منذ بدء معركة "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023 شن حزب الله اللبناني عمليات قصف صاروخي متكررة على مواقع عسكرية إسرائيلية كان أبرزها ما يعرف بـ"قاعدة ميرون" العسكرية شمال فلسطين المحتلة، التي تعرضت بحسب اعتراف جيش الاحتلال لقصف بعشرات الصواريخ في 6 يناير و23 يناير و27 يناير 2024 من جنوب لبنان. فما هي قاعدة ميرون الإسرائيلية، وما أهميتها الاستراتيجية والاستخباراتية للاحتلال؟
ما هي قاعدة ميرون العسكرية الإسرائيلية؟
قاعدة مراقبة الحركة الجوية الشمالية التي تحمل اسم BA 506 لدى الجيش الإسرائيلي، وهي قاعدة تحكم ومراقبة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي وتُعرف بأنها "إحدى أعين إسرائيل التي ترى كل شيء"، وتقع على قمة جبل ميرون في مدينة صفد المحتلة حيث تحظى بموقع استراتيجي، يمكنها من التحكم والرصد للمجال الجوي في النصف الشمالي من الأراضي المحتلة المطلة على لبنان وسوريا، وكذلك قبرص والدول المجاورة الأخرى.
وتعد قاعدة ميرون شريكة في كل عملية جوية في هذه المنطقة، ويخدم بها العشرات من الجنود والضباط من جيش الاحتلال، وتقع تحت قيادة نظام التحكم في سلاح الجو الإسرائيلي. ويدير الوحدة العسكرية داخل القاعدة ضابط برتبة مقدم، لكن لا يتم نشر أسماء قادتها علناً، بحسب الجيش الإسرائيلي.
تتلخص مهام هذه الوحدة في كشف وتحديد محاولات التسلل إلى المجال الجوي، وخلق صورة للوضع الجوي فوق إسرائيل والدول المجاورة، والإنذار المبكر لصالح الدفاع الجوي والمهام التشغيلية المختلفة. وإلى جانب النشاط العملياتي الحالي، يتدرب جنود الوحدة على إمكانية القتال على الجبهة الشمالية.
متى تأسست قاعدة ميرون، وما أبرز المهمات التي قامت بها؟
تأسست هذه القاعدة كوحدة عام 1967 وشارك جنودها في البداية في اعتراض الطائرات المقاتلة بما فيها طائرات الميغ السورية. وفي المعركة الجوية التي جرت بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1973، أسقطت الطائرات الحربية الإسرائيلية 12 طائرة حربية سورية أطلقتها وحدة التحكم ورافقتها حتى تم إسقاطها. وبعد أقل من شهر، اندلعت حرب "يوم الغفران" في 6 أكتوبر 1973، وقام جنود هذه القاعدة بالعديد من عمليات الرصد والاعتراض.
كما شاركت قاعدة ميرون في حرب 1982، كرصد وتوجيه مساند لجيش الاحتلال الإسرائيلي. وبعد عام 1989 تم تطوير هذه القاعدة وإدخال تحسينات ومعدات تكنولوجية لاكتشاف أي تهديدات جوية تقريباً، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار.
وفي عام 2006، شاركت الوحدة المقيمة في هذه القاعدة في حرب لبنان الثانية عندما ساعد جنودها في توجيه الغارات الجوية بطائرات مقاتلة من سلاح الجو لاستهداف عناصر حزب الله والرادارات ومخزونات الأسلحة ومحطات البث وغيرها.
ونظراً لقربها من الحدود اللبنانية، فإن الوحدة في حالة استيعاب وتأهب قصوى للغارات الجوية. وفي حرب لبنان الثانية وقبلها أيضاً تعرضت لهجوم من قبل حزب الله حتى تم تدمير راداراتها، وتم ترميمها بعد حرب 2006.
وتتولى الوحدة خلال الأعوام الأخيرة الماضية دوراً خاصاً في تنسيق العمليات بين سلاح الجو الإسرائيلي وسلاح الجو الروسي في سوريا.
تمتلك الوحدة العسكرية في قاعدة ميرون بطاريات صواريخ أرض جو مثل نظام دايموند في نظام الدفاع الجوي، كما تم تركيب نظام قيادة وسيطرة مشترك فيها للبحرية والقوات الجوية الإسرائيلية عام 2008، ما يسمح بمنظومة تحكم جوية موحدة.
تضمن القاعدة رادارات متقدمة عدة (وهي القبب الكروية المصنوعة من الألياف الزجاجية) لكشف الطائرات، بالإضافة إلى أنظمة اتصالات وتجسس وتشويش ومراكز تحكم تحت الأرض في مخابئ محصنة، وقد وصفها موقع "مكورن ريشون" العبري، بأنها القاعدة السرية التي تدير الهجمات الجوية على سوريا، وأيضاً ذكر موقع "بحدري حريديم" أن المحطة مسؤولة عن توجيه هجمات عديدة على سوريا أوقعت عشرات القتلى.
ما هو جبل ميرون أو جبل الجرمق التي أقيمت عليه هذه القاعدة؟
ميرون (تعني بالكنعانية المكان المرتفع) كانت قرية جبلية فلسطينية في صفد تبعد 5 كيلومتر (3.1 ميل) غرب مدينة صفد مع انحراف قليل نحو الشمال، وأنشئت قرية ميرون في جبال الجليل الأعلى فوق كتف السفح الشرقي لجبل الجرمق (1208م) على ارتفاع 750م. ويمر وادي ميرون بجنوبها على بعد ربع كيلومتر فيشكل الحد الجنوبي لأراضيها. ومن روافده الموجودة ضمن أراضي القرية وادي خلة حسيكة ووادي الفوار.
وكان في ميرون 154 نسمة عام 1922، وارتفع العدد عام 1931 إلى 189 نسمة، منهم 158 عربياً و31 صهيونياً (16,4%) وفي عام 1948 وصل 336 نسمة، ومن أعلام القرية جلال كعوش الذي نسف السفارة الفرنسية في بيروت عام 1957 انتقاماً من الجرائم الفرنسية في الجزائر ويعتبر أول شهيد للمقاومة الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية.
طرد سكان ميرون من قريتهم خلال النكبة على دفعتين: الأولى بعيد سقوط صفد في يد عصابة "الهاغاناه" في 10 أيار/مايو 1948، والأخرى في أواخر تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، بعد أن احتلال القرية. وقد جُرت ميرون أيضاً إلى المعركة التي دارت في صفد ونواحيها، ثم غارت الكتيبة الأولى من لواء "يفتاح" على القرية ضمن عملية يفتاح، في 28 و29 أيار/مايو، ودمرت جسراً كان عند مشارفها.
وتذكر المصادر الإسرائيلية أن وحدات لواءي شيفع (السابع) وكرملي واجهت صعوبات في احتلال قرية ميرون، جراء مقاومة المدافعين عنها، إلى أن قرر قادة هذه الوحدات أخيراً تجاوزها والاستمرار في التقدم نحو قرية الصفصاف، وما كادت صفصاف تسقط حتى سقطت ميرون وهجّر من تبقى من السكان نحو لبنان ودمروها عِقاباً لهم على مقاومتهم.
بعد النكبة، سكن أهالي ميرون في مخيم عين الحلوة ومخيم المية مية في لبنان، فيما أسس يهود هاجر معظمهم من أوروبا الشرقية والبلقان مستوطنة في ميرون يبلغ تعداد سكانها المئات من اليهود اليوم.
قاعدة ميرون ومعركة "طوفان الأقصى"
في 6 يناير/كانون الثاني 2024، اعترف الجيش الإسرائيلي بأن أضراراً لحقت بقاعدة المراقبة الجوية العسكرية "ميرون" بعد استهدافها من قبل "حزب الله" اللبناني، بعدد من الصواريخ دون الاعتراف بوقوع خسائر بشرية. وقصف الحزب قاعدة ميرون بعشرات الصواريخ حينها رداً على اغتيال تل أبيب لنائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس صالح العاروري، بالضاحية الجنوبية لبيروت، في 2 يناير 2024.
وحينها قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن "حزب الله نجح في إلحاق أضرار بقدرات قاعدة المراقبة الجوية التابعة لسلاح الجو في ميرون بقصف غير معتاد". وبحسب الصحيفة فإن أضراراً لحقت بطائرات، وببعض البنية التحتية للكشف في وحدة التحكم الجوي.
وفي 23 يناير/كانون الثاني 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي عن وقوع أضرار ببنى تحتية في قاعدة عسكرية تابعة لسلاح الجو في الشمال، إثر إطلاق قذائف من لبنان، في الوقت الذي أكدت فيه وسائل إعلام إسرائيلية أن عدداً من الصواريخ أُطلق من لبنان. ورغم عدم كشف الجيش حينها عن اسم القاعدة، قالت إذاعة الجيش إن الحديث يدور عن قاعدة "ميرون" التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.
ويوم الثلاثاء 27 فبراير/شباط 2024، أعلن حزب الله مجدداً عن استهداف قاعدة ميرون العسكرية، فيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بسقوط 40 صاروخاً أطلقت من لبنان، باتجاه شمال فلسطين المحتلة.
حزب الله في بيان قال إنه "دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ورداً على العدوان على محيط مدينة بعلبك في البقاع استهدفنا قاعدة "ميرون" للمراقبة الجوية، في جبل الجرمق، بدفعة صاروخية كبيرة من عدّة راجمات".
القناة 12 الإسرائيلية قالت إن 30 إلى 40 صاروخاً أطلقت من لبنان، فيما أعلن الإسعاف الإسرائيلي عدم وقوع إصابات حتى اللحظة. قبل هذا الهجوم بيوم، أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن اغتيال القيادي في "حزب الله" حسن حسين سلامي، الذي قال إنه كان "مسؤولاً عن تنفيذ هجمات" ضد دولة الاحتلال. الجيش قال في بيان نشره بحسابه على منصة "إكس": "قتلت طائرة مسيرة تابعة للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان مسؤول قطاع الحجر الإرهابي حسن حسين سلامي".