تمر إسرائيل بأزمة مالية متفاقمة ساهمت الحرب في تثويرها، حيث تعاني الكثير من الوزارات من نقص المخصصات المالية اللازمة لتسيير أعمالها، وسط استمرار الانقسامات في الكنيست بين القوى والأحزاب حول عشرات البنود الواردة في الموازنة المعدلة للعام الجاري 2024، والتي تشهد ارتفاعاً كبيراً في نفقات الحرب وتفاقماً في العجز المالي.
واتسع العجز المالي الإسرائيلي، ليصل إلى 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، ما يمثل زيادة بنسبة 0.6% مقارنة بالشهر الذي قبله، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن المحاسب العام لوزارة المالية نقلتها صحيفة غلوبز الإسرائيلية المتخصصة.
وبلغ العجز المالي -الذي يمثل الفجوة بين إيرادات الحكومة ونفقاتها- إلى 89.1 مليار شيكل (24.24 مليار دولار) في الأشهر الـ12 التي سبقت نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي. وارتفع الإنفاق الحكومي في شهر يناير/كانون الثاني الماضي بشكل ملحوظ، ليصل إجماليه إلى 41.2 مليار شيكل (11.2 مليار دولار)، ما يعكس زيادة بنسبة 36% مقارنة بشهر يناير من عام 2021.
ما أسباب تعثر موازنة الحكومة الإسرائيلية؟
تعرضت الموازنة لدولة الاحتلال في عام 2024 لتأجيل آخر بعد تأخيرات لا حصر لها، آخرها يوم الإثنين 4 مارس/آذار 2024، حيث كان من المقرر أن توافق وزارة المالية والكنيست عليها، لكن الموافقة على القراءة الثالثة لها في الكنيست تأجلت. وأصبح من المتوقع تمرير القراءة الثالثة في مطلع الأسبوع المقبل الذي سيبدأ يوم 11 مارس/آذار.
إذ كان من المفترض صدور الموافقة النهائية على القراءة الثالثة في الكنيست منذ 19 فبراير/شباط، أي بعد 50 يوماً بالضبط من بداية السنة المالية 2024. لكن إقرارها تأخر لأسابيع بسبب إصرار وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، على تخصيص 4 مليارات شيكل (1.11 مليار دولار) في قاعدة الموازنة لصالح الائتلاف الحاكم.
وبموجب اتفاق التحالف الذي أبرمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع سموتريتش وقادة الأحزاب الدينية الأخرى بعد انتخابات 2022، كان من المقرر تخصيص مليارات الشواكل للأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة المؤيدة للمستوطنين.
وذكر المستشارون القانونيون في الوزارات الحكومية أن هذه الإضافة ستدخل قاعدة الموازنة في عام 2024 فقط، ولن تشكل سابقة لتضمينها في موازنات الأعوام المقبلة أيضاً.
ما تبعات تأخير إقرار الموازنة الإسرائيلية؟
تقول صحيفة Yedioth Ahronoth العبرية إن هذا التأخير في إقرار الموازنة العامة يُعد بمثابة مخالفة لقانون الحكومة، حيث يؤدي إلى خفض ميزانيات جميع الوزارات الحكومية بمئات الملايين من الشواكل، ناهيك عن خفضها السابق بقيمة 67 مليار شيكل (18.65 مليار دولار) في الموازنة التي جرى تمريرها شهر مايو/أيار عام 2023. ولهذا حظرت وزارة المالية دخول جميع الوزارات في أي ارتباطات جديدة، بما في ذلك تعيين موظفين جدد داخل المكاتب الحكومية حالياً.
وفي الوقت الراهن، لم تمرر اللجنة المالية في الكنيست سوى أقل من نصف بنود الموازنة الجديدة لعام 2024. ولا يزال هناك نحو 30 بنداً في انتظار الموافقة الآن، وهناك العديد من الخلافات بين أعضاء الكنيست ووزارة المالية حول بعضها.
وتتعلق أوجه الخلاف الرئيسية بإجمالي ميزانية جميع الوزارات، والتخفيضات الكبيرة في ميزانية كل وزارة، والزيادة الضخمة في ميزانية الدفاع بمقدار 30 مليار شيكل (8.35 مليار دولار).
وتشمل بعض أوجه الجدل مسألة فرض ضريبة الكربون، وكذلك زيادة الضرائب على أرباح المصارف. حيث يتمحور الخلاف حول فرض ضريبة القيمة المضافة على البنوك بنسبة 26% بدلاً من 17%، أو فرض منحة تُدفع للدولة مرة واحدة دون ضرائب بقيمة 1.2 مليار شيكل (334 مليون دولار). ويريد أعضاء الكنيست كذلك ضمان ألا تمرر المصارف تلك الضرائب إلى قاعدة المستهلكين بعد فرض التدابير.
لماذا الأحزاب الحريدية مستاءة من الميزانية الجديدة؟
وهناك مقترح لإلغاء إعفاء الرسوم الجمركية الذي كانت تتمتع به علب السجائر، لكن أعضاء حزب الليكود في اللجنة المالية بالكنيست يعارضون ذلك. بينما تشهد ميزانية وزارة التعليم معارضةً لقرار تخفيض ميزانية مراحل ما قبل المدرسة (الحضانة) بقيمة 200 مليون شيكل (أي 55.68 مليون دولار)، ما سيؤدي إلى خفض ساعات التدريب والتدريس بدايةً من العام المقبل.
وعلى الجانب المقابل، عثرت اللجنة على مصدر لتغطية التخفيض المخطط له في ميزانية الحركات الشبابية بمقدار 30 مليون شيكل (8.35 مليون دولار)، كما ستحصل المنظمات الشبابية اليهودية الحريدية على زيادة مالية.
فيما تواجه إضافة برنامج "أفق جديد" إلى الشبكات اليهودية الحريدية بعض الصعوبات القانونية. إذ ليست الإضافة مدرجةً في الميزانية حالياً، بل هي مدرجة في البنود الاحتياطية فقط، ما يثير استياء الأحزاب الحريدية المتدينة.
وهناك معارضة من الأحزاب اليسارية لخفض ميزانية وزارة المساواة الاجتماعية والميزانية المرصودة للمجتمع العربي. كما يعترض بعض أعضاء الأحزاب المعارضة على زيادة ميزانية وزارة الاستيطان بمقدار 200 مليون شيكل (55.68 مليون دولار).
ويشكل العجز المالي المتزايد تحدياً اقتصادياً كبيراً لإسرائيل، خاصة في ظل زيادة الإنفاق الحكومي المرتبط بالحرب المستمرة على غزة. وتتكبد إسرائيل خسائر متواصلة جراء العدوان الذي تشنه على قطاع غزة. وتتراوح الخسائر المتوقعة حسب مصادر حكومية وغير حكومية ما بين 100 و125 مليار دولار، بمثابة خسائر مباشرة وغير مباشرة. وأغلب هذه الخسائر مرتبطة بزيادة الإنفاق العسكري في الحرب. وبينما يجد الاقتصاد الإسرائيلي نفسه في مأزق غير مسبوق، وصلت نسبة الخسائر في بعض القطاعات إلى 80% وخاصة قطاع السياحة.
700 مليون دولار ضرائب إضافية على بنوك إسرائيل لدعم الميزانية
وبحسب تقرير لوكالة رويترز، سيتعين على البنوك الإسرائيلية أن تدفع ضرائب إضافية تصل إلى 2.5 مليار شيكل (700 مليون دولار) على مدى العامين المقبلين، ضمن مساعي المشرعين لإيجاد سبل جديدة لتعزيز الخزانة العامة المستنزفة بفعل نفقات الحرب.
وبموجب تعديل ضريبي وافقت عليه اللجنة المالية بالكنيست، الإثنين، ستدفع البنوك، التي ستبدأ الإعلان عن نتائج الربع الرابع هذا الأسبوع، 6% إضافية من الأرباح الناتجة عن أنشطتها في إسرائيل في عامي 2024 و2025.
وسعت وزارة المالية في البداية إلى رفع إجمالي معدل ضريبة القيمة المضافة على أرباح البنوك إلى 26% من 17%، خاصة بعد ارتفاع أرباح البنوك العامين الماضيين بسبب الصعود الحاد في أسعار الفائدة، لكن البنوك ضغطت حتى لا تمضي قدماً في الأمر.
وقال رئيس اللجنة المالية، موشيه جافني: "هذه خطوة كبيرة لأن البنوك ليست أبقاراً مقدسة ويمكن جمع الأموال منها". وانتقد جافني البنك المركزي الإسرائيلي مراراً بسبب رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 4.75% من 0.1 على مدار عام، ما دفع أسعار الفائدة على الرهن العقاري والقروض الأخرى إلى الصعود بحدة. كما انتقد جافني البنوك لتباطؤها في تطبيق هذه المعدلات المرتفعة على الحسابات المصرفية للمستهلكين.
وفي ضربة للاقتصاد الإسرائيلي قررت وكالة موديز خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى A2 مع نظرة مستقبلية سلبية، بسبب الحرب الدائرة مع غزة وتأثيرها في إسرائيل، الأمر الذي شكّل مخاطر سياسية واقتصادية، إذ تقدِّر موديز أن عبء الديون الإسرائيلية سيكون أعلى من تقديرات ما قبل الحرب.
وأثقلت إسرائيل كاهلها بالديون منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولجأت إلى الديون الكبيرة وإلى بيع الأصول من السندات، وهي تقر موازنة بعجز كبير، خصصت فيها ملايين الدولارات للتسليح من أجل تمويل حربها على قطاع غزة.