي، يقرأ القرآن لمعظم أفراد مجتمعه الكازاخستاني الذين لا يستطيعون قراءة العربية. لقد كان مُلا، عالم دين درس كيفية تلاوة القرآن باللغة العربية، وكيفية إقامة الشعائر الدينية في مركز تدريب إسلامي رسمي تديره الدولة الصينية. عقد الزيجات والجنازات والختان. والآن، بعد أن شُلَّت أطرافه، كان يتبول أثناء جلوسه في قاعة المحكمة الصينية.
كان بايونر قد بلغ للتو الخمسين من عمره، وقبل أن يعتقله مسؤولو الأمن العام في 10 يونيو/حزيران 2017، كجزء من حملة القمع المستمرة التي تشنها الصين على الأقليات العرقية في شينجيانغ ، كان يتمتع بصحة جيدة، وكان مندوباً نشطاً في مجلس الشعب بمقاطعة جيموناي. لكن وضعه كزعيم مجتمعي وديني عيَّنته الدولة بنفسها، لم يمنع القضاة الثلاثة، وجميعهم من أصل كازاخستاني، من وصفه بـ"المجرم الذي قاد أفراد المجتمع إلى التطرف"، على حد تعبيرهم.
وفي 31 أغسطس/آب 2018، بعد شهر تقريباً من رؤية أميرخان بايونر في جلسة الاستماع بالمحكمة، حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة 17 عاماً في 3 تهم منفصلة: "جمع حشد من الناس لزعزعة النظام الاجتماعي"، و"استخدام التطرف لتقويض تطبيق القانون، و"الحيازة غير المشروعة لمواد تنشر التطرف والإرهاب".
وقدمت المحكمة لعائلته نسخةً مكتوبة من الحكم الرسمي بعد وقت قصير من صدور الحكم عليه. قامت أميرخان بتهريبها عبر الحدود إلى كازاخستان عندما تمكنت من الفرار من المنطقة في عام 2018. وتقدم النسخة لمحةً نادرة عن آليات السلطة التي توجِّه حملة القمع المستمرة منذ سنوات ضد ثقافات الأقليات في شينجيانغ .
سجن جماعي في شينجيانغ
يقول الكاتب دارين بايلر إن الحكم على بايونر يُعَد واحداً من أكثر الروايات الحكومية الرسمية الصينية المتاحة تفصيلاً عن الطريقة التي تُجرَّم بها الممارسات الإسلامية الروتينية في جميع أنحاء شينجيانغ. وتُظهِر قضيته كيف يعيد المدعون العامون والقضاة تصور الأنشطة السابقة للمجتمعات الإسلامية، التي كانت الدولة تقبلها في الماضي، باعتبارها سلوك ما يسمى بـ"عصابات الشر".
ويقدم الحكم دليلاً ضد بايونر وبائع كتب من الإيغور يُدعى "توختي سلام"، اللذين يقول ممثلو الادعاء إنهما قادا معاً عشرات الأشخاص في المجتمع إلى الممارسات المتطرفة.
منذ بدء حملة "إعادة التثقيف" المتصاعدة في عام 2017، تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من عُشر جميع الإيغور والكازاخ البالغين في شينجيانغ قد أُرسلوا إلى أشكال مختلفة من الاحتجاز. بدأ ذلك بمعسكرات الاعتقال والاحتجاز السابق على المحاكمة، ولكن منذ عام 2018 تحول بشكل متزايد نحو السجن الجماعي.
وفقاً للبيانات الصادرة عن مكاتب المدعين الوطنيين ومكاتب المدعين العامين في شينجيانغ ، حوكِمَ أكثر من 615 ألف شخص رسمياً في شينجيانغ منذ عام 2017. وفي الفترة من 2014 إلى 2016، بلغ إجمالي الملاحقات القضائية في شينجيانغ حوالي 41,700 ألف سنوياً. وفي عام 2017، حاكمت سلطات شينجيانغ 220 ألف شخص، وهو ما يمثل قفزة بنسبة 437% عن العام السابق (رغم أن أرقام الأحكام ليست متاحة بسهولة، تاريخياً، فإن أكثر من 99% من الأفراد الذين حوكِموا في الصين أُدينوا بالفعل).
وفي العام نفسه، حاكمت الصين ما مجموعه 1.45 مليون شخص على المستوى الوطني، ما يعني أن شينجيانغ ، وهي منطقة لا تضم سوى 1.8% من سكان البلاد، شكلت 15% من إجمالي المحاكمات في البلاد.
هكذا تم حظر احتفالات الزواج الإسلامية
في السياق، أشار المدعون في مقاطعة بايونر إلى تبنيهم للحملة السياسية التي استهدفت "عصابات الشر". وقاموا بتدريب الموظفين الحكوميين في المنطقة على "الدخول إلى القرية ودخول المنازل" دون سابق إنذار من أجل الكشف عن أدلة على وجود نشاط "إجرامي".
وفي عام 2017، أدت هذه الحملة إلى مصادرة جماعية "لمواد دعائية غير قانونية" من منازل القرويين الذين زعم ممثلو الادعاء أنهم تأثروا بثلاثة أنشطة غير شرعية: "الأنشطة الدينية غير القانونية"، و"المواد الدينية غير القانونية"، و"نشر الشبكات الدينية غير القانونية".
وصور ممثلو الادعاء ما كان في السابق نشاطاً ثقافياً ودينياً روتينياً على أنه مؤامرة إسلامية تهدف إلى تدمير المجتمع الصيني.
في عام 2020، كتب أحد المدعين أن "القوى الثلاث" للتطرف والانفصال والإرهاب تسللت إلى أفراد المجتمع عن طريق "التلاعب بالمذاهب الدينية". وقد أدى هذا بدوره إلى "تعصب معتقداتهم"، بحيث لم يعد الناس "يمارسون الدين نفسه، بل يرتكبون بدلاً من ذلك جرائم خطيرة من العنف والإرهاب".
قبل عام 2014، في بعض المناطق، كان الإيغور والكازاخ الذين أصبحوا أكثر تقوى في ممارساتهم الإسلامية يحذفون في بعض الأحيان الموسيقى والرقص اللذين يصاحبان معظم حفلات الزفاف، وبدلاً من ذلك يؤكدون على مراسم الزواج والوعظ من الملا نفسه.
وفي بعض الحالات، كان الناس يحضرون حفلات الزفاف بسبب شهرة الملا الذي دُعِيَ للتحدث والوعظ. كان هؤلاء الشيوخ الأكثر جاذبية هم الأشخاص الذين أشارت إليهم وثائق شرطة الولاية في ما بعد بـ"الأئمة المتوحشين"، وفي بعض الأحيان، باعتبارهم زعماء عصابات التطرف.
وبحلول عام 2015، أصبحت هذه الاحتفالات الإسلامية طبيعية، أو في أسوأ الأحوال، في المنطقة الرمادية من الأنشطة في الصين، والتي رُفِضَت رسمياً، ولكنها لا تزال تعتبر روتينية. وكانت الجبهة المتحدة للجنة الحزب الشيوعي في شينجيانغ قد نشرت قائمة تضم "75 علامة للتطرف" في العام السابق تضمنت إجراءاتٍ مثل السفر عبر المقاطعات لحضور المناسبات الدينية وحفلات الزفاف دون موسيقى أو رقص. واعتقد الناس بشكل عام أن هذه الأحداث قد تؤدي إلى توجيه تحذير للإمام أو الملا ليس أكثر، لكن بعضهم اعتُقِلَ بالفعل.
الآلاف اعتُقلوا لمجرد حضورهم حفلات الزفاف
في عام 2017، اعتُقِلَ الآلاف من الإيغور والكازاخ لمشاركتهم في احتفالات زواج محافظة سابقة. وفي دراسة استقصائية أُجرِيَت عام 2021 للبيانات المتاحة، وجد الباحث بيتر إيروين أن ما لا يقل عن ألف إمام وملا احتُجِزوا منذ عام 2014. وفي مجموعة بيانات من وثائق الشرطة الداخلية من مدينة أورومتشي التي فحصتها مجلة The Intercept الأمريكية، أُدرِجَ المئات من الشخصيات الدينية في قائمة المعتقلين.
يُشار أيضاً إلى حضور مثل هذه التجمعات كسبب رئيسي للاحتجاز بين الناس العاديين من غير القادة. من بين عينة مكونة من أكثر من 45 ألف حالة اعتقال قام الباحث جين بونين بتقييمها، تدرج وثائق الدولة صراحةً النشاط الديني -أو عبارات أخرى يشيرون بها إلى النشاط الديني مثل "الإخلال بالنظام الاجتماعي" أو "التطرف"- كسببٍ لاعتقال أكثر من 50% من المحتجزين في ذلك الوقت.
إحدى التهم الرئيسية الموجهة ضد بايونر هي أنه قاد مراسم الزواج لما لا يقل عن 39 زوجاً. وجاء في الحكم أنه في 13 حالة، خضع الأزواج لمراسم دينية قبل الحصول على ترخيص الزواج الحكومي. في إحدى الحالات، تزوج أحد الزوجين لأول مرة ثم طلقهما بايونر دون موافقة الدولة. وقال الادعاء إن كل هذا كان دليلاً واضحاً على أن بايونر مذنب بـ"عرقلة تطبيق القانون عن طريق التطرف".
في النهاية، لقد صارت حفلات الزفاف والجنازات، التي كان يديرها في السابق قادة المجتمع مثل الشيخ بايونر، محظورة بشكلها السابق، والآن يديرها مسؤولو الحزب المحليون.