أوقعت حرب غزة مصر في معضلات كثيرة، في الساحتين العربية والدولية، كما زاد التوتر بين مصر وإسرائيل، فيما يبدو أن تل أبيب تسعى لنقل أزماتها وتبعات فشلها في التعامل مع المقاومة الفلسطينية إلى القاهرة، كما يبدو من انتقادات بعض المسؤولين الإسرائيليين المتطرفين لها وأحاديثهم عن نقل النازحين إلى سيناء.
وزاد التوتر بين مصر وإسرائيل بسبب اعتزام الأخيرة الهجوم على مدينة رفح الملاصقة للحدود المصرية الأمر الذي يهدد بتدفق اللاجئين على سيناء، وسبق أن حذرت مصر إسرائيل، من أن تنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح، سيكون له عواقب وخيمة في ظل وجود 1.4 مليون لاجئ فروا من باقي مناطق قطاع غزة.
موقع Mekomit الإسرائيلي عرض وجهة نظره بشأن تأثير حرب غزة على القاهرة، وتأثير التوتر بين مصر وإسرائيل على العلاقات بينهما في ظل هذه الأزمة التي تعاني القاهرة من تداعياتها، ولكن الموقع تجنب الإشارة لدور الدولة العبرية في هذا المأزق الذي وضعت فيه أول شريكة عربية لها في السلام، كما تجنب الإشارة لاستفزازات بعض مسؤولي حكومة نتنياهو التي فاقمت التوتر بين مصر وإسرائيل.
مصر في موقف صعب داخلياً وخارجياً
ويقول الموقع الإسرائيلي إن الضغط الشعبي في مصر نفسها يضع حكم السيسي في موقف مضطرب على الساحة الداخلية أيضاً، وبالتالي يضطر المسؤولون المصريون من ناحية إلى تصعيد اللهجة ضد إسرائيل، ومن ناحية أخرى إلى الاستمرار في حماية المصالح المصرية وعلى رأسها معارضة أي مرور للاجئين من غزة إلى أراضيها (لم يتطرق الموقع إلى أن هذا الملف هو الأكثر إثارة للخلاف والتوتر بين مصر وإسرائيل).
وتتجلى أبرز أوجه مشكلات الجانب المصري في حقيقة أن مصر لم تعُد صاحبة دور الوسيط شبه الحصري بين إسرائيل وحماس، كما كان الحال في الماضي، فبينما مصر خلال جولات القتال السابقة في غزة، وخاصة في حرب غزة عام 2014، هي من قادت الوساطة بين إسرائيل وحماس واجتمعت وفود الطرفين في القاهرة، فقطر هذه المرة هي من تقود الاتصالات غير المباشرة بين طرفي الحرب، خاصة في صفقات تبادل الأسرى، حسب الموقع الإسرائيلي الذي لم يلفت في تغطيته للموضوع للتنسيق الواضح بين الجانبين المصري والقطري.
ويضيف الموقع أنه بينما يتكشف ضعف مصر على الساحة العربية، تضطر الحكومة أيضاً على الساحة الداخلية إلى تفادي التوترات والسماح للجمهور بالتنفيس عن غضبه إلى حد ما. لكن مظاهرات عامة قد تتحول بسرعة إلى كابوس للحكومة في القاهرة، لأنها قد تنقلب ضدها.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، نُظم عدد من المظاهرات المؤيدة لفلسطين في أنحاء مصر، وشارك في بعضها مئات الآلاف من المواطنين، بعد أن فُرض حظر في السنوات الأخيرة على التظاهر في مصر.
والتظاهرات التي شهدتها مؤخراً نالت موافقة الحكومة، لعلمها أن الرأي العام غير راضٍ، على أقل تقدير، عن الموقف المصري تجاه ما يحدث في غزة، على أن ذلك لم يمنع السلطات الأمنية المصرية من اعتقال المتظاهرين الذين تجاوزوا الحدود المسموح بها في التظاهرات، حسب تقرير الموقع الإسرائيلي.
التوتر بين مصر وإسرائيل لا يمنع التعاون بينهما
التوتر بين مصر وإسرائيل ليس جديداً، ولكنه لم يمنع التعاون بين الطرفين، ففي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة بين مصر وإسرائيل تعاوناً إلى جانب التوترات. فكانت المخاوف الأمنية المشتركة، وخاصة في مواجهة الاضطرابات الإقليمية وصعود الجماعات المتطرفة، دافعاً للدولتين للتعاون على مختلف الجبهات، بما يشمل تبادل المعلومات الاستخبارية وجهود مكافحة الإرهاب.
وفضلاً عن ذلك، تعززت العلاقات الاقتصادية، وخاصة في مجال الطاقة، عبر اتفاقيات مثل منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضطلع فيه البلدان بدورين مهمين. وعززت هذه الشراكة أيضاً علاقات مصر مع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي اختارت الامتناع عن انتقاد حكم السيسي في انتهاكات حقوق الإنسان، حسب تعبير التقرير.
حرب غزة تضغط على الاقتصاد المصري
وجاء القتال في غزة في الوقت الذي تمر فيه مصر بأزمة اقتصادية حادة، أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتصاعد التضخم، ونقص العملة الأجنبية، وانخفاض قيمة الجنيه المصري. (أدت الأزمة لتراجع تدفق الدولار بسبب انخفاض السياحة والملاحة في قناة السويس).
وتضع هذه الأزمة مصر في موقف صعب أمام المجتمع الدولي في سعيها لأن تكون عاملاً مهماً في إنهاء الأزمة في غزة.
ويقول الموقع إنه يوم أن ينتهي القتال في غزة، ستجد مصر، التي تعتمد على القروض والمنح من عدد من الدول والمنظمات مثل صندوق النقد الدولي، نفسها تمد يدها لطلب المعونات وإلغاء الديون. وعجزها عن أن تكون عاملاً مؤثراً في ما يحدث في غزة بحد ذاته قد يؤثر على ذلك.
ويزعم التقرير أنه في ضوء كل هذا تجد مصر نفسها في موقف أضعف مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وفي الوقت الراهن، ولا يبدو أن هذا سيتغير، ترى مصر أنه من الأهمية بمكان الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل والغرب. لكن موقفها الذي يزداد ضعفاً، بسبب التحركات العسكرية الإسرائيلية المستمرة بالقرب من الحدود مع سيناء وضغط اللاجئين المتزايد على السياج الحدودي، قد يكون ثمنه فادحاً، ويؤدي إلى تنشيط تكتيكات الضغط وخاصة على إسرائيل.
وتتسم العلاقات بين مصر وإسرائيل الحالية بتداخل دقيق بين التعاونات والتوترات. وفي حين تعزز المصالح الأمنية والاقتصادية التعاون، فالصراع الإسرائيلي الفلسطيني يظل مصدراً مستمراً لنشوب التوتر بين مصر وإسرائيل.
ويؤكد المزاج الشعبي في القاهرة، الذي عبرت عنه الاحتجاجات والصحافة المصرية، الطبيعة المعقدة لهذه العلاقة.
ويقول الموقع إنه بينما تمضي مصر وإسرائيل في هذه الشبكة المعقدة من العلاقات، يكمن التحدي في التوصل إلى توازن يهدئ المخاوف المحلية ويحافظ على المصالح الاستراتيجية التي تربط بينهما في الوقت نفسه. ولا شك أنه بصرف النظر عن التوتر بين مصر وإسرائيل فإن ما يصفه بـ"الديناميكية المتطورة بينها ستستمر في تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.