تريليونات الدولارات قد تجنيها شركات عالمية من الهوس الذي أصاب العالم بـ"وحدات معالجة الرسوميات GPU" التي باتت تستخدم في عمليات الذكاء الاصطناعي، وبالفعل تخطت شركة أمريكية كبرى حاجز التريلوني دولار بفضل هذه التكنولوجيا؛ رغم أنها ليست جديدة.
إذ تحوَّلت أجهزة وحدات معالجة الرسوميات GPU إلى سلعةٍ شديدة الرواج، مدفوعة بتهافت العالم على استغلال أحدث موجة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوصف بأنها استثمار تريليوني.
إذ قد يصل سعر وحدة معالجة رسوميات من أفضل الطرازات إلى عشرات الآلاف من الدولارات، حسبما ورد في تقرير لوكالة رويترز.
وشهدت شركة NVIDIA الأمريكية الرائدة في تصنيع تلك الوحدات ارتفاع قيمتها السوقية لتتجاوز التريليوني دولار، بالتزامن مع زيادة الطلب على منتجاتها.
وحدات معالجة الرسوميات صُممت في الأصل لألعاب الفيديو
وليست وحدات معالجة الرسوميات مجرد منتجات عالية التقنية للذكاء الاصطناعي فحسب. حيث توجد وحدات معالجة رسوميات أقل قوةً في الهواتف، وأجهزة الحاسوب المحمولة، وأجهزة الألعاب أيضاً.
وصُمِّمت وحدات معالجة الرسوميات في الأصل من أجل توليد وعرض مشاهد وعناصر الأبعاد الثلاثية المعقدة بسرعة، بما في ذلك المشاهد والعناصر المتعلقة بألعاب الفيديو وبرامج التصميم بمساعدة الحاسوب.
وتتعامل وحدات معالجة الرسوميات كذلك مع بعض المهام مثل فك الضغط عن وسائط بث الفيديو.
وحدات المعالجة المركزية تستطيع كل معالجة مهام معقدة بطريقة متوالية
من الأهمية بمكان، المقارنة بين وحدات معالجة الرسوميات وبين وحدات المعالجة المركزية.
وحدات المعالجة المركزية تُعد مناسبةً لمهام الحوسبة العامة أكثر، مثل معالجة الكلمات وتصفح مواقع الويب CPU، وتلعب رقائق وحدات المعالجة المركزية CPU دور "الدماغ" داخل غالبية أجهزة الحاسوب.
ويمكن استخدام وحدات المعالجة المركزية في إنتاج المشاهد الرسومية وفك ضغط مقاطع الفيديو، لكنها تكون أبطأ وأقل كفاءة عادةً في تأدية تلك المهام مقارنةً بوحدات معالجة الرسوميات.
تتألف وحدة المعالجة المركزية المعاصرة التقليدية مما يتراوح بين 8 أنوية و16 نواة، وتستطيع كل منها معالجة المهام المعقدة بطريقة متوالية.
أما وحدات معالجة الرسوميات فتعالج عدداً ضخماً من المهام البسيطة
أما وحدات معالجة الرسوميات على الجانب المقابل، فتحتوي على آلاف الأنوية الأصغر حجماً والمصممة لتأدية جميع المهام في الوقت ذاته (بالتوازي)، من أجل تحقيق عملية معالجة سريعة إجمالاً.
وهذا يجعل وحدات معالجة الرسوميات مناسبةً تماماً للمهام التي تتطلب عدداً كبيراً من العمليات البسيطة التي يمكن تنفيذها في وقتٍ واحد، بدلاً من تنفيذها واحدة تلو الأخرى.
وتأتي وحدات معالجة الرسوميات التقليدية في صورتين.
فأولاً، هناك الرقائق المنفردة التي تأتي داخل بطاقات توسعة لإضافتها إلى أجهزة الحاسوب الكبيرة.
أما الصورة الثانية فهي وحدات معالجة الرسوميات المدمجة مع وحدات المعالجة المركزية في رقاقة واحدة، وتتواجد داخل أجهزة الحاسوب المحمولة وأجهزة الألعاب مثل بلاي ستيشن 5 عادةً. وفي كلتا الحالتين، تتحكم وحدة المعالجة المركزية في ما تفعله وحدة معالجة الرسوميات.
تبين أنها ليست متفوقة فقط في توليد الصور، ولكن أيضاً في العمليات الرياضية
وتبيّن أن وحدات معالجة الرسوميات يمكن تغيير استخدامها لتفعل ما هو أكثر من مجرد توليد المشاهد المصورة.
حيث إن العديد من تكتيكات التعلُّم الآلي الداعمة للذكاء الاصطناعي، مثل الشبكات العصبية العميقة، تعتمد اعتماداً مكثفاً على مختلف أشكال "ضرب المصفوفات".
ويُعد "ضرب المصفوفات" عمليةً رياضية تشهد ضرب مجموعات كبيرة للغاية من الأعداد وجمعها معاً. وتتوافق هذه العمليات بصورةٍ جيدة مع "المعالجة المتوازية"، ما يعني إمكانية تنفيذها بسرعةٍ كبيرة عن طريق استخدام وحدات معالجة الرسوميات.
تايوان ساعدت على هذه الثورة التقنية عبر تصغير الرقائق
وتتزايد براعة وحدات معالجة الرسوميات في التعامل مع الأرقام بشكل مطرد، وذلك بفضل زيادة عدد الأنوية وسرعات عملها. وتأتي هذه التحسينات مدفوعةً في الأساس بالتحسينات التي تطرأ على عملية تصنيع الرقائق بواسطة شركات مثل TSMC في تايوان.
إذ يتضاءل حجم الترانزستور الواحد، الذي يعد المكون الأساسي لرقائق الحاسوب، ما يسمح بوضع عدد أكبر من الترانزستورات داخل المساحة المادية ذاتها.
أصبح منها أجهزة تعمل كـ"مسرعات" لمهام التعلم الآلي
لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. فربما تكون وحدات معالجة الرسوميات مفيدةً في تنفيذ المهام الحَوسبية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، لكنها ليست مثالية.
وكما كانت وحدات معالجة الرسوميات مصممةً في الأساس لزيادة سرعة أجهزة الحاسوب بتوفير معالجة متخصصة للرسوميات، سنجد أن هناك بعض المسرعات المصممة خصوصاً لتسريع مهام التعلم الآلي.
يشار إلى هذه المسرّعات عادةً باسم "وحدات معالجة رسوميات مراكز البيانات".
ونشأت بعض المسرّعات الأكثر شهرة، كتلك التي صنعتها شركات مثل AMD وNVIDIA، في صورة وحدات معالجة رسوميات تقليدية أول الأمر.
لكن تصميمها تطور بمرور الوقت حتى تتمكن من التعامل مع مختلف مهام التعلُّم الآلي بصورةٍ أفضل، وذلك من خلال دعم تنسيق "العقل الطافي أو brain float" (تقنية طورتها جوجل لتقليل متطلبات التخزين وزيادة سرعة حساب خوارزميات التعلم الآلي).
وتأتي وحدات معالجة رسوميات مراكز البيانات وغيرها من مُسرِّعات الذكاء الاصطناعي بحجم ذاكرة أكبر بكثير من بطاقات توسعة وحدات معالجة الرسوميات التقليدية، وهو أمر مهم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة. وكلما زاد حجم نموذج الذكاء الاصطناعي؛ زادت قدرته ودقته بالتبعية.
وهكذا يمكن صنع حاسوب خارق عبر صنع مسرع عملاق أو عدد كبير منها
ومن أجل رفع سرعة التدريب والتعامل مع نماذج ذكاء اصطناعي أكبر، مثل ChatGPT، يمكن تجميع العديد من وحدات معالجة رسوميات مراكز البيانات معاً لبناء حاسوب خارق. ويتطلب هذا الأمر وجود برنامجٍ أكثر تعقيداً حتى يستغل قوة معالجة الأرقام المتاحة بالشكل الصحيح.
وهناك نهج آخر يتمثل في إنشاء مُسرِّع واحد كبير للغاية، مثل "المعالج بحجم الرقاقة" الذي تُنتجه شركة Cerebras.
وحدات المعالجة المركزية تتطور بدورها ولكن في مجال الاستدلال
ولم تقف وحدات المعالجة المركزية في مكانها دون تطوير أيضاً. إذ تتمتع أحدث وحدات المعالجة المركزية من AMD وIntel بتعليمات مدمجة منخفضة المستوى، وذلك لتسريع معالجة الأرقام اللازمة للشبكات العصبية العميقة.
وتساعد هذه الوظيفة الإضافية في مهام "الاستدلال" بشكلٍ أساسي -وذلك باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التي جرى تطويرها في أماكن أخرى بالفعل.
لكن ستظل هناك حاجة لوجود المسرعات الكبيرة التي تشبه وحدات معالجة الرسوميات من أجل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي منذ البداية (أي أن وحدات معالجة الرسوميات مهمة للعمليات الكثيرة العدد، ولكن البسيطة مثل تعليم الذكاء الاصطناعي، بينما وحدات المعالجة المركزية للعمليات المعقدة ولكن قليلة العدد).
ومن الممكن صنع مسرّعات أكثر تخصصاً في خوارزميات تعلُّم آلي بعينها. حيث أنتجت شركة Groq مؤخراً "وحدة معالجة لغات" مصممة خصوصاً لتشغيل النماذج اللغوية الكبيرة، على غرار نموذج ChatGPT.
لكن صنع هذه المعالجات المتخصصة يتطلّب قدراً كبيراً من الموارد الهندسية. ويُظهر التاريخ أن معدل استخدام وشعبية أي خوارزمية تعلُّم آلي يميل إلى بلوغ ذروته في البداية، قبل أن ينحسر لاحقاً -لهذا قد تتحوّل الأجهزة المتخصصة الباهظة إلى أجهزة عتيقة الطراز بسرعة.
أما بالنسبة للمستهلك العادي، فمن المستبعد أن يمثل هذا الأمر مشكلة. إذ من المرجّح أن سرعة وحدات معالجة الرسوميات، وغيرها من رقائق المنتجات التي تستخدمها، ستستمر في الزيادة بهدوء.