"لغز مثير للانتباه شهدته الانتخابات الإندونيسية"، إذ فاز فيها عسكري سابق متهم بانتهاكات حقوقية، ولكن هذا ليس هو الأمر الغريب، ولكن الغريب حقاً أن الرجل المرجح أن يكون رئيس إندونيسيا الجديد وهو بورابوو سوبيانتو فاز بفضل أصوات الشباب الذين عادة ما يكونون أول المناهضين لمثل هذا النمط من السياسيين.
وقال الجنرال السابق برابوو سوبيانتو إنه فاز بالانتخابات الرئاسية الإندونيسية التي جرت الأربعاء الماضي معتمداً على النتائج الأولية. لكن لم يعلن أنه رئيس إندونيسيا الجديد وأكد أنه سينتظر "النتيجة الرسمية".
ولن يتم إصدار النتائج الرسمية حتى الشهر المقبل، لكن أربع مجموعات على الأقل وافقت عليها الحكومة – تضع توقعات بناءً على الإحصاء الرسمي المبكر – أظهرت فوز سوبيانتو بحوالي 57% بأغلبية واضحة، وأنه سيصبح رئيس إندونيسيا الجديد.
كما أن عمليات فرز الأصوات من قبل مؤسسات استطلاع مستقلة – كانت دقيقة في الماضي – أظهرت أنه حصل على ما يقرب من 60% من الأصوات.
في غضون ذلك، أعلن ناطق باسم المرشح غنجار برانوو الذي تشير الاستطلاعات إلى حلوله في المرتبة الثالثة، وجود عمليات تزوير "منظمة وممنهجة وهائلة" في الانتخابات، دون أن يقدم أدلة.
كان اسم برابوو سوبيانتو يثير فزع الإندونيسيين في مرحلة ما من تاريخ البلاد، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وما زال فوزه يثير قلق الجماعات الحقوقية بسبب تاريخه الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان.
وإذا تأكد فوز بورابوو سوبيانتو بمنصب رئيس إندونيسيا الجديد سوف يقود أكبر دولة إسلامية وثالث أكبر ديمقراطية في العالم صاحبة أكبر اقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا.
رئيس إندونيسيا الجديد صهر الديكتاتور السابق الذي أطاحت به ثورة شعبية وشكوك بتورطه في التعذيب
ويتحدر رئيس إندونيسيا الجديد المرجح من عائلة تنتمي للنخبة التي كانت حاكمة من في ظل الحكم الديكتاتوري، وهو نفسه كان صهر الديكتاتور الراحل سوهارتو، حيث تزوج إحدى بناته سوهارتو وظل في الدائرة الداخلية للديكتاتور الإندونيسي.
ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك.
إذ إن رئيس إندونيسيا الجديد المحتمل، متهم بالتورط في اختطاف طلاب نشطاء في عام 1998 وانتهاكات حقوق الإنسان في بابوا وتيمور الشرقية، أثناء خدمته كقائد عسكري خلال أيام احتضار ديكتاتورية سوهارتو قبل جيل مضى.
فمع انهيار حكم سوهارتو في أواخر التسعينيات، اتُّهمت القوات الخاصة الإندونيسية باختطاف أكثر من عشرين من النشطاء الطلابيين لمعارضتهم النظام. ولا يزال ما لا يقل عن اثني عشر منهم في عداد المفقودين ويخشى أن يكونوا قد لقوا حتفهم. كما زعم الناجون منهم أنهم تعرضوا للتعذيب.
وأعربت جماعات حقوق الإنسان عن قلقها من أن الرئيس البالغ من العمر 72 عاماً قد يتراجع عن الحريات الديمقراطية التي حصل عليها بشق الأنفس، مشيرة إلى اتهامات بأنه أمر باختطاف نشطاء ديمقراطيين في نهاية حكم سوهارتو.
طرد من الجيش ونفي إلى الأردن
وفي عام 1998، طُرد برابوو من الجيش الإندونيسي بعد مزاعم بأنه أمر باختطاف نشطاء مؤيدين للديمقراطية، ولا يزال أكثر من اثني عشر منهم في عداد المفقودين، إضافة لاتهامه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في تيمور الشرقية.
وبعد طرده من الجيش، ذهب إلى المنفى الاختياري في الأردن. وكان قد مُنع في السابق من دخول الولايات المتحدة.
ونفى برابوو الاتهامات الموجهة إليه ولم توجَّه إليه أي اتهامات رسمية، حسبما ورد في تقرير لموقع صوت أمريكا "voanews".
وقال عثمان حامد، المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في إندونيسيا: "ما زلت أشعر بالقلق من أن برابوو قد يتراجع عن الإصلاحات التي تحققت بدموع ودماء زملائي الطلاب الناشطين"، حسبما ورد في تقرير الموقع الأمريكي.
ترشح لثلاث مرات، فما الذي تغير؟ فتش عن دور الرئيس المنتهية ولايته
وهذه هي المرة الثالثة التي يترشح فيها برابوو لمنصب الرئاسة. وقد ترشح لمنصب نائب الرئيس في عام 2009 دون جدوى مع الرئيسة السابقة ميجاواتي سوكارنوبوتري. وخسر انتخابات 2014 و2019 أمام الرئيس المنتهية ولايته جوكو ويدودو، الذي أيده منذ ذلك الحين.
وبعد أن بات غير قادر على الترشح بعد قضائه فترتين كحد أقصى، أشار الرئيس المنتهية ولايته ويدودو، المعروف باسم جوكوي، إلى دعمه لعدوه اللدود برابوو، الذي هزمه من قبل في عامي 2014 و2019.
ويقول محللون إن جوكوي يسعى، مع ابنه البالغ من العمر 36 عاماً الذي يحتمل أن يكون نائباً لـ"رئيس إندونيسيا الجديد"، إلى الاحتفاظ ببعض النفوذ في الحكومة.
وواجه الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو انتقادات متزايدة بشأن التدخل المزعوم في الانتخابات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
من خلال تعيين برابوو في حكومته، زوده جوكوي بمستوى من المصداقية والصبغة السياسية التي كان يفتقر إليها سابقاً، فلقد فرش له السجاد الأحمر كوزير دفاع رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان والتي اكتسبت هي وجيشها أهمية كبيرة في ظل موقعها شديد الأهمية الواقع بين المحيطين الهادئ والهندي، وهو الموقع الحساس في المنافسة الصينية الأمريكية المتصاعدة، كما تولى هذا المنصب الحساس في فترة شديدة الأهمية بالنسبة للجيش الإندونيسي الذي يسعى لتحديث قواته، ويقابل ذلك باهتمام من قبل أمريكا التي تسعى لاستقطاب إندونيسيا لجانبها بعيداً عن الصين، خاصة في ظل قلق جاكرتا من توسع نفوذ بكين في بحر الصين الجنوبي.
ولذا لم يكن غريباً أن تفرش له واشنطن السجاد الأحمر وتنهي حظر السفر الذي فرضته عليه من قبل عندما استقبلته في عام 2020 عندما زار البنتاغون.
كيف اقتنص أصوات الشباب؟ حملة دعاية استثنائية
ويقول محللون إن الانطباع عن قائد القوات الخاصة السابق شهد تحولاً ملحوظاً منذ تعيينه وزيراً للدفاع في عام 2019، حيث نجح في بناء صورة شخصية أكثر جاذبية كرجل دولة بدلاً من صورة "القومي المتدين الناري العسكري" التي ارتبط بها من قبل.
وأظهرت استطلاعات الرأي منذ فترة طويلة أن وزير الدفاع القوي هو المرشح الأوفر حظاً، بعد أن تعهد بمواصلة أجندة الزعيم الشعبي المنتهية ولايته جوكو ويدودو، المتهم بدعم حملته بشكل غير لائق.
واكتسب الرجل حضوراً شعبياً على الإنترنت، مع أكثر من 9 ملايين متابع على إنستغرام ومقاطع فيديو واسعة الانتشار على تيك توك، والتي اجتذبت دعم الشباب الإندونيسي.
كما يعرض حساب الرجل المرجح أن يصبح رئيس إندونيسيا الجديد على إنستغرام صوراً فنية بالأبيض والأسود، وصوراً عائلية قديمة.
وطوال الحملة الانتخابية، أسعدت شخصيته المتحركة ذات الخدود الممتلئة التي ابتكرها الذكاء الاصطناعي ناخبي جيل Z من خلال عرض قلوب الأصابع على الطريقة الكورية وحمل قطته العزيزة، "بوبي" بحنان.
لا يعرفون ماضيه ولكن لفت انتباههم برقصاته المحرجة
وقالت الطالبة الجامعية ستيفاني إسكندر لإذاعة صوت أمريكا إن العديد من الشباب الإندونيسيين لا يعرفون ماضيه وقد تأثروا بشكل كبير بحضور الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت في تجمع انتخابي قبل الانتخابات: "لقد أصبحوا ضعفاء للغاية مع كل هذا التواصل السياسي مع الشباب ومع تيك توك".
فأكثر من نصف الناخبين الإندونيسيين هم تحت سن الأربعين، ولديهم معرفة محدودة بالروايات المظلمة عن ماضيه العسكري المتشدد وصعوده في ظل حكم سوهارتو الاستبدادي.
وأصبح العديد من الشباب الإندونيسي يحبون برابوو، ولا سيما حركاته الراقصة المحرجة في الأماكن العامة والتي انتشرت بسرعة على TikTok، مما ساعده على الاستفادة من مجموعة سكانية رئيسية.
وقال ألبرت جوشوا، أحد الناخبين الشباب الداعمين لبرابوو سوبيانتو ويبلغ من العمر 25 سنة: "لقد أصبح أكبر سناً، لكنه يحتضن جيلي".
"أنا شخص لطيف، ولست مخيفاً"
وقال روس تابسيل، الباحث في الجامعة الوطنية الأسترالية: "من الواضح أن فريق رئيس إندونيسيا الجديد يصوره بطريقة أكثر نعومة في محاولة لكسب الناخبين المترددين. إنه تغيير عن الحملات السابقة حيث رأينا برابوو الشعبوي القومي، وبرابوو المؤيد للإسلاميين".
وفي علامة أخرى على تغير الصورة، ظهر برابوو، في مقابلة تلفزيونية، على أنه شخص مرح ولطيف.
وفي إشارة إلى الفترة التي قضاها كجندي، قال برابوو: "ربما كان التصور السائد عني هو أنني كنت قاسياً ومخيفاً. أنا لست مخيفاً الآن، أليس كذلك؟"