"أقوى صاروخ في العالم في مجال تدمير الرادارات"، هكذا تصف بعض المصادر الغربية الصاروخ الأمريكي الجديد AARGM-ER الذي يحلّق بسرعة تقدر بأربعة أضعاف سرعة الصوت، والذي يقال إنه سيشكل جحيماً للرادارات المضادة للطائرات.
وتلمح مجلة Popular Mechanics الأمريكية إلى أن صاروخ AARGM-ER هو بمثابة أقوى صاروخ في العالم من بين الصواريخ المضادة للرادار، ويُنتظر منه أن يساعد القوات الجوية الأمريكية في فتح ثغرة في شبكات الدفاعات الجوية للعدو، وهو يخضع الآن لاختبارات ويُفترض أن تنتهي مرحلة الاختبارات في وقت لاحق من هذا العام.
هذا الصاروخ الموجّه المضاد للإشعاع ممتد المدى، يستقر في الدفاعات الجوية الأرضية للعدو، ويمنح مشغل الصاروخ خيارين: إما مواصلة عمله، أو تدميره.
هكذا جعلت الرادارات الصواريخ خطراً كبيراً على الطائرات
في ستينيات القرن الماضي، قادت تكنولوجيا عصر الفضاء إلى تطوير صواريخ أرض جو، تُطلق من الأرض.
قبل ذلك وعلى مدى عقود، اعتمدت الدفاعات الجوية الأرضية على مدافع على شاكلة مدفع فلاك 88 ملم الألماني من أجل إسقاط طائرات العدو. كانت المدافع قادرة على إطلاق قذائفها بسرعة والوصول إلى مسافة كبيرة -حيث بلغ سقف مداها إلى 25 ألف قدم– لكن قذائفها لم تكن موجهة، واعتمد مشغلوها على ملء السماء بوابل من الشظايا، التي عُرفت بـ"flak" أو نيران المدفعية، من أجل إلحاق الضرر بالطائرات وتدميرها.
تغير كل هذا بعد أن ألحق المهندسون منظومات التوجيه الراداري بمحركات الصواريخ؛ حيث إن صواريخ على شاكلة صاروخ نايكي هرقل الأمريكي، وصاروخ ثاندربيرد البريطاني، وصاروخ أس-75 دفينا السوفييتي، تستطيع اعتراض الطائرات التي تحلّق على ارتفاعات كبيرة في جميع الظروف المناخية مع احتمالية جيدة بأن تصيبها من ضربة واحدة.
ويتضمن أي تصميم نموذجي من هذه الصواريخ رادار بحث لتتبع الطائرات واكتشافها، وراداراً منفصلاً للسيطرة على إطلاق النار من أجل توجيه الصاروخ نحو هدفه، وبطارية تتكون من العديد من قاذفات الصواريخ أرض-جو.
وصارت الصواريخ التي تعتمد على الرادار تهديداً رئيسياً لسلسلة من الطائرات الهجومية. في أواسط ستينيات القرن الماضي، خلال الحرب الجوية على فيتنام، شكلت القوات الجوية الأمريكية فرقاً من الطائرات المقاتلة، التي تَمثَّل هدفها في تحديد موقع الدفاعات الجوية وتعريفها وسحقها، قبيل أي هجوم جوي كبير.
وحملت هذه الطائرات المقاتلة، التي عُرفت باسم "Wild Weasels" (ابن عِرس البرية)، صواريخ جديدة صُمّمت لإصابة الانبعاثات الكهرومغناطيسية التي تطلقها منظومات رادارات الصواريخ. وبمجرد إطلاقها، وضعت هذه الصواريخ المضادة للإشعاع الدفاعات الجوية أمام معضلة: فإما أن تواصل بث إشاراتها والمخاطرة باستقبال صاروخ من السماء، أو أن تطفئ راداراتها تجنباً لذلك الخطر.
شكلت هذه الصواريخ بداية الصواريخ المضادة للرادارات المحمولة جواً.
صاروخ هارم الأمريكي يطارد الرادارات بكفاءة ولكن الدفاعات الجوية المتحركة شكلت له معضلة
في ثمانينات القرن الماضي، دخل صاروخ جديد، وهو صاروخ فائق السرعة مضاد للإشعاعات (HARM)، إلى الخدمة في الجيش الأمريكي. وتماماً مثل ما تحمله تسمية الصاروخ، صُمم صاروخ HARM لغلق المساحات وتضييق الفرص أمام الدفاعات الجوية للعدو، وإجباره على التوقف عن أداء مهمته الدفاعية الجوية مبكراً.
ولكن في وجود شاحنات أو مقطورات الرادار، أصبح من الممكن أن تغلق هذه الشاحنات والمقطورات الرادار الذي تحمله، ثم تنتقل إلى موقع جديد، ثم تبدأ في بث إشاراتها مرة أخرى. كانت المكاسب العسكرية الجوية التي تتحقق تقع في معظم الأحيان عندما يُغلَق الرادار، لكن المهام المتكررة في نفس المناطق المجاورة أدت إلى بروز الحاجة إلى التعامل مع الرادارات التي تنجو من ضربات هذه الصواريخ مرة تلو الأخرى.
وأرسلت واشنطن صواريخ هارم لأوكرانيا، على الرغم من أنه كان هناك مشكلة دمج هذه الصواريخ مع الطائرة السوفييتية الصنع لدى كييف والتي تقنياتها غير مؤهلة لها.
ولكن في أغسطس/آب 2022، أكد مسؤول دفاع أمريكي كبير أن الأوكرانيين نجحوا في دمج صاروخ AGM-88 HARM في "طائرات MiG".
في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، أصدرت القوات الجوية الأوكرانية مقطع فيديو يظهر طائرة من طراز ميغ 29 وهي تطلق صاروخين من طراز HARM، وقالت روسيا إنها أسقطت أربعة صواريخ هارم خلال الحرب.
والآن صواريخ AARGM تستطيع مطاردة الرادار وهي تحاول الفرار
في العقد الثاني من الألفية الجديدة، حلَّت صواريخ AARGM محل صواريخ HARM لدى الولايات المتحدة، فأخذت جزء الذيل من صواريخ HARM، بما في ذلك محرك الصاروخ، ودمجته برأس جديد.
صارت صواريخ AARGM مُسلحة بإلكترونيات جديدة تضم نظام تحديد المواقع (GPS)، والقدرة على إرسال صور الهدف عبر الأقمار الاصطناعية قبل لحظات من الاصطدام، ورادار ذي موجات ملليمترية لا تقتصر قدراته على تحديد منظومة الرادار عندما يكون الردارا مغلقاً، بل أيضاً تتضمن القدرة على العمل حتى عندما تحاول منظومة الرادار الفرار إلى بر الأمان.
تتضمن الطائرات التي تحمل صواريخ AARGM طائرات بوينغ إف/إيه-18إي/إف سوبر هورنت، وطائرات الحرب الإلكترونية بوينغ إي إيه-18جي غرولير، وطائرات لوكهيد مارتن إف-35 لايتنيغ الثانية، والطائرة القتالية الألمانية تورنادو.
وهناك نسخة جديدة تعد بمثابة أقوى صاروخ في العالم في مجال تدمير الرادارات
في أواخر العقد الثاني من الألفية الجديدة، موَّلت البحرية الأمريكية نسخة جديدة من صواريخ AARGM، وهي الصواريخ الموجهة المضادة للإشعاع ممتدة المدى (AARGM-ER). وبدا أن الصواريخ الجديدة تستخدم رأس صواريخ AARGM السابقة، التي استخدمت ذيل الصواريخ السابقة HARM فقط.
لكن صواريخ AARGM-ER الجديدة استخدمت ذيلاً جديداً بمحرك صاروخ جديد، لم يضاعف المدة فحسب لحوالي 120 ميلاً، بل أيضاً صارت سرعتها ضعف سرعة سابقتها، لتصير سرعته تقريباً 4 ماخ. بالإضافة إلى البحرية الأمريكية، سوف تشغل القوات الجوية أيضاً صواريخ AARGM-ER، مع صواريخ محمولة داخلياً في طائرة القوات الجوية إف 35 إيه.
أدى التحسين المستمر من جانب البحرية الأمريكية لسلالة صواريخ HARM، واقعياً لحلق صاروخ جديد، يمكن وصفه بأنه أسرع وأقوى صاروخ في العالم في مجال تدمير الردارات.
فعلى مدى ثلاثة أجيال، استبدلت البحرية الأمريكية كلياً جميع مكونات صواريخ HARM الأصلية، مما أنتج صاروخاً جديداً كلياً. سوف يشكل هذا الصاروخ الجديد الأساس لصاروخ آخر جديد كلياً، وهو سلاح Stand-in Attack Weapon أو (SiAW)، الذي سوف يحل محل الصواريخ القديمة التي على شاكلة إيه جي إم-65 مافريك المخصصة للدعم الجوي قريب المدى (القصف الجوي القريب لدعم القوات الحليفة على الأرض).
هل يقلب صاروخ AARGM-ER المعادلة بين المقاتلات والرادارات؟
فضلت البحرية الأمريكية عدم منح تسمية جديدة مستقلة للصاروخ الجديد وأطلقت عليه AARGM-ER، وهو أمر تراه المجلة الأمريكية غير ملائم بالنظر إلى التطور الكبير الذي شهده مقارنة بالصاروخ الأصلي، وينظر له أنه سيكون أقوى صاروخ في العالم في مجال تدمير الرادارات.
إذ تقول على مدى العقود الأربعة الماضية، صار البنتاغون كسولاً حول تسمية الأسلحة. فطائرات إف 35، هي ذاتها طائرات لايتنيغ الثانية (طائرات تعود للحرب العالمية الثانية).
وكذلك صواريخ إيه جي إم-88 هارم ( AGM-88 HARM) لم تُمنح قط تسمية ملائمة، ونفس الأمر ينطبق على صواريخ AARGM.
وبهذا النمط، لن تُمنح الصواريخ AARGM-ER تسمية ملائمة هي الأخرى، لكنها قد تنطق "أرّجم"، ولعل التشابه بين هذه التسمية ومسميات القراصنة يعطيها لمحة من الاختيال والزخرفة، لا سيما في الحروب البحرية، حسب Popular Mechanics.
ولكن الأهم من التسمية هو مدى تأثير الصاروخ الجديد AARGM-ER، وفاعليته وهل يستحق لقب أقوى صاروخ في العالم في مجال تدمير الرادرات.
ففي معظم الأحيان، يكون الطيارون الذين ينفذون مهام إخماد الدفاعات الجوية للعدو، معرضين لخطر كبير في ظل الفرصة الضيقة المتاحة لتدمير العدو على الأرض.
ولكن المجلة الأمريكية تقول"إن صواريخ AARGM-ER "أرّجم" تحلق بسرعة تتجاوز 3 آلاف ميل في الساعة، ومن ثم فإنها ستكون خير رفيق للطيار لتجعل المجالات الجوية للعدو أكثر قابلية لتنفيذ المهمات والنجاة بعدها".